ما الفائدة من تحويل النقد الذاتي إلى وسيلة سخرية وتندر ؟
من المعلوم أن الغاية من النقد الذاتي سواء تعلق الأمر بالأفراد أم بالمجتمعات هو تصحيح ما فسد وما اعوج، لأن النقد عبارة عن تمييز للزائف من الصحيح سواء تعلق الأمر بما هو مادي أو بما هو معنوي . ولقد تسمت العملة باسم النقد حرصا على مصداقيتها وخلوها من الزيف ، ولا تخلو معرفة أو فكرا من النقد الذي يكسبهما مصداقية أيضا . وشيوع النقد الذاتي في المجتمعات البشرية ظاهرة صحية باعتبار الهدف المتوخى منه وهو الإصلاح ، لكن حين يصير هذا النقد هدفا في حد ذاته يفقد معناه ، ويصير محض عبث كما هو شأنه في مجتمعنا. ولقد انتشرت ظاهرة تبادل صورا من النقد الذاتي العابث عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث تصور السلبيات الاجتماعية والفردية ليس بغرض تجاوزها وتصحيحها بل بغرض تحويلها إلى مواضيع سخرية يتندر بها . وغالبا ما يأخذ النقد الذاتي عندنا أسلوب المقارنة بين مجتمعنا وغيره من المجتمعات حيث تقارن إيجابات غيرنا بسلبياتنا في المجالات التي تقع فيها المقارنة ، فيحصل الإعجاب بإيجابيات الغير مقابل السخرية والاستهزاء بسلبياتنا . ولقد توصلت صباح هذا اليوم عبر "الواتساب " بفيديو يعرض فيهم أحدهم لقطة لفتاتين مسلمتين من دولة أسيوية تجودان القرآن الكريم بصوت جميل ولقطة لطفل مغربي يرقص فوق صفيح جفنة على أنغام الموسيقى الصاخبة ثم عقب بالقول انظروا الفرق بين الطفولة الأسيوية والطفولة عندنا مع أنه توجد فتيات مغربيات يجودن القرآن بأصوات جميلة ، كما يوجد أطفال أسيويين يرقصون على طريقتهم . ولا شك أن هدفه من وراء عرض اللقطتين هو النقد الذاتي الذي من المفروض أن يتوخى التصحيح لكن ما يحصل لدى الذين يتداولون مثل هذا النقد عبر وسائل التواصل هو التعامل معه كموضوع تسلية وسخرية وتندر . وهذا التعامل يكرس ويعمق الشعور بالدونية أمام غيرنا ، كما يكرس المواقف السلبية والاستسلام بل يكرس اليأس من إمكانية تصحيح أوضاعنا . وأول ما خطر ببالي حين شاهدت هذا الفيدو هو أن أسأل الشخص الذي قدم تلك اللقطتين : هل حال أبنائك وبناتك كحال الفتاتين المسلمتين الأسيويتين المقرئتين أم كحال الطفل المغربي الراقص ؟ وماذا قدمت للمجتمع من أجل نقل الطفولة المغربية البرئية من وضعية عابثة إلى وضعية جادة ؟ والمؤسف أن الجميع يمارس النقد الذاتي العابث في كل المجالات عن طريق مقارنة أوضاعنا وأحوالنا السلبية بأوضاع وأحوال غيرنا الإيجابية لكننا نفعل ذلك لا من أجل تحقيق الهدف من النقد وهو مراجعة ذواتنا والبحث عن سبل إصلاح ما فسد وما اختل فينا ،بل من أجل توظف نقدنا للتسلية والعبث والتندر بأنفسنا التي تهون علينا ، ومن يهن يسهل الهوان عليه كما قال الشاعر ،وكأن الأمر لا يعنينا أو أنه يتعلق بغيرنا. ومن المؤكد أن ما نسخر منه من أحوال وأوضاع كلنا يساهم فيها بشكل أو بآخر، وكلنا يتحدث عنها وكأنه لا نصيب له فيها وأن العيب في غيره لا فيه . ومن المؤسف أن يرتاد الناس عندنا المسارح لمشاهدة مهرجين محسوبين على الفن وهم يحولون النقد الذاتي للمجتمع إلى مواد فكاهية لإضحاك الناس وتسليتهم ، ولا يخطر بالذين يضحكون ملء أشداقهم من ذلك أن المهرجين يستخفون بعقولهم ويسخرون منهم ومن أنفسهم ولا أقول وهم غافلون بل أقول وهم على وعي تام بذلك. فقد نضحك من الطريقة السلبية لمعالجتنا للزبالة ، ونقارنها بطريقة غيرنا الإيجابية لكننا جميعا نفتقد ثقافة المعالجة السوية للزبالة التي عند غيرنا ، وعوض أن يكون نقدنا لمعالجتنا حافزا لتصحيحها نجعل منه مع شديد الأسف مادة للتسلية والتندر،الشيء الذي يعكس عجزنا ويأسنا واستسلامنا لأوضاعنا وكأنها قدر لا مفر منه . وما دمنا على هذه الحال نرصد سلبياتنا ونستعرضها ونتداولها فيما بيننا عبر وسائل التواصل بغرض التندر بها، فلن نفيد شيئا من ممارسة النقد الذاتي الذي يجب أن يرقى من نقد عابث الغرض منه التندرإلى نقد بناء الغرض منه التصحيح والتقويم. فمتى سنعي سلبيتنا في ممارسة النقد الذاتي العابث ؟
وسوم: العدد 703