الحل كما يراه النظام السوري
لماذا ينتظر النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون وغيرهم انتصاراً عسكرياً مُكلفاً في حلب الشرقية، للدخول في مفاوضات تهدف الى التوصل لاتفاق على مرحلة انتقالية لا يكون فيها بشار حافظ الأسد رئيساً لسوريا؟ إذا كان هذا هو هدف النظام، فإن الأسد ينتصر عسكرياً لكي يُباد.
والمفارقة أن الهئية العليا للمفاوضات تُشارك في محادثات ”جنيف 4“ لتحقيق هذا الهدف، وفقاً لاعلاناتها وتصريحات أعضائها الذين يُضيفون أيضاً العدالة الانتقالية وغيرها من المطالب.
بعد اعتداءات الكيماوي والمجازر والمذابح، هل هناك من يرى مخرجاً في حكومة ائتلافية مع النظام؟ على الأقل في تركيبتها الحالية، لن تقبل الهيئة بذلك، لكنها تؤدي في جنيف أدواراً من قبيل ادانتها اعتداء انتحارياً على مركز للتعذيب في حمص. هذه سياسة جديدة ستكون المعارضة مطالبة دولياً بها إن كانت شريكاً في السلطة أم خارجها.
في المقابل، لن تجد منصتا القاهرة وموسكو حرجاً في ذلك، إذ حال توقيع الاتفاق، يعود رئيساها جهاد مقدسي وقدري جميل الى مكتبيهما في دمشق لمزاولة عمليهما السابقين. وما المانع من ذلك؟
الحل الوحيد الممكن مع النظام هو تطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي، مقابل تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 2254، ولكن وفقاً لرؤية النظام. وهذا يعني تشكيل حكومة انتقالية تُشارك فيها هيئة التنسيق وتيار بناء الدولة ومقدسي وجميل، وتتولى الإشراف على انتخابات بعد 18 شهراً. هذه الانتخابات قد تكون نزيهة، وبإشراف خبراء دوليين، لكنها لن تكون عادلة أو حُرّة. سيعمل النظام بمساعدة حلفائه - عفواً معارضيه- على هندسة نتيجة تُشبه ما قبله، أي حكومة ائتلافية بقيادة ”حزب البعث العربي الاشتراكي“.
لكن هل ستقبل تركيا، وهي شريكة أساسية بالمفاوضات، بمثل هذه النتيجة؟ الأرجح أن المعارضة الموالية لها أو الدائرة في فلكها لن تُشارك في هذا الحل. لكن هذه الفصائل تُسيطر على مناطق الأرض، وستكون مشمولة بوقف للنار. إلا أن دورها لن يكون قتال النظام السوري أو الميليشيات الموالية له، بل مواجهة عدوين يتفق عليهما التركي والروسي: الأكراد (بي واي دي) وتنظيمي فتح الشام وداعش حيث يتواجدان. والحقيقة أن تركيا يهمها تغييب ”بي واي دي“ عن أي مفاوضات وأي حل سياسي مستقبلي، أكثر من مشاركة أعضاء عن فصائل قريبة منها في حكومة انتقالية-ائتلافية.
والتآمر على الأكراد وحكمهم الذاتي داخل سوريا يفتح المجال لتكهنات عديدة. صحيح أن تركيا لن تقبل بحل يضمن للأكراد نفوذاً عسكرياً وسياسياً مستقلاً قد ينعكس على وضع أكراد جنوب شرقي تركيا. لكن في الوقت ذاته، يحتاج الأميركيون إلى الأكراد لقتال تنظيم “داعش” على الأرض. هل تُشكل تركيا ائتلافاً في الشمال، بعيداً عن قصف طيران روسيا والنظام وقتاله وحلفائه برّاً، تحت شعار مواجهة ”داعش“، لكن لقتال الأكراد وتقويض حكمهم الذاتي؟ أو هل، من أجل تجنب صدام مع الأميركيين، تنصرف هيئة تحرير الشام عن قتال النظام، وتركزت على قتال داعش والأكراد. أم هل تواجه أنقرة الأكراد مباشرة بقوات يقودها الجيش التركي؟ كل هذه السيناريوهات محتملة، وتبقى النتيجة واحدة: قتال الأكراد وتقويض قدراتهم العسكرية، وموافقة ضمنية على بقاء النظام.
بالنسبة للنظام، يبقى الديكور، وهو ضروري للإخراج. يُطلق بعض مشاريع لإعادة الإعمار، وعودة محدودة للاجئين والنازحين الى “حضن الوطن”، وما يُرافق ذلك من استعراض اعلامي. وهذه العودة الجزئية (للموالين حصراً في البداية) معبر للعقد الاجتماعي الجديد مع النظام السوري، ولتطبيع علاقاته مع المجتمع الدولي. بيد أن عودة الموالين للنظام، ستُراكم ضغوطاً على العائلات المعارضة أو التي شارك أبناؤها في القتال، للقبول بشروط أمنية مثل التحول إلى مخبرين أو تسليم أقارب لهم أو الجهر بالولاء للرئيس الأبدي والعداء لمعارضيه.
في المحصلة، ستُشبه النتيجة النظام بأسلوبه وتاريخه ورثاثته الإعلامية، تماماً كما نعرفه في عهدي الأب والوريث. الفارق الوحيد بين الصورتين الأولى والثانية، مئات آلاف القتلى والجرحى والمفقودين، وآلام التهجير واللجوء ومصانع التعذيب المنهجي.
هو سيناريو لملمة آثار الاغتصاب بتقديم الضحية عروساً لجلادها.
وسوم: العدد 709