لو كان الحزب الفائز بالأغلبية غير حزب المصباح أكانت أزمة تشكيل حكومة ستقع ؟
نشر موقع هسبريس يوم أمس مقالا تحت عنوان : " خيارات دستورية للملك تواجه أزمة تشكيل حكومة بنكيران " لصاحبه المحامي والبرلماني عبد اللطيف وهبي تناول فيه أزمة تشكيل الحكومة في المغرب مستعرضا بعض فصول الدستور وهي الفصل 37 ، 41، 42،47،98 . وخاض في الموضوع خوض فقيه قانون باعتبار مهنته ، ولكن بنكهة حزبية باعتباره برلمانيا . وبعيدا عن الخوض في المعالجة الفقه ـ قانونية لهذا الموضوع نكتفي بإشارة صاحبه إلى الفصل 37 الذي ينص على احترام الدستور ، والفصل 98 الذي دلت قراءة السيد وهبي له على أنه ليس من الضروري أن تكون أغلبية الحزب الفائز هي وحدها الأغلبية التي يمكنها تشكيل الحكومة . وركز صاحب المقال على صلاحيات الملك باعتباره أمير المؤمنين ،ورئيس الدولة ، وضامن الوحدة والاستقرار ... ليمهد لطرحه الذي ركب فيه الفصل 98 ليجعل من صلاحية الملك أن يعهد بتشكيل الحكومة لأغلبية غير أغلبية الحزب الفائز. ودون الخوض في الانتماء الحزبي لصاحب المقال ، وإن كان ذلك مما يكشف الخلفية الكامنة وراء تحرير هذا المقال، نتساءل ومن حقنا ذلك : لو كان الحزب الفائز بالأغلبية غير حزب المصباح أكانت أزمة تشكيل حكومة ستقع ؟ والجواب عن هذا السؤال يقتضي العودة إلى الأجواء التي سادت طيلة عمر الحكومة السابقة ، والتي سبقت العملية الانتخابية الأخيرة ، والتي صاحبتها ، وما وقع ليلة الاعلان عن النتائج . فمن المعلوم أن الحكومة السابقة والتي جاءت في ظرف الحراكات العربية فيما ما يسمى ثورات الربيع العربي ، والتي يرى البعض أن مجيئها هو عبارة عن انحناء لعاصفة الحراك المغربي خصوصا بعدما تبين أن الحركات العربية نحت نحو الخيار الإسلامي بعد تجارب خيارات أخرى أفضت إلى استشراء الفساد ، كما يظن البعض أن تشكيل حزب ذي مرجعية إسلامية لأول مرة في تاريخ المغرب كان إكراها ولم يكن بطولة بالنسبة للنظام . وما كادت الثورات المضادة لثورات الربيع العربي ، وهي ثورات مضادة مطبوخة من طرف قوى خارجية والتي تتوجس من كل ما له علاقة بالإسلام تنجح بدءا بالانقلاب العسكري في مصر ، حتى بدأ ت مشاكل الحكومة حيث وضعت في قفص الاتهام من طرف الأحزاب المعارضة لها بل وحتى المشاركة فيها حيث غادر حزب الميزان هذه الحكومة ، وتخندق مع حزب الجرار في خندق المعارضة ، وأكثر من ذلك مارست أحزاب أخرى ظلت مشاركة في الحكومة المعارضة في سابقة غير معهودة . وكان كل ذلك مؤشرات على رفض وجود حزب ذي مرجعية إسلامية ـ بغض الطرف عن طبيعة هذه المرجعيةـ في السلطة . ولقد طالب بعض زعماء الأحزاب المعارضة لحزب المصباح غداة الانقلاب العسكري على حزب الإخوان في مصر بانقلاب عليه في خضم توجس القوى الخارجية مما تسميه الإسلام السياسي . وقضت الحكومة المشكلة من طرف حزب المصباح فترة عصيبة تم خلالها تأليب الرأي العام عليها حيث حملت كل تبعات الحكومات السابقة ، ونسبت لها كل الإخفاقات ، ولم يكن لها حظ من الإنجازات التي كانت تتحقق ويعلن عنها إعلاميا في نشرات الأخبار على القنوات الرسمية . ومن أساليب تأليب الرأي العام على حزب المصباح ما سمي بمسيرة الدار البيضاء التي كانت مسيرة لقيطة لم تعترف بها جهة من الجهات، والتي كشفت عينات من المشاركين فيها أنهم استخدموا وركبت ظهورهم ، وأبدوا غياب الوعي لديهم باستخدامهم ، وقد سبب ذلك حرجا كبيرا للجهات التي استخدمتهم . ومن الواضح أن هذه المسيرة اللقيطة التي أريد من ورائها تكريس التأليب على حزب المصباح جاءت بنتائج عكسية ، ولعبت دورا في فوزه مرة ثانية بأغلبية الأصوات ،الشيء الذي فاجأ الجهات التي كانت تريد إقصاءه من الحياة السياسية ، وتمرر الانقلاب عليه بطريقة ذكية خلاف الطرق البليدة والمكشوفة التي تم بها الانقلاب على حزب الإخوان في مصر ، وتلك التي استخدمت للانقلاب على أحزاب مماثلة في أقطار عريبة أخرى وبأساليب مختلفة . وأمام فوز حزب المصباح لم يعد أمام خصومه الظاهر أو الخفي بد من لعب الورقة الأخيرة ، وهي جره إلى نفق أزمة تشكيل حكومة حيث صار شركاؤه في الحكومة السابقة هم من يعرقل تشكيل حكومة أخرى معه من خلال فرض شروط ربما تكون تعجيزية بالنسبة إليه . وفي أجواء أزمة تشكيل حزب المصباح للحكومة انطلقت التأويلات والتفسيرات لنصوص الدستور كما فعل الأستاذ المحامي عبد اللطيف وهبي . وتميل بعض الآراء إلى استبعاد إعادة الانتخابات ، وفي المقابل تلمح إلى أن فشل حزب المصباح في تشكيل الحكومة قد يفضي إلى تكليف حزب الجرار بتشكيلها على اعتبار أنه جاء بعدها في الترتيب . ولقد سادت قناعة كبيرة قبل الانتخابات أن حزب الجرار هو الذي سيفوز بأغلب الأصوات ، وقد أكدت ذلك مؤشرات كشفت عنها طبيعة الحملة الانتخابية لهذا الحزب ، ولهذا لا يستغرب أن يعود الفوز لهذا الحزب بسبب فشل حزب المصباح في تشكيل الحكومة ، وهو فشل مفتعل إذ لا يعقل أن ترفض أحزاب كانت تشاركه في حكومة سابقة مشاركته في حكومة ثانية . ومن أجل الدفع نحو مسار تعويض المصباح بالجرار انطلقت التأويلات لنصوص الدستور بما يشبه ما يسمى حيل الفقهاء ، وهو تحايل على النصوص لتسعف في ما لا يمكن تحقيقه . وإذا أسعفت حيل فقهاء القانون في تحويل الفوز من المصباح إلى الجرار بعد تعذره في الانتخابات، فمن يضمن تجنيب البلاد ما لا تحمد عقباه بسبب آثار الفقه المتحايل ؟ وإذا كانت مصلحة الوطن فوق كل اعتبار كما يدعي كل طرف ، فمن المفروض أن هذه المصلحة تعلو كل المصالح ، وتتشكل الحكومة المرتقبة دون لي أعناق نصوص الدستور ، ولا حيلة مع الله عز وجل ولا حيلة مع إرادة شعب.
وسوم: العدد 698