لا فائدة من السعي لمسالمة إسرائيل
مراقبة سلوك إسرائيل منذ وجودها دولةً في المنطقة في 1948 ؛ تؤكد ظاهرة مترسخة في شخصيتها ، وهي أنها ترى أجواء التوتر والحرب أنسب لها من أجواء الهدوء والسلام . وموافقةً لهذه الظاهرة نراها تحذر أي مصالحة حقيقية مع المنطقة مهما أغريت بالتنازلات من جانب العرب . تنازلت لها منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 عن 78 % من الوطن الفلسطيني ، فلم تبادر إلى الانسحاب من الضفة وغزة معا _قيل إنها عرضت الانسحاب من غزة فقط _ وأصرت على اعتبارهما خاصة الضفة أرضا متنازعا عليها ، وقدمت لها مبادرة سلام عربية سعودية الأصل في مؤتمر القمة العربية في بيروت في 28 مارس 2002 ، فقال شارون إنها لا تستحق ما كتبت به من حبر . وهي ، مسايرة لهذه الظاهرة ، تتصيد أجواء التوتر والحرب في المنطقة تصيدا ، فعقب أن اطمأنت إلى ما خلفته أحداث السنوات الست مما زعم ربيعا عربيا من ضعف في مصادر الخطر عليها ؛ اتجهت محمومة إلى التهويل من الخطر الإيراني ، وراحت تصوره خطرا مصيريا مهددا لوجودها ، ومنذ أيام وصف نتنياهو هذا الخطر بأنه يمثل 80 % من الأخطار التي تواجه إسرائيل ، وتم التركيز فيه على جانب التهديد النووي مع أن كل المصادر بما فيها الاستخبارات الإسرائيلية لا توافق المستوى السياسي الإسرائيلي على خطورة هذا التهديد ، وموقف مائير داجان رئيس الموساد الراحل كان واضحا في معارضة التهويل من الخطر الإيراني النووي على إسرائيل .
واستثمرت التفاقم المصطنع للخلاف السني الشيعي في التقرب من الدول السنية العربية وعلى رأسها السعودية مع الحرص على توجيه هذا التقرب ضد إيران في ما يشبه ناتو عربي تشرف عليه أميركا ويقتصر دورها (إسرائيل) فيه على الجانب الاستخباري والأمني والتخطيط . وحين انتخب يحيى السنوار القائد القسامي في فبراير الماضي رئيسا للمكتب السياسي لحماس في غزة صورت رئاسته نذيرا بالحرب عليها كأنه صار قائدا لدولة عظمى ، ولا تتوقف عن الحديث عن خطر حزب الله وتعاظم قوته ، وتفعل ما يشبه ذلك مع المقاومة الفلسطينية . ما تفسير هذا التفضيل لأجواء التوتر والحرب وديمومة الخطر في نفسية إسرائيل وسلوكها ؟
أولا : هو امتداد نفسي وسلوكي لما عرف عن اليهود طوال تاريخهم من انعزال عن المجتمعات التي يعيشون فيها والمعروف بالجيتو .
ثانيا : قناعتها العميقة المترسخة أن محيطها العربي لا يقر بشرعية اغتصابها للوطن الفلسطيني حتى لو مالت بعض الأنظمة العربية إلى ذلك ، فإنها ( إسرائيل ) تدرك عميقا أن الشعوب العربية والإسلامية لها رأي آخر فيها وفي وجودها في المنطقة .
ثالثا : أي مصالحة حقيقية مع محيطها ستضطرها لما تسميه تنازلات ، وهي لا تريد هذا ، وجاهر نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو بأن إسرائيل لن تنسحب من الجولان في أي ترتيبات جديدة للأوضاع في سوريا ، فكيف سيكون الحال مع الضفة والقدس ؟
رابعا : أجواء التوتر والحرب تزيد تماسك المجتمع الإسرائيلي ، وأجواء الهدوء والسلام من شأنها أن تحرك الخلافات والانقسامات المتوارية داخله .
خامسا : حديثها الدائم عن الاخطار المهددة لوجودها يجلب لها الدعم المالي والسياسي والعسكري من يهود العالم ومن أميركا ، والمشهود أن السياسة الأميركية في المنطقة تتبع توجهات السياسة الإسرائيلية ، وتمثل إدارة ترامب الآن أقوى تبعية أميركية لهذه السياسة ، ومجالها الموقف من النفوذ الإيراني في المنطقة خاصة في سوريا ، وذكرت مصادر إعلامية إسرائيلية أن نتنياهو حمل في زيارته الأخيرة إلى موسكو رسالة تتحدث عن توافق إسرائيلي أميركي على ضربة مشتركة لإيران ، وفي هذا الباب زاد الحديث الأميركي عن ضرورة إخراج إيران من سوريا ، وهو نفس ما تلح عليه إسرائيل .
سادسا : أي سلام حقيقي بين إسرائيل والعرب سيقضي على حلم توسعها الإقليمي ، وفي هذا مقتلها ، فهي لم تخلق لتبقى في حدود الجغرافيا الفلسطينية ، وحلم الدولة المترامية من الفرات إلى النيل قناعة إسرائيلية توراتية راسخة . إذن نحن أمام كيان عدواني توسعي لا نفع من مسالمته .
وسوم: العدد 711