مشروع تعديل قانون المحافظات وآثاره المتوقعة على حقوق المواطن
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
تعتزم الحكومة العراقية تعديل قانون المحافظات غير المنتظمة في إقليم رقم (21) لسنة 2008 والذي سبق ان عدل مرتين، الأولى بالقانون رقم (15) لسنة 2010 والثانية بالقانون (19) لسنة 2013، وكلا التعديلين انصبا على التعريف بمجلس المحافظة وصلاحياته وطرق الطعن في قرار إعفاء أو إقالة أي مسؤول أو عضو في المجلس والاعتراض على قرارات المجلس والرقابة البرلمانية على أعماله، وبالفعل بادر مجلس الوزراء إلى صياغة مشروع التعديل وإرساله إلى مجلس النواب للسير بإجراءات التعديل وفق ما رسمه الدستور ويبدو أن المشروع يركز على أمور أهمها تخفيض عدد مقاعد المجلس وإمكانية إلغاء مجالس النواحي وتعديل طريقة اختيار المحافظ بيد انه وكالعادة اغفل التطرق إلى معضلة كركوك ولنلقي الضوء على هذه النقاط سنعمد إلى مناقشة ما ورد بالمشروع المقترح.
نتساءل عن الأساس الدستوري لتشكيل المحافظات؟ إذ نجد إن المادة (122) من الدستور العراقي أوردت الأحكام الآتية (تتكون المحافظة من عدد من الأقضية والنواحي والقرى وتمنح المحافظات التي لم تنتظم في إقليم الصلاحيات الإدارية والمالية الواسعة بما يمكنها من إدارة شؤونها وفق مبدأ اللامركزية الإدارية ويعد المحافظ الذي ينتخبه مجلس المحافظة الرئيس التنفيذي الأعلى في المحافظة لممارسة الصلاحيات المخول بها من قبل المجلس، على ان ينظم بقانون المحافظات واختصاصاتها وانتخاب أعضائها، وأكد الدستور أخيراً استقلالية هذه المجالس وعدم خضوعها لسيطرة أو إشراف أية وزارة أو أية جهة غير مرتبطة بوزارة ما يعني منحها الشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري)، ولو تفحصنا أهم النقاط في التعديل المزمع لتبين لنا الآتي:
الإشكالية الأولى في مشروع التعديل،
رغبة الحكومة العراقية في تخفيض عدد المقاعد التي يتكون منها مجلس المحافظة ومجلس القضاء أي ينصب التعديل على المادة الثالثة التي حددت العدد بـ(25) مقعداً يضاف إليها مقعد واحد لكل (200000) ألف نسمة لما زاد عن (500000) ألف ولم تحدد المادة هل المقصود بالنسمة عدد كلي ام ناخبين فقط.
ويتكون مجلس القضاء من (10) مقاعد يضاف إليها مقعد واحد لكل خمسين ألف نسمة، ومجلس الناحية يتكون من (7) مقاعد لكل خمسة وعشرين ألف نسمة والمقترح إنقاص العدد إلى (15) لمليون نسمة بزيادة مقعد لكل (200) ألف نسمة، وفي مقترح أخر تخفيض العدد إلى (12) مقعد وبما لا يتجاوز (35) مقعد في كل الأحوال.
هنا نتساءل عن خيار المشرع في التخفيض ما هي انعكاساته على حقوق المواطن؟
نجد إن التخفيض ولا شك يتناقض مع تمثيل أفراد الشعب في المجالس المحلية وبالتالي سيتناقض مع ما تنص عليه المادة الثانية من دستور العراق لعام 2005 لا يجوز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية فمن مقتضيات سيادة الحكم الديمقراطي أن يساهم المواطنين في اختيار ممثليهم في المجالس التمثيلية الوطنية أو المحلية حيث يراد بالديمقراطية حكم الشعب ولا يتحقق ذلك إلا بمشاركة جميع مواطني الدولة كاملي الأهلية على قدم المساواة في ممارسة سلطة اتخاذ القرار في الشؤون العامة بشكل مباشر أو غير مباشر باختيار ممثلين لممارسة السلطة نيابة عنهم مع احتفاظ الناخبين بالحق في محاسبتهم ان اخفقوا في النهوض بالمهمة المسندة إليهم بعدم إعادة انتخابهم، فقد أوكل إليهم ممارسة السلطة مدة من الزمن كان تكون أربع أو ست سنوات ليعود الأمر للشعب مرة أخرى ليختار ممثلين جدد فيعد انتخاب من أحسن في عمله ويحاسب من لم يمثله تمثيلاً حقيقياً.
وسياسة الحكومة في مشروعها المقدم إلى البرلمان يكشف عن النية في تخفيض العدد بحجة ضغط النفقات، وهي حجة واهية لا تستقيم مع ما تقدم إذ أمر الدستور بعدم سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية ولم يحدد الديمقراطية المحلية ام على المستوى الوطني وبما ان المطلق يجري على إطلاقه نقول التخفيض سيصادر سلطة المواطن العراقي في اتخاذ القرار من خلال ممثليه وهذا ما أشارت إليه المادة العشرون من الدستور العراقي لعام 2005 والتي أعطت المواطنين رجالاً ونساءً الحق في المساهمة في الشؤون العامة وممارسة الحقوق السياسية.
والسؤال في هذا المورد ألا يؤدي التخفيض إلى انعدام تمثيل بعض القرى والنواحي والأقضية؟ ويساعد على ذلك النظام الانتخابي الحالي الذي جعل من المحافظة دائرة واحدة ما سيترك أثره في تفاوت التمثيل حتماً ويتنافى بالنتيجة مع مبادئ الديمقراطية، كما انه يؤدي إلى تكريس حالة الجمود لدى الأفراد ويتسلل اليأس إلى نفوسهم في انتخاب من يرون انه يمثلهم فيعزفون عن المشاركة بالشأن العام المحلي، وبالتالي سيسلب مضمون المادة الخامسة من الدستور والتي تقرر ان الشعب مصدر السلطات وشرعيتها في حين هو لا يملك ان يختار من يمثله محلياً أي تحول سلطته في الاختيار إلى مجرد عمل شكلي يخلو من المضمون، وسيكون الباب مشرعاً للأحزاب الكبيرة والكتل المتنفذة لتمد مزيداً من نفوذها وهيمنتها على مقاليد السلطة وتتحكم بمصير البلاد والعباد على المستوى المحلي ومن ثم الوطني في مجلس النواب.
وبما إن الدستور هو من ينظم السلطات العامة الاتحادية والمحلية تكويناً ومضموناً وهو يؤكد في المادة (122) وجود مجلس يمارس سلطات إدارية ومالية واسعة ما يحتم أن تتشكل مجالس منتخبة لتقوم بالمهمة تمثل فيها كل فئات وسكان المحافظة مع إمكانية الأغلبية داخل المجلس من تسيير الأمور بشرط احترام حق الأقلية أيا كان لونها وصفتها وبغير ذلك ستكون المجالس خاوية على عروشها وغير معبرة عن إرادة المواطنين أضف إلى ان بعض المجالس فيها "كوتة" للنساء، والأقليات كبغداد والموصل فكيف سيتم التعامل معها في ظل التخفيض وهل سيكون للأقلية والأكثرية من المواطنين حظ وتمثيل حقيقي يكفل التعبير عن إرادتها في تسيير الشؤون العامة ذات الطابع المحلي.
ومن جانبنا لا نجد أي مسوغ لتقليص العدد بل ان الحجة التي انطلقت منها الحكومة لتقديم المشروع تكون داحضة لو اتبعنا المقترحات الآتية:-
1. إعادة النظر بالمادة الخامسة من قانون المحافظات وتحديداً الشروط الواجب توافرها في المرشح بما يضمن وصول الكفاءات العلمية والمخلصين إلى المجالس المحلية لتقديم العون لهذه الجهات الإدارية في مهمتها الخدمية وتتحقق النقلة النوعية في الخدمات كماً ونوعاً.
2. إعادة النظر بالمادة (17/اولاً) التي منحت عضو مجلس المحافظة مكافئة تعادل راتب ومخصصات مدير عام وان يجري نصها بالاتي ((يتقاضى عضو مجلس المحافظة المنتخب مكافئة تحدد بالنظام الداخلي للمجلس بحسب الـ(الشهادة وسنوات الخدمة في دوائر الدولة والمؤهلات التي يتميز بها) على أن لا تزيد بأي حال من الأحوال على ما يتقاضاه موظفي الدرجة الثانية من درجات سلم رواتب موظفي الدولة الملحق بقانون رواتب موظفي الدولة رقم (22) لسنة 2008)، وبهذا سيكون هنالك كبح لجماح العديد من الانتهازيين الذين يشتركون في الانتخابات بصفة مرشحين طمعاً بالامتيازات والمكافئات الخيالية التي يتقاضاها عضو مجلس المحافظة.
3. إيراد نص بتسلسل (رابعاً) في نهاية المادة (17) مقتضاه منع رئيس وأعضاء مجالس المحافظات والأقضية والنواحي ورؤساء الوحدات الإدارية من السفر إلى خارج العراق طيلة مدة الدورة الانتخابية إلا للضرورات القصوى على أن ينشر على الموقع الاليكتروني للمجلس (الدولة التي سيسافر إليها وسبب السفر وتكاليفه).
4. إيراد نص بتسلسل (خامساً) في نهاية المادة (17) في حالة إصابة عضو المجلس بمرض أثناء الخدمة أو بسببها يعرض على اللجان الطبية في المحافظة التي تقرر صلاحيته للخدمة من عدمها ولا يتقرر علاجه من موازنة المجلس إلا في الحالات الآتية:
أ- إن كانت إصابته بسبب وظيفته أو بمناسبتها.
ب- إذا كان متبقي من الدورة الانتخابية مدة لا تقل عن سنتين.
ج- أن يثبت بتقرير طبي تعذر علاجه داخل العراق.
د- أن يكون المرض وبحسب التقرير الطبي من الأمراض التي يتعذر معها الاستمرار بأداء المهام والواجبات بشكل اعتيادي.
5. إيراد نص صريح بمشروع التعديل يشير إلى إلغاء جميع النصوص القانونية التي تمنح عضو المجلس المحلي راتباً تقاعدياً الا لمن كانت لديه خدمة سابقة في دوائر الدولة تشكل بمجموعها مع مدة عضويته ما يربو على(15) سنة.
6. ونقترح كذلك وضغطاً للنفقات إلغاء المادتين (33و34) التين نصتا على مناصب غير ضرورية (خمسة أشخاص بصفة معاون محافظ وسبعة خبراء بصفة مستشار للمحافظ)، والاستفادة مما ورد بالمادة (45) التي ألزمت نقل الصلاحيات والاختصاصات والدوائر الفرعية لثمان وزارات وارتباطها بالمحافظ فيمكن تكليف مدراءها بهذه المهام بدل استحداث مناصب تخلق الترهل الوظيفي في المحافظة وتثقل كاهل الموازنة بوظائف وهمية لا يقوم أصحابها بعمل حقيقي وهذه التجربة أعتمدها المشرع العراقي في قانون المحافظات الملغي رقم (159) لسنة 1969 بالمادة (54) حينما جعل بعض أعضاء مجلس المحافظة معينين بحكم وظائفهم.
الإشكالية الثانية، الرغبة في إلغاء مجالس الأقضية:-
وهي الفقرة الأخرى في مشروع التعديل، ونرى أنها أيضاً قد جانبت الصواب كونها تتعارض صراحة مع الإيمان المطلق ان الشعب هو مصدر السلطات وشرعيتها التي أشار إليها الدستور العراقي في المادة الخامسة منه وفي الوقت الذي انتهج الدستور سبيل الديمقراطية النيابية (كما تؤكد ذلك المادة الأولى من الدستور) فلا سبيل للأفراد إلا انتخاب ممثلين ونواب عنهم يمثلونهم ويمارسون السلطة نيابة عنهم وفي حالة إلغاء مجالس النواحي فمن سيمثل النواحي ومن يسهر على مصالح سكانها لاسيما ان علمنا ان الغاية من اللامركزية هي تقديم الخدمات على المستوى المحلي كون الحاجات العامة تنقسم إلى عامة أو وطنية وأخرى خاصة أو محلية وغير كاف ان يسند إشباعها لمجلس المحافظة لكونه سيجهل سلم الأولويات الحقيقي للخدمات الأساسية التي تفتقر إليها إحدى النواحي أو القرى.
أضف إلى ما تقدم ان المبدأ الديمقراطي ليترسخ ويتكامل ويثمر لابد ان يتدرب الأفراد على ممارسة شتى صور المشاركة في الشؤون العامة ذات الطابع المحلي التي تهم ساكني الناحية ككل، كما إن مقترح الإلغاء يتقاطع صراحة مع المادة (122) من الدستور التي أكدت ان المحافظة تتكون من أقضية ونواحي ولا سبيل لإدارتها الا بتأسيس مجالس خاصة بذلك، ما يعني ان الحكم المحلي في العراق يتكون من ثلاث مستويات يحدد أعضائها الشعب بطريق الانتخاب ولا يمكن إلغاء أحد هذه المستويات وإلا كان التطبيق الديمقراطي أبتر، وسيكون هنالك وحدات محلية على مستوى الناحية عاجزة عن تلبية متطلبات التنمية المحلية وتقديم الخدمات الضرورية، وان تأريخ العراق يؤكد وجود هذه الوحدات المحلية منذ مدة ليست بالقصيرة حيث ورد النص عليها في قانون المحافظات رقم (159) لسنة 1969المعدل في المادة (54) وقانون الألوية رقم (16) لسنة 1945وورد النص عليها في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 بالمادة (56/ب)، والأمر رقم (71) لسنة 2004 أكد ضرورة وجود هذه المجالس في القسم (4) الذي جرى نصه بالاتي يجوز لأية محافظة بتصويت الأغلبية تشكيل مجالس ذات الصلة التي تنظم جغرافياً كالقضاء والناحية ومجالس المدن ومجالس البلديات ومجالس الأحياء.
إلا إن ما يؤخذ على ما تقدم انه صادر حق المواطنين باختيار ممثليهم في تلك المجالس وأسندها إلى مجلس المحافظة، ورغم صراحة النص على إعادة انتخاب أعضاء مجالس الأقضية والنواحي في المادة (6) من قانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي رقم (36) لسنة 2008 التي حددت مدة ستة اشهر لذلك إلا أنها لم تجرٍ حتى اليوم وهؤلاء بالغالب تسلموا مناصبهم بالتزكية ولم يستندوا لإرادة مالك السلطة الحقيقي وهو الشعب، ما يقربنا من نظام اللامركزية النسبية التي يكون فيها الأعضاء المكونين للسلطة المحلية معينون أو يستلمون السلطة بحكم مناصبهم، وهذا الأمر يخالف الغاية المتوخاة من النظام التمثيلي حتماً.
ومن جهة أخرى تقوم مسؤولية الحكومة العراقية والمفوضية العليا للانتخابات كونهما الجهتان المسؤولتان عن تنظيم الانتخابات المحلية إلا إنهما تنصلا عن ذلك وزاد في الأمر سوءً ان مجلس النواب وعلى مدار ثمانية سنوات لم يتطرق إلى مساءلتهما والوقوف على أسباب التأخير غير المبرر واليوم يراد إلغاء مجالس النواحي قبل ان تنتخب شرعياً ولو لمرة واحدة، وإلغاء هذه المجالس سيطال ضرورة إلغاء مواد أخرى من قانون المحافظات على رأسها المادة (12) التي حددت اختصاصات مجلس الناحية بضمنها إعداد موازنة للناحية وإرسالها للمحافظ لتدرج في موازنة المحافظة وان المحافظ عليه واجب مراعاة المعايير الدستورية في توزيع الأموال على الأقضية والنواحي بمراعاة عدد السكان ودرجة المحرومية، كما ان مجلس الناحية يشرف على الأنشطة التربوية والتعليمية والصحية والبيئية التي تهم الناحية، والمادة السابعة عشر المتعلقة بالمكافئات التي ينالها الأعضاء، والمادة الثامنة عشرة التي منعت الجمع بين عضوية المجلس وأي عمل أو منصب رسمي أخر.
وبهذا الشأن نقترح الآتي بدل إلغاء مجالس النواحي وكالاتي:
1- تقليص رواتبهم وامتيازاتهم ومنعهم من السفر خلال الدورة الانتخابية.
2- رفع كفاءة الأعضاء بتطلب شروطاً ينجم عنها فوز أفضل العناصر المحلية للتصدي للمسؤولية وتعديل المادة الخامسة من قانون المحافظات بهذا الخصوص.
3- توسيع سلطة هذه المجالس بما يكفل تقديم أفضل الخدمات لسكان الناحية.
4- إصلاح النظام الانتخابي لقانون انتخاب مجالس المحافظات والأقضية والنواحي بما يضمن انتخاب أفضل العناصر.
5- النص صراحة في المادة (12) على ضرورة حضور رؤساء ومدراء الدوائر المركزية في الناحية لجميع اجتماعات المجلس والمشاركة في النقاش دون التصويت للتغلب على جميع العقبات التي تحول دون نجاعة القرار المحلي وإذابة العقبات التي تحول دون تحوله إلى واقع ملموس.
6- ضرورة تأكيد الخيار الديمقراطي حتى على مستوى القرية بانتخاب المختار بشكل مباشر من قبل سكانها ليكون معبراً عن احتياجاتها وممثلاً لسكانها أمام المجلس المحلي.
الإشكالية الثالثة، كركوك:-
يلاحظ القارئ لمشروع التعديل المقدم إغفال النص على معالجة أحوال محافظة كركوك، وهذا خرق دستوري خطير، فبسبب الصراع السياسي بين الأحزاب صودرت إرادة سكان كركوك ولم تجري أي انتخابات محلية فيها لأسباب بعيدة كل البعد عن الموضوعية وتوخي المصلحة العامة، وبالرجوع لجذور المشكلة التي تمتد لقانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية الذي نص في المادة (53) منه على انه يعترف بحكومة إقليم كردستان بصفتها الحكومة الرسمية للأراضي التي كانت تدار من قبل الحكومة المذكورة في 19 آذار 2003 الواقعة في محافظات دهوك واربيل والسليمانية وكركوك وديالى ونينوى.
والمادة (58) التي ألزمت الحكومة الاتحادية وبالتعاون مع هيأة حل نزاعات الملكية باتخاذ تدابير من أجل رفع الظلم الذي سببته ممارسات النظام السابق والمتمثلة بتغيير الوضع السكاني لمناطق معينة بضمنها كركوك من خلال ترحيل ونفي الأفراد من أماكن سكناهم ومن خلال الهجرة القسرية من داخل المنطقة وخارجها وتوطين الأفراد الغرباء عن المنطقة وحرمان السكان من العمل ومن خلال تصحيح القومية ولمعالجة هذا الظلم على الحكومة الانتقالية العراقية اتخاذ الخطوات اللازمة من تطبيع الأوضاع والتهيئة لإجراء استفتاء يحدد مصير المحافظة، وألزمت كل من هيأة الرئاسة والحكومة العراقية الانتقالية تقديم توصيات إلى الجمعية الوطنية وذلك لمعالجة تلك التغييرات غير العادلة التي تسبب بها النظام البائد وفي حال عدم تمكن الرئاسة الموافقة بالإجماع على مجموعة من التوصيات فعلى مجلس الرئاسة القيام بتعيين محكم محايد وبالإجماع لغرض دراسة الموضوع وتقديم توصيات وفي حالة عدم القدرة فعلى مجلس الرئاسة ان يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تعيين شخصية دولية مرموقة للقيام بالتحكيم المطلوب.
وهو الأمر الذي أكدته المادة (140) من دستور 2005 ((تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة،....، على أن تنجز كامل التطبيع الإحصاء وتنتهي باستفتاء كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها الواحد والثلاثين من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة)).
بيد إننا نجد إن الوقت قد فات للحديث عن المادة (140) من الدستور كونها اليوم تعد بحكم الملغاة لسببين الأول إنها تقع في الفصل الثاني من الباب السادس المعنون بالأحكام الانتقالية والمعروف ان الفترة الانتقالية في دستور 2005 انتهت مع الدورة الانتخابية الأولى عام 2010، والسبب الثاني ان المادة صريحة بوضعها مدة زمنية تنتهي بنهاية العام 2007 ما يعني إن ترك كركوك بلا انتخابات وللدورة الثالثة على التوالي إنما هو انتهاك صارخ للدستور الذي أوجب التداول السلمي للسلطة بموجب المادة السادسة واستهانة بإرادة الناخبين المحليين وفضلاً عما تقدم التأجيل يعني تنصل الحكومة عن مسؤولياتها وتخلي مجلس النواب عن واجباته لذا توصيتنا في هذا الخصوص ضرورة إجراء انتخاب محلي في محافظة كركوك على جميع المستويات أسوة ببقية المحافظات والشعب هو من سيقرر من ينتخب وهنا نشير إلى ان تخفيض عدد المقاعد أو إلغاء مجالس النواحي في كركوك سيكون على حساب تمثيل الأقليات بلا شك ولربما يساهم حتى في تقليص التمثيل الحقيقي للمكونات الرئيسة كالعربية والتركمانية لذا يدعونا الحال إلى القول بضرورة الإبقاء على ما كان ومحاولة تطويره بما يسهم في زيادة فاعلية المجالس.
الأمر الرابع، وهو دعوة البعض إلى جعل اختيار المحافظ يتم بشكل مباشر
من قبل جمهور ناخبي المحافظة وهو أمر ايجابي ولا شك ولا نجد انه كما أشار البعض يتنافى مع النظام البرلماني وضرورة تكوين السلطة التنفيذية من خلال المجالس المنتخبة لأننا لسنا إزاء سلطات مختلفة بل بمواجهة سلطة تنفيذية يراد اختيار موظف يقوم بإدارتها حيث عرفت المادة الثالثة والعشرون من قانون المحافظات المحافظ بانه أعلى موظف تنفيذي في وحدته الإدارية، ومن الناحية النظرية تتعدد تجارب الدول في اختيار الموظفين بين الاختيار المطلق والانتخاب والإعداد الأكاديمي وان اختيار المحافظ بالانتخاب سيعزز من مشاركة المواطنين في الشؤون العامة المحلية ويعزز المبدأ الديمقراطي في البلد، ويسهم في ممارسة المحافظ رقابة عملية على مجلس المحافظة بجعله ندا قوياً للمجلس يتمكن من منع مخالفة القانون أو الدستور أو التسبب بهدر المال العام، بل إننا ندعو إلى ان يكون اختيار القائممقام ومدير الناحية أيضا بالانتخاب المباشر من سكان القضاء أو الناحية.
وسوم: العدد 711