الأكراد ولعبة الأمم في منبج

تحظى الحركة الكردية بدعم أمريكي وروسي، ما أثار شهيتها نحو تعزيز مواقعها بالإفادة من الظرف الدولي الحالي. غير أنها تواجه انقساماً رأسياً في صفوفها، وتضارباً في تحديد الأولويات. فبينما عمدت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ووحدات حماية الشعب إلى التحالف مع حزب العمال الكردستاني(في تركيا) فإن إقليم كردستان في العراق بزعامة مسعود برازاني يتمتع بعلاقات جيدة مع أنقرة، ويعمل على الابتعاد عن حزب العمال. 

وحتى في صفوف الحركة الكردية السورية، فمقابل قوات «قسد» ووحدات الحماية، فهناك المجلس الوطني الكردي، وبيشمركة سوريا الذين لجأوا إلى إقليم كردستان في العراق، وتسمّى قوات «بيشمركة روج آفا» وقد تشكّلت عام 2012، من مقاتلين أكراد فروا نحو كردستان العراق، ليصبحوا بعدئذ الذراع العسكرية للمجلس الوطني الكردي، قد شاركوا في العمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في العراق.

وبينما كانت أنظار العالم متجهة إلى جنيف خلال الأيام العشرة الماضية، حيث دارت مفاوضات سورية - سورية، فإن الوضع في الميدان لم يشهد تغيراً كبيراً من ناحية المواجهات العسكرية التي لم تتوقف. ويبرز في الأنباء اسم بلدة منبج في ريف حلب الشرقي المرشحة لأن تكون ساحة مواجهة. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية على البلدة بعد طرد «داعش» منها في أغسطس (آب) 2016. المواجهة المرتقبة ستتم بين قوات تركية وقوات كردية. ولا تخفي أنقرة عزمها على إبعاد القوات الكردية عن منطقة غربي الفرات. وتسعى أنقرة في هذه الآونة إلى الحفاظ على الزخم الذي أطلقته بتحرير مدينة الباب في المنطقة نفسها من تنظيم «داعش». وعلاوة على القوات الكردية فإن قوات نظامية تتأهب لمواجهة هذا الوضع. وتسعى كل من القوات الكردية وأنقرة لاكتساب دعم موسكو لموقف كل منهما، وحيث من المقرر أن يجمع لقاء قمة في موسكو الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير وبوتين في العاشر من الشهر الجاري. وقبل أيام نشرت الصحافة التركية (صحيفة شفق) معالم عملية عسكرية جديدة يتم التحضير لإطلاقها قبل منتصف الشهر الجاري. وأعادت الصحيفة التذكير بوجود أعداد من العسكريين الأمريكيين في المنطقة: في محيط سد تشرين بمحافظة الرقة وفي مدينة القامشلي ومنطقة عين العرب (كوباني). وتقدم القوات الأمريكية دعماً متواصلاً للقوات الكردية، وليس معلوماً كيف سينتهي الوضع المعقد في تلك المنطقة وحيث تتواجد قوات أمريكية وروسية وتركية وكردية وقوات نظامية علاوة على تنظيم «داعش» (في الرقة التي يتخذها مقراً رئيسياً له).

وقد عمل الأكراد في الأثناء على إقامة تحالفات مع عشائر عربية في سوريا وكذلك مع أحمد الجربا الرئيس الأسبق للائتلاف الذي يقود تشكيلاً عسكرياً باسم «تيار الغد». فيما تتعاون القوات الكردية مع الجيش السوري الحر وتقيم علاقات سياسية وثيقة مع إقليم كردستان والمجلس الوطني الكردي. وبينما يشكل العرب أغلبية سكان مدينة منبج (100 ألف نسمة) فإنها تضم كذلك عدداً من الأرمن والأكراد والشركس وتقع على بعد 30 كيلومتراً فقط من الحدود مع تركيا.

وتمثل المواجهة المرتقبة في هذه المدينة مقدمة لما هو أهم، وهو التهيئة للانطلاق نحو مدينة الرقة لتطهيرها من «داعش» وحيث تقدر المسافة بين المدينتين بنحو ثمانين ميلاً. وبينما تنعقد أهداف الحركة الكردية في إقليم يتمتع باستقلالية ذاتية، فإن تركيا تبدي حذراً شديداً من هذا التوجه الذي يغذي في منظورها التطلعات الانفصالية لدى أكراد تركيا. ومن المفارقات أن كلاً من أنقرة ودمشق تلتقيان على التحفظ الشديد إزاء هذا المشروع، إلا أن تطورات الأزمة أنتجت تحالفاً تكتيكياً، لكنه ثابت بين الحكم في دمشق والحركة الكردية بزعامة صالح مسلم، وذلك في مواجهة التحالف بين أنقرة والمعارضة السورية السياسية والمسلحة.

كانت مدينة منبج توصف بأنها مدينة الشعراء فقد ولد فيها الشاعر عمر أبو ريشة عام 1910، كما أقام فيها الشاعر الأموي البحتري، إلا أنها عانت من التهميش على مدى عقود، حيث اختفى اسمها، وكان للحرب أن أعادت التذكير بها، فقد سيطرت قوات المعارضة على المدينة لأكثر من عامين قبل أن يتمكن «داعش» من بسط سيطرته عليها أواسط العام 2014، ثم تمكنت الحركة الكردية من تطهير المدينة صيف العام الماضي، لتقع المدينة بعدئذ في نقاط تقاطع مصالح إقليمية ودولية متضاربة، وبعض هذه المصالح غير معروفة الوجهة في هذه الآونة، التي تشهد صراع إرادات وبلورة مشاريع. وليس مستبعداً أن تبرم تسوية أو مقايضة ما، تخرج بموجبه القوات الكردية من منبج، وذلك لتفادي مواجهة حساسة، فأمريكا عالقة بين دعمها للحركة الكردية وتحالفها مع أنقرة، كذلك فإن روسيا تدعم بدورها الحركة الكردية، لكنها تريد الإبقاء على تقاربها مع أنقرة، وعلى ثلاثي مؤتمرات أستانة الذي يجمعها مع كل من إيران وتركيا في الإشراف على هذه الاجتماعات.

وسوم: العدد 710