لقد آن الأوان ليقول الشعب كلمته بطريقه الخاصة في مسرحية تشكيل الحكومة الهزلية

 مع أن القانون يضبط الفترات المخصصة للحملات الانتخابية ، إلا أن الحملات الانتخابية عندنا  لا زالت مستمرة بعد إعلان نتائج الانتخابات ، و بعد تكليف زعيم الحزب الحاصل على الرتبة الأولى بتشكيل الحكومة . وتتراوح هذه الحملات الانتخابية عند أمناء الأحزاب  وهي حملات بعد الوقت بدل الضائع بالتعبير الكروي وإن لم يوجد وقت ضائع فيها لأنها استوفت وقتها كاملا غير منقوص بين تراشق التهم فيما بينهم وبين المجاملة المكشوفة الواضحة النفاق . وفي غياب تام لبرامج الأحزاب المتهافتة على المشاركة في الحكومة ، وهي برامج لم تكشف عنها الأحزاب خلال الحملات الانتخابية ،وما لم يأت مع العروس لا يأتي مع أمها كما يقول المثل الشعبي . وما قدمته الأحزاب خلال الحملات الانتخابية ، وما تقدمه اليوم في فترة المشاورات لتشكيل الحكومة لا يخرج عن إطار همز بعضها البعض ، وعن إطار ادعاء وضع مصلحة الوطن  فوق كل اعتبار والمزايدة في الوطنية  .  و الحقيقة  أن المنطق يقتضي أن تكون برامج الأحزاب هي منطلق التشاور في موضوع تشكيل الحكومة ولا شيء غير ذلك إذ لا يمكن أن تتطابق تلك البرامج تماما بين أحزاب مختلفة الإيديولوجيات والتوجهات بل لا يمكن حتى أن تتقارب بين بعض الأحزاب . فكيف يمكن لحزب يصرح بالمرجعية الدينية أن يكون برنامجه متقاربا مع حزب آخر يصرح بالمرجعية العلمانية ؟ فالمفروض أن تدير البلاد حكومة من أحزاب ذات برامج متقاربة ومتقاطعة على العموم ليعرف الشعب كيف يميز بين أداء حكومة وأخرى ما دام الأمر يتعلق  بتناوب الحكومات كل خمس سنوات. ولقد جرب الشعب المغربي حكومات ما يسمى بأحزاب المخزن ، وهو نعت يتضمن الطعن في شعبيتها لفترات ، وجرب حكومة ما يسمى بالأحزاب ذات الإرث التاريخي والنضالي والتي اشتهرت بتخندقها طويلا في خندق المعارضة ، وخبر الشعب جيدا عطاء هذه وتلك ، وجرب حكومة الخليط  التي جمعت بين الحزب المحسوب على الدين والحزب المحسوب على النظام والحزب المحسوب على العلمانية والحداثة وخبر عطاءها أيضا ، وخرج بانطباع  عن تجاربه مع الحكومات المتعاقبة بأن أبناء عبد الواحد كلهم واحد أو أنه لا خيار بين جراء الكلبة الواحدة  كما يقال . و هذا يعني أن المسار السياسي والانتخابي  الذي تعرفه البلاد  يعكس ممارسة منحرفة للعبة الديمقراطية ، وأن ديمقراطيتنا صورية فقط  . فما معنى أن يتحكم زعيم حزب في مصير تشكيل الحكومة دون أن تخول له ذلك النتيجة التي حصل عليها في الانتخابات ، وهو يضم نتيجته الهزيلة  لنتيجة غيره بطريقة برغماتية مكشوفة للتأثير في عملية تشكيل الحكومة لتحقيق الرغبة في الحصول على حقائب وزارية  ؟ فمتى كان نفوذ الثروة متحكما في إرادة الشعب ؟ فلو شاء الشعب أن يراهن على نفوذ الثروة لعبرت نتائج الانتخابات عن ذلك . ولقد بات واضحا أن تدخل نفوذ الثروة في تشكيل الحكومة هو إرادة لا علاقة لها بإرادة الشعب . ولما غابت كلمة البرامج الحزبية في تشكيل الحكومة صار هذا التشكيل عبارة عن مسرحية هزلية ساخرة من إرادة الشعب . ولقد استوقفتني  يوم أمس من مدينة وجدة كلمة زعيم حزب الحمامة التي صارت صقرا على ما يبدو في حق نائب برلماني منبوذ من حزب المصباح والذي عاب عليه وجوده خلال عقد من الزمان في البرلمان دون أن يقدم خلال تلك المدة منصب شغل واحد ، وسخر منه بالقول لو فعل لحييته  تحية عسكرية واستعمل عبارة " نكردف ليه " ومعلوم أن التحية العسكرية تعني ما لاتعنيه التحية المدنية . وأنا أقول لزعيم حزب الحمامة المستنسرة لو كان البرلماني المزلوط يملك ما تملك أنت من ثروة لخلق مناصب شغل كما تتعمد التلويح بذلك لتسيل لعاب العاطلين في حملة انتخابية فات وقتها . وإذا كان السجال السياسي يفرض اللباقة في الكلام  على البرلماني المنبوذ وهو من صقور حزب المصباح كما وصفته ذات يوم في مقال من مقالاتي فرد علي أحد فضلاء الحزب بأن حزبهم لا وجود فيه لحمائم وصقور مع أن العادة جرت بأن يكون لكل حزب صقور ترفع سقف المطالب وحمام تضعها، فلا يليق  بزعيم حزب المصباح أن يكون هرة تأكل صغارها من أجل مغازلة زعيم حزب الحمامة المستنسرة  بشكل مهين. إن البرلماني المنبوذ كان في خدمة المصباح الذي لم يدخر خصومه جهدا لإطفائه في الجهة الشرقية ، ولولا تصريحاته التي صارت اليوم محرمة لما ظلت فتيلة المصباح مضيئة في هذا الشرق المنسي نسيان القبور المنسية .و يبدو أن حزب المصباح كنس طريقه من الأشواك  بلسان البرلماني المنبوذ، وقدمه بعد ذلك  قربانا لكسب ود من  له بهم حاجة . والمطلوب من البرلماني أن يكون له لسان  ينطق بكل ألسنة من صوتوا عليه ، فإن لم يكن كذاك فقد خان الأمانة ، وخدع من صوتوا عليه . ولا يعاب عليه ألا يخلق مناصب شغل لأن خلق مناصب الشغل ليست مهمة برلماني  بل مهمة برلمان يلزم الحكومة بذلك . وأقترح على زعيم حزب الحمامة المستنسرة أن يتنازل عن شطر من ثروته التي لم يكتسبها في المريخ من أجل خلق مناصب شغل يترقبها العاطلون  بلهفة حتى لا يحاكي البرلماني المنبوذ  في قول بلا عمل ، وألا يكون آمرا  أو ناهيا دون أن يأتمر أو ينتهي  لأنه عار عليه إذا فعل كبير . وإذا ما فعل فسيكردف له العاطلون  بل عموم الشعب لأن العاطلين أبناء الشعب التي تؤلمه عطالتهم وبطالتهم  . ولا شك أن لسان حال الشعب لأبطال مسرحية تشكيل الحكومة الهزلية  من زعماء الأحزاب يقول : كفى هزلا ، وكفى سخرية، وكفى من المشاهد العابثة  التي  تشترط فيها الحمامة المستنسرة ركوب صهوة حصان هزيل ، وهي تحمل وردة ذابلة لتدوس على إرادة شعب عبّر عن إرادته ، وعليه أن يجد طريقته الخاصة به ليقول كلمته المعبرة عن إرادته، والتي ليس فوقها سوى إرادة الله عز وجل .

وسوم: العدد 702