تبادل الرسائل عبر " الوتساب" بين الجد والهزل والعلم والوهم والاستقامة والانحراف
غزت ظاهرة تبادل الرسائل عبر " الوتساب " كل مكان في أقطار المعمور. والناس في الأقطار العربية والإسلامية أكثر الشعوب تهافتا على التواصل عبر هذا " الوتساب " ولا يرى الإنسان حيثما نظر سوى بشرا يمسكون هواتف خلوية ، وهم ينقرون على بلورتها منهم المقطب أوالساهم أو المبتسم المنفرج الأسارير أو المقهقه بشكل هستيري حسب ما يتوصل به من رسائل . ولا حديث بين الناس إلا عن رسائل " الوتساب " حيث يخصص للحديث عنها في كل المرافق العامة والخاصة وقتا معتبرا قد يكون على حساب القيام بالواجب في كثير من تلك المرافق . وقد لا يتردد البعض في فتح " الوتساب " حتى في بيوت الله عز وجل في انتظار الصلاة، علما بأن انتظارها عبادة لها ضوابطها . وقد يخوض من يفتح " الوتساب" في المساجد فيما لا يليق بحرمتها وقدسيتها من العبث والهزل وحتى الفحش .ولا يرى الإنسان المسافرين في مختلف وسائل النقل إلا منشغلين بالرسائل الواردة عليهم عبر هواتفهم المنقولة ، ولا يرى رواد المقاهي إلا منهمكين يحركون سباباتهم فوق زجاجات هواتفهم ، ولا يلج مقر وظيفة عمومية ولا مؤسسة خاصة ولا غير ذلك من المرافق إلا ويرى من فيها شبابا وشيبا ذكورا وإناثا منصرفين إلى ما في هواتفهم من رسائل. ومعلوم أن رسائل " الوتساب" عبارة عن خليط من المتناقضات حيث يجتمع المقدس مع المدنس، والعلم مع الوهم والخرافة والدجل ،والجد مع الهزل، والفائدة مع مضيعة الوقت. فمن الناس من يستعرض كتاب الله عز وجل قراءة أو سماعا عبر هاتفه الخلوي ، ولئن فعل ذلك حين القيام بواجب يتقاضى عليه أجرا يكون آثما ، "ورب تال للقرآن والقرآن يلعنه" والمفرّط في القيام بالواجب بذيعة قراءة القرآن أول ملعون. ومن الناس من يتبادل مع معارفه نشر الأحاديث النبوية عبر هاتفه، ولكنه لا يميز بين ما صح منها وما لم يصح ، وينصح غيره بنشرها طلبا للأجر ، وتروج بشكل لافت الأحاديث الموضوعة المغرية بالأجر المبالغ فيه دون بذل جهد أو تقديم عمل ، ويكون عليها الإقبال بكثرة مع شديد الأسف . ومن الناس من لا هم له سوى نقل النكت والفكاهات والفيديوهات الساخرة رغبة في الضحك ،وهي المواد التي عليه إقبال كبير ، فلا تكاد نكتة أو فكاهة أو فيديو ساخر يظهر حتى ينتشر بسرعة الضوء بين الناس. وشر الناس الذين ينشرون الفاحشة عبر هواتفهم الخلوية عن طريق الفيديوهات الخليعة ، وهي أكثر انتشارا بين الشباب على وجه الخصوص. وقد تتحول حجرات النوم ليلا حين تغلّق الأبواب إلى أوكار لتعاطي فيديوهات الفاحشة المصورة بين فئات الشباب ذكورا وإناثا . ولقد يسرت التكنولوجيا المعلوماتية سبل التواصل غير المشروع بينهم حيث بإمكانهم رؤية بعضهم البعض بالصور الحية في حالات مخلة بالحياء ما دام التواصل مجانا عن طريق " الوتساب " أو" الإيمو " أو غيرهما ،الشيء الذي يشكل خطورة على التربية والقيم الأخلاقية ويفسح المجال لانتشار الفاحشة و الدعارة والانحراف الخلقي بين فئة الشباب خصوصا ،وربما تعداهم إلى غيرهم من الكبار والمتزوجين حيث يلعب التواصل عبر الهواتف الخلوية دورا في شيوع ظاهرة الخيانة الزوجية المستفحلة. وقد يستغل البعض هذا التواصل لفضح الأعراض، ونشر الفضائح الأخلاقية ، الشيء الذي يخرب البيوت، ويشتت شمل الأسر. ومن الناس من يتهافت على نقل الأراجيف والأخبار الكاذبة وينشرها، الشيء الذي يشيع ظاهرة تفشي الأكاذيب والأراجيف . ومن الناس من يستغل التواصل للإشهار والإشهار المضاد ، ذلك أن بعضهم يرغب في بعض المنتوجات ، والبعض الآخر يحذر من بعضها الآخر في غياب الحقيقة ، وغياب من يؤكدها أو ينفيها . ومن الناس من يشتغل بنشر الفيديوهات المتعلقة بالدعاية لبعض التوجهات المحسوبة على الدين لبعض الطوائف وبعض الجماعات المتناحرة فيما بينها ،الشيء الذي يساهم في نشر الكراهية والتطرف والعنف . ومن الناس من يسوق الصراعات الحزبية والسياسية والإيديولوجية ، الشيء الذي يقوض روابط المواطنة .
هذه بعض السلبيات المسجلة حول التواصل عبر الهواتف الخلوية، وهي ظواهر لم تكن من قبل . وقد يقول أحد: ألا توجد إيجابيات في هذا النوع من اتلواصل ؟ والجواب :نحن لا ننكر إيجابيات هذا التواصل ، ولكن الوصول إلى هذه الإيجابيات محفوف بالمغامرة حيث يختلط فيه الإيجابي بالسلبي مع قلة الإيجابي وكثرة السلبي، علما بأنه ليس كل من يتعاطى هذا النوع من التواصل على وعي تام بما وراءه من إيجابيات وسلبيات ، وليس كل من يشارك في هذا التواصل يتوفر على حمية ووقاية تقيه الانزلاق نحو السلبي خصوصا الناشئة البريئة بحكم نوع فئتها العمرية ، أو الفئات الجاهلة والأمية وشبه المثقفة التي لا تميز بين سلبي وإيجابي وغث وسمين . ولن نبالغ إذا ما قلنا إن الكثير من الجرائم يكون وراءها الاستخدام الخاطىء لوسائل التواصل الحديثة . ولا شك أن ذلك هو ما اقتضى وجود جهاز أمن يكافح الجرائم في المجال المعلوماتي ، كما فرض وجود نصوص قانونية تدينها . وأخيرا يتعين على الخبراء وأهل العلم والتخصص التجند من أجل نشر التوعية بين مستخدمي وسائل التواصل تماما كما تنشر التوعية ضد الأمراض الفتاكة عسى أن يكون في ذلك ما يقي مستعملي هذه الوسائل من سلبياتها . ويصدق أن تشبه هذه الوسائل بسكين قد يستعمل للخير كما يستعمل للشر ، فمن شاء استعمله لحاجاته اليومية في قطع الخضر والفواكه وغيرهما ، ومن شاء أهدر به دما وأزهق به روحا . والفساد كالقتل بل غالبا ما يفضي إليه ، لهذا قضى الله عز وجل بأن من قتل نفسا أو أشاع فسادا في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، وهذه هي شريعة الله عز وجل التي يجب أن تراعى في معالجة سلبيا التواصل بحيث تقدر خطورته بقدر ما يترتب عنه من أضرار .
وسوم: العدد 699