في الذكرى الستين لعودة الإدارة المصرية إلى قطاع غزة
في الرابع عشر من آذار مارس 1957م بدأت الإدارة المصرية تعود إلى قطاع غزة بشكل متدرج، إثر مظاهرات عارمة عمّت قطاع غزة لأسبوع تلا دخول القوات الدولية إلى القطاع في الثامن من الشهر نفسه إثر الانسحاب الفعلي للقوات الإسرائيلية منه في السابع من آذار. وبهذه المناسبة أسجل الملاحظات التالية:
1- وقّعت الحكومة المصرية اتفاق الهدنة الدائمة مع إسرائيل في 24/2/1949م دون أخذ رأي سكان فلسطين. كما أدارت القطاع ملحَقاً بوزارة الحربية دون موافقة سكانه، بالرغم من وجود حكومة عموم فلسطين التي اعترفت بها مصر آنذاك، لكنها لم تنتظر موافقتها على إدارة قطاع غزة، بل عمدت إلى تضييق الخناق على حكومة عموم فلسطين وسحب قيادتها إلى خارج القطاع.
2- تجاهلت الإدارة المصرية حاجة سكان قطاع غزة إلى الانتقام من إسرائيل، وعودة اللاجئين إلى أراضيهم وأملاكهم، وتمثَّل هذا التجاهُل بمنع النشاطات السياسية والعسكرية، ومنع تدريب الفلسطينيين على السلاح، أو تكوين كتائب مسلحة لاستعادة حقوقهم المنهوبة، الأمر الذي أدى إلى تكرار الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة، واستحواذها على 190كم2 من حدود القطاع الشرقية والشمالية منذ عام 1950م، واحتلالها لمثلث العوجا (260كم2) في عام 1955م، لينتهي الأمر باحتلالها لقطاع غزة نفسه في عام 1956م.
3- لم يكن قطاع غزة ساقطاً عسكرياً كما أُشيع عنه، وإنما وُضِعَ في ظروف جعلته ساقطاً عسكرياً، فلم تؤسِّس الإدارة المصرية فيه أية قوة فلسطينية قادرة على الدفاع عنه، ولذلك اضطر الفلسطينيون إلى تكوين حركة المقاومة الشعبية خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي في الفترة من 1/11/1956 – 7/3/1957م، والتي شكَّل عمودها الفقري الإخوان المسلمون، والتي عرضت على الحكومة المصرية مساندتها للدفاع عن القطاع والعمل على تحريره، لكن الحكومة المصرية امتنعت عن مساندتها والتجأت إلى الأمم المتحدة حيث فشلت عسكرياً.
4- تعطّل مجلس الأمن الدولي عن اتخاذ قرارات مفيدة تجاه العدوان الثلاثي على مصر وقطاع غزة، بسبب وجود دولتين دائمتي العضوية فيه ضمن دول العدوان، وأُحيل الأمر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أصدرت سلسلة قرارات دولية بشأن عدوان 1956م بدءاً بالقرار رقم 997 الصادر في 2/11/1956م وحتى القرار 1003 الصادر في 10/11، ثم القرارات 1120 في 24/11، 1121 في 24/11، 1122 في 26/11، والقرار 1089 في 21/12، ثم القرار 1123 في 11/1/1957 وحتى القرار 1126 في 22/2/1957 على التوالي. حيث شكّل القرار 998 الصادر في 4/11 قوات طوارئ دولية للحفاظ على خطوط الهدنة لعام 1949م، والتي أصبح اسمها: "قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة" بقيادة الجنرال بيرنز وفقاً للقرار 1122 الصادر في 26/11/1956م.
5- اضطرت إسرائيل للانسحاب من سيناء ثم من قطاع غزة امتثالاً لضغوط المجتمع الدولي وموقف الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي المتفقين على الانسحاب، وقد اشترطت إسرائيل وقف العمليات الفدائية المنطلقة من قطاع غزة، وفتح الملاحة البحرية أمام سفنها وتجارتها عبر مضائق تيران التابعة لمصر، وتم تنفيذ الانسحاب يوم 7/3/1957م، حيث سلمت إدارة القطاع للقوات الدولية، والتي رفضها سكان القطاع، ودعت حركة الإخوان المسلمين والحزب الشيوعي إلى تظاهرات مناوئة للقوات الدولية ومطالِبة بعودة الإدارة المصرية استمرت أسبوعاً كاملاً، رغم الاضطهاد الكبير الذي ألحقته الأخيرة بالإخوان المسلمين. لقد تعالى الإخوان على جراحهم واتخذوا موقفاً قومياً، ورغم ذلك لم تتحسن علاقة النظام المصري بالإخوان من بعد ذلك، وإنما طرأ تحسُّن محدود على علاقة الإدارة المصرية بسكان القطاع، لكنها لم تتعلم من الدرس ولم تؤسِّس قوة مسلحة فلسطينية كافية لحماية القطاع، الأمر الذي أعاده للاحتلال الإسرائيلي مع سيناء في عام 1967م.
6- عجزت القوات الدولية عن إدارة القطاع في الفترة 8-14/3/1957م بسبب رفض السكان التعامل معها، وخروجهم مظاهرات عارمة طوال هذه المدة، حتى أدركت أنه لابد من عودة الإدارة المصرية لضبط الأمن وتسيير شئون السكان، وبدأت العودة المتدرجة للإدارة المصرية في 14/3. فهل يدرك المجتمع الدولي صعوبة عمل القوات الدولية في بيئة رافضة للتعامل معها، حيث تتعالى أصوات بعض الإسرائيليين وبعض العرب ، بل وبعض الفلسطينيين تطالب بقوات دولية في قطاع غزة اليوم، فهل من معتبِر؟!
وسوم: العدد 711