حيدر العبادي عندما يفكر... يحير!

كان قرار مجلس الوزراء بسن قانون يمنح الموظف إجازة مفتوحة لمدة خمس سنوات براتب إسمي فقط مفاجأة كبيرة على الرغم من أن القانون الجديد لم يقدم توضيحات شافية للشعب العراقي ليفهم المغزى من وراء هذا القانون المطلسم. مع هذا، من خلال قراءة التعليقات وردود فعل الأحزاب الحاكموة، فسر الجميع بأن الإفلاس الحكومي وهو الذي إستدعى سن مثل هذا القانون البليد الذي يتعارض مع الدستور البليد. ورفضت كتلة الأحرار في مجلس النواب القانون لأنه سيؤدي الى تفاقم مشكلة الحكومة من خلال تأسيس جيش كبير من العاطلين، وهذا وجه واحد للحقيقة ولا يمثل كل الأوجه، مع هذا فأن الرفض بحد ذاته مؤشر إيجابي مع أن الكتلة معروفة بتذبذب مواقفها وطيش الكثير من أفكارها، ومواقفها الماضية لا تبشر بخير.

إدعت كتلة الأحرار بأن القانون الذي تزامن مع عيد الأضحى المبارك شكل صدمة للعراقيين الذين كانوا يتوقعوا فتح مجال التوظيف وتقليص حجم البطالة وزيادات في الرواتب بسبب إرتفاع تكاليف المعيشة. مع أن العاقل لا يتوقع أن تقوم الحكومة بمثل هذه الخطوات للشعب عموما، فالتعيين أصلا لم يغلق ولكنه محصور على الشلة الحاكمة، والبطالة مطلوبة لغرض دفع العاطلين للإنتساب الى الحشد الشعبي والميليشيات التي تغدق عليهم الأموال من إستقطاعات رواتب الموظفين أنفسهم.

الكثير من التحليلات التي أدلى بها عدد من الإقتصاديين والمحللين الأفاضل لا مست سطح الحقيقة لكن ليس جوهرها، صحيح ان الحكومة بسبب الفساد المالي والقضائي على وشك الإفلاس، لكن هناك العديد من الطرق التي يمكنها مساعدة خزينة الدولة على إسترداد عافيتها كليا أو جزء منها، بل ان المالكي وحده قادر على تلقيح الخزينة من مئات المليارات من الدولارات التي أستحوذ عليها هو وحزبه الفاسد.

يمكن للحكومة بالتعاون من بقية الدولة والمنظمات الدولية ذات العلاقة إسترداد المليارات من الدولارات التي ضاعت بسبب الصفقات والعقود الوهمية، وتهريب وغسيل الأموال، فقد اعترف وزير المالية هوشيار الزيباري بأن عضو واحد من إئتلاف دولة القانون قام بتهريب (6) مليار دولار بعقود كاذبة، فما بالك بالبقية؟

علما ان لا دولة القانون ولا رئيس الوزراء ولا القضاء العراقي ولا مفوضية النزاهة علقوا على هذه السرقة؟ بل حتى الأحزاب التي تدعي معارضة دولة القانون بلعت الخبر عن ريق، أما الشعب العراقي فقد طلق بالثلاث ثروات البلد، فهي لم تعد تعنيه لا عن قريب ولا عن بعيد! كما يقول المثل العراقي "نايم ورجله بالشمس".

لقد اعترفت الحكومة نفسها والعديد من المنظمات الدولية بأن الخسائر الناجمة عن الفساد المالي الحكومي تترواح ما بين 700 ـ 1000 مليار دولار، بمعنى ان الحكومة لو تمكنت فرضا من إسترداد 10% من هذه الأموال فأنها سوف ترفد خزينة الدولة برصيد نقدي ضخم (100 مليار) يعوضها عن التسول أما باب صندوق النقد الدولي لإستقراض خمسة مليار دولار بشروط تعسفية وتؤثر على حال الشعب الفقير، قرض أشبه بالفخ،  تصرفه حكومة العبادي وتدفعه الحكومات القادمة التي لم تستفِد منه! ثم ما الذي يمكن أن تفعله (5) مليار دولار مقابل ضاع ألف مليار؟

علق (سرحان أحمد) عضو  اللجنة المالية في مجلس النواب بأن منح الإجازة للموظفين لمدة خمس سنوات براتب أسمي هو إعلان لإفلاس الحكومة. وكأن الحكومة غنية ولم تفلس بعد!

لو كانت مجلس النواب عموما واللجنة المالية النيابية خصوصا نزيهين وحريصين على أموال الشعب ما كان الحال قد وصل الى الحضيض. كنا نتمنى لو تحدث النائب الهمام عن الست مليارات التي أشار اليها الزيباري، بدلا من حديثه المفلس!

 كما توالت تصريحات أخرى علقت القانون الجديد على الأزمة المالية التي تعاني منها الحكومة والتي إستوجبت القانون الجديد، الذي تؤكد كل المؤشرات بأنه بالإضافة الى تعارضه مع الدستور لكنه لا يمكن ان يكون صادرا عن عقلية إقتصادية أو حتى عقلية علمية متواضعة، وانما من عمائم مفلسة الفكر والدين وأشباه رجال لا علاقة لهم بالإقتصاد، ولا غرابة طالما ان البنك المركزي العراقي يرأسه بائع درجات هوائية سابق في كندا، فما يتوقع المرء من مسيرة الأقتصاد العراقي؟

النقظة الجديرة بالإهتمام تتلخص بأن هذه الخطوة قد تكون شيطانية الغرض منها زج هؤلاء الموظفين في الحشد الشعبي والميليشيات الرسمية، وهنا سينقلب السحر على الساحر، فالموظفون سوف يتقاضوا الراتب الإسمي من جهة وراتب الحشد الشعبي من جهة ثانية، وسيكون الراتب الجديد أكثر من الراتب الكلي السابق، لأن رواتب الحشد عالية، وهنا سيكون الأمر طريفا لأن ما يستقطع من راتب الموظف الوظيفي سيتقاضاه نفسه مع زيادة كبيرة من راتب الحشد. من جهة أخرى أن رواتب الحشد الشعبي تتحمل حكومة العبادي معظم صرفياته ورواتبه، وهذا يعني انه في حالة إنخراط هؤلاء الموظفين في ميليشيات الحشد الشعبي فأن الحكومة ستتحمل عبئا ماليا إضافيا بدلا من تحقيق هدفها في معالجة العجز في الميزانية.

الأمر الذي يؤكد أن غالبية الموظفين سينخرطوا في الحشد الشعبي هو مستوى البطالة الذي يتجاوز 35% من الأيدي العاملة في البلد، فمن أين سيجد الموظفون فرض عمل جديدة في القطاع الخاص؟ كما ان غالبية الموظفين كما هو معروف غير مهرة إلا ما ندر، وهذا يعني صعوبة أخرى في إيجاد فرص عمل كتابية في القطاع الخاص.

كما ان مزاولتهم التجارة مثلا تتعارض مع القوانين السائدة، وربما سينسق البعض منهم مع الطرف الخارجي الذي يتعامل معه تحت شعار (شيلني واشيلك) مثلا موظف كبير في عقارات الدولة يعمل شريكا مع سمسار (دلال عقارا) خلال إجازة الخمس سنوات. تصوروا الحال!

كما ان لهذا القانون ربما غرض مبيت آخر يفيد مزدوجو الجنسية الذين بإمكانهم ان يغادروا البلد لمزاولة عملهم السابق في الخارج او الحصول على المعونة المالية من الدول الني جاءوا منها، وهم يستفيدون أيضا من الراتب الإسمي. ولا عجب فمعظم المسؤولين لديهم جنسيات أخرى.

لذا كما قلنا بأن هذا القانون يحمل بذور فشلة بين طياته، وهو دليل على أن إقتصاد البلد لا يسيره إقتصاديون، وان كان هناك البعض من الخبراء فهم أما محاربون من مافيات الفساد المتعشعشة في كل مؤسسات الدولة وأفوههم مكممة، او انهم إنخرطوا في مسيرة الفساد تحت شعار "حشر مع القوم عيد".

الحقيقة التي لا تقبل الجدل ان الإقتصاد العراقي يمشي على عكازتين في الوقت الحاضر، وقريبا سيصيبه الشلل التام تحت حكم العمائم والأمعيين والجهلة والفاسدين والمرتشين والمزورين، ان الحرب على الشرفاء والكفاءات والوطنيين من نتائجها الخراب والدمار، وهذا ما مقبل عليه البلد وفق تصريحات عدد من الإقتصاديين الدوليين، ووفق كل المعايير الدولية والمحلية، وأن غدا لناظره لقريب.

بدون صحوة الشعب العراقي من نومه العميق، إقرأ على العراق سورة الفاتحة.

وسوم: العدد 686