الموقف السياسي غدا : نحن والنظام العالمي الجديد..مابعد الغربي ...
الموقف السياسي غدا : نحن والنظام العالمي الجديد..مابعد الغربي ...
من نهاية التاريخ ...الى نهاية الغرب ..
- لو أن موظفا في وزارة الخارجية الأمريكية ردد الكلام الذي قاله مؤخرا وزير الخارجية الروسي لافروف في المؤتمر الأوروبي للأمن والتعاون الذي عقد في ميونيخ بألمانيا, لكان أقام الدنيا وأقعدها, ولكان شغل كل مراكز الأبحاث الدولية والإعلام العالمي في بحث مضامين وأبعاد مراميه .. سبق وأن حدث هذا عندما قام موظف ياباني في الخارجية الأمريكية يدعى فرانسيس فوكوياما , منذ أكثر من عقدين , بصياغة بعض العبارات الحمقاء تحدثت عن نهاية التاريخ معلنة الانتصار النهائي لليبرالية والديمقراطية الغربية وذلك عقب انهيار الإتحاد السوفييتي وغداة حرب الخليج الثانية ..وقتها صارت موضة الكلام في الصالونات السياسية هي الحديث عن نهاية التاريخ..وصارت نهاية التاريخ هي شفرة العصر وأيقونة الإعلام..
أما اليوم, فقد صمت الإعلام الليبرالي الغربي والعالمي تماما عما قاله الوزير الروسي راهنا , رغم أنه قال كلاما تتزلزل له الجبال والأرض , مايدل مرة أخرى أن الإعلام العالمي الذي يدعي الحرية هو في الحقيقة إعلام معتقل لاينطق إلا عن الهوى ..وأنه من غير المسموح له أن يفعل غير ذلك..رغم تعدد منابره..صحفا ودوريات ونشرات وفضائيات تملأ الأرض من أقصاها إلى أقصاها..
في مؤتمر ميونيخ قال الوزير الروسي : لقد انتهى النظام الليبرالي العالمي الذي صنعته نخبة دول أوروبية بهدف الهيمنة والسيطرة..أما اليوم فيتوجب على القادة أن يحددوا خيارهم..وآمل أن يكون هذا الخيار هو نظام عالمي جديد ديمقراطي وعادل..وإذا شئتم فأطلقوا عليه اسم : نظام مابعد الغرب .
- يعني هذا إعلان صريح عن وفاة النظام العالمي الغربي الراهن , وهو أيضا دعوة للغرب للانصياع للحقائق , وللقبول , دون ترد , بالانخراط في صياغة نظام عالمي جديد ديمقراطي وعادل ..ودعوة الوزير الروسي للنظام القادم بأنه سيكون ,, نظام مابعد الغرب .. إنما هي إشارة الى أنه لن تكون هناك عودة إلى الوراء , أي الى الغرب , بأي شكل من الأشكال ..وأنه لم يعد هناك مفر من الانصياع إلى الحقائق الجديدة التي انتهى إليها اليها مشهد الصراع العالمي في منطقتنا , خصوصا بعد التوصل الى وقف – ولو مرحلي وجزئي –لإطلاق النار في سورية...
أود هنا أن أورد ملاحظة , قبل الاسترسال , هي أنني عادة ما أتحفظ على مصطلح الغرب كخصم في الصراع الذي نخوضه كشعوب ..وأرى أن صراعنا في الحقيقة هو مع الإمبريالية والرأسمالية الربوية المتوحشة التي سبق لها وأن قهرت الغرب وسيطرت عليه منذ عدة قرون , وصارت تتحرك باسمه وبواسطته ..فنحن في صراع مع هذه الإمبريالية ولسنا في صراع مع الغرب كغرب ..وإدراك هذا بدقة يعني أننا نستطيع في صراعنا ونضالنا الراهن أن نجد لنا حلفاء كثر في الغرب ...الغرب الحقيقي الذي يناضل معنا بطريقته , والى هذا الحد أو ذاك , ضد الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة..
يهدف هذا المقال إلى ارتياد الآفاق التي يكشف عنها خطاب الوزير لافروف المذكور ..لما يمكن أن يساعد في تبين موقعنا ودورنا وحركتنا وسط خصم الصراعات الدولية التي تدور حولنا ...وعلينا ..
أتحدث هنا عن ثلاث مراحل يمكننا أن نحدد بها الانتقالات الكبرى التي إنتقلها – وسينتقلها النظام العالمي .
- المرحلة الأولى هي المرحلة التي أعقبت انهيار الإتحاد السوفييتي , وفيها حاول الغرب الإمبريالي بقيادة الولايات المتحدة أن يسيطر تماما على العالم ويبسط هيمنه التامة عليه فيما عرف بهيمنة القطب الأمريكي الواحد..وهذه كانت تشمل أيضا الهيمنة على أوروبا والصين وروسيا ناهيكم عن بقية العالم....وحسب رأيي فإن هذه المرحلة الهائلة بكل ماتضمنته من أحداث هائلة قد انتهت الى الفشل عندما تدخلت روسيا عسكريا في سورية ..والتدخل الروسي في سورية قد أتى بعد أن رفض الغرب مشاركة روسيا في الكعكة العالمية كما كشفت عنه عملية ومآلات التدخل في ليبيا ..لقد استخلصت روسيا العبر ..وحفظت الدرس ..وردت عليه في سورية..وكان ردا صاعقا ..قضى تماما على حلم القطبية الواحدة , لكن دون أن يطرح البديل ..
- المرحلة الثانية وهي مرحلة قصيرة ولكنها كانت شديدة الخطورة والحسم , وهي المرحلة التي حاولت فيها الولايات المتحدة أن تعدل من ميزان القوى وتحد من الخسارة لتتمكن من التقاط أنفاسها – على الأقل - .لكنها فشلت في هذا ..وكان عنوان فشلها الأبرز هو خسارة معركة حلب بما تضمنته من إعادة تموضع أهم قوة إقليمية حليفة وهي تركيا ..وبالتالي إعادة اصطفاف عالمي جديد..وفي هذه المرحلة بالذات جاء فوز الرئيس ترامب ليشير ليس فقط الى نهاية مرحلة ولكن أيضا الى نهاية القطبية الأمريكية الواحدة..وبكلام الوزير لافروف : ليشير الى نهاية النظام العالمي الغربي ..برمته.. 0(كنت كتبت مقالا منذ ست سنوات هنا على الفيس بوك – أقول فيه أن النظام العالمي الجديد سينبثق من حلب ..ومن مآلات الصراع فيها..وحولها ) ..
- المرحلة الثالثة ,..ونحن فيها ..وقد إفتتح كلام الوزير لافروف الإعلان الرسمي عنها...هذه المرحلة لم تتحدد بعد وهي مرحلة صراعية ماتزال ..وما مؤتمرات جنيف الراهنة والقادمة إلا مؤتمرات لتؤشر الى المدى - الذي قطعه ويقطعه الصراع الدولي بشأن تحديدها , أي المرحلة ..ذلك أن دعوة لافروف قادة العالم الغربي الى تحديد خيارهم بالقبول بنظام عالمي جديد عادل وديمقراطي لم تلق بعد قبولا من الغرب ..ولا توجد مؤشرات جدية تشير الى إمكانية ذلك...ثم إنه من غير المعروف بعد فيما إذا كان الغرب ومعه أمريكا سيفضل تسوية مع روسيا على حساب شعوبنا أم أنه سيختار الخيار الشمشومي الشهير بقولة :علي وعلى أعدائي , مايعني أننا سنشهد المزيد المزيد من الدمار والجولات الميدانية الكبيرة في المنطقة التي يزيد من إحتمالات توقعها وجود رئيس على شاكلة الرئيس ترامب على راس أكبر قوة عسكرية في التاريخ جنبا الى جنب مع أصغر رأس سياسي عرفه التاريخ المعاصر أيضا,., لكنه في كل الأحوال يمكننا أن نستخلص من هذه المرحلة الثالثة الحاسمة نتيجتين اثنتين:
النتيجة الأولى : أن المرحلة مفتوحة على إحتمالات عدة ولم تحسم بعد ..وهذا يعني أن هناك بالفعل هامشا من المناورة قد صار متاحا أمام شعوبنا لكي تفرض نفسها على معادلات الصراع العالمي على المنطقة ..
النتيجة الثانية : وقياسا الى حجم القوى التي تتصارع فإنه لامعنى على الإطلاق لأن نخوض الصراع كدول صغيرة وكيانات قومية أو طائفية الخ ..الخ..يجب أن نفهم تماما أن مرحلة سايكس- بيكو التي كانت تتيح قيام دول قومية متكاملة الى هذا الحد أو ذاك – هذه المرحلة قد إنتهت, وأن المعروض اليوم كيانات أصغر بكثير مما نتخيل ..وقد رسمت المسودة الروسية للدستور السوري نموذجا عنها, علما أن النموذج الغربي هو شيء أكثر سوءا ولايقل عن التقسيم الصريح بلا مواربة. تحت إسم الديموقراطية المزعومة ...وإذن فلابد من التقدم بمشروع توحيدي كبير يشمل المنطقة كلها ويرهص بكيان شعبي هائل بحجم الشرق الأوسط الكبير ...يضم كل القوميات والأديان والطوائف في الشرق الذي تطحنه الإمبريالية المتوحشة...هنا في الحديث عن هذا المشروع يبرز الحديث عن الإسلام ...ويظهر إذن كلواء يوحد معه وخلف رايته كل القوميات والشعوب المضطهدة ..كما الديانات إسلام ومسيحية وغيرها..فليس الإسلام سوى إبن ثقافات هذا الشرق ..ولكنه الإبن الأكمل ...نتحدث هنا عن إسلام حضاري ..إسلام مطابق للعصر والتاريخ..وهو الإسلام الذي ترتعد منه حاليا أوصال الإمبريالية وتحتشد للقضاء عليه بكل ماوسعها تحت مسمى الإرهاب متعللة ومستخدمة ممارسات والتباسات وتشويهات يمارسها البعض باسم الإسلام للإساءة الى الإسلام ..والأهم لقطع الطريق على المارد الإسلامي الحضاري القادم..الذي سيقيم في منطقتنا حضارة الإسلام مابعد الحضارة الرأسمالية الغربية..وإنطلاقا منها .النظام العالمي الجديد ..مابعدالغربي ..
ألا هل بلغت؟..اللهم فإشهد..
الى اللقاء ..
وسوم: العدد 709