بعيدا عن المزايدات
رغم ليل العروبة حالك السّواد، ورغم اختلال موازين القوى، ورغم الضّغوطات العربيّة والاقليميّة والدّوليّة الهائلة، وبعيدا عن المزايدات التي لا تجلب إلا الويلات، فإنّ الرّئيس محمود عبّاس طرح الثّوابت الفلسطينيّة، في كلمته أثناء المؤتمر الصحفيّ مع االرّئيس الأمريكي رونالد ترامب، في اللقاء الذي جمعهما في بيت لحم، فطرح بثقة كاملة تمسّك السّلطة الفلسطينيّة بالحلّ السّلميّ العادل، الذي لن يتحقّق إلا بتمكين الشّعب الفلسطينيّ من الحصول على تقرير مصيره، وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس. كما طالب بضرورة الاستجابة لمطالب الأسرى المضربين عن الطّعام العادلة، وهذه هي طبيعة اللعبة السّياسيّة.
وبالتّأكيد فإنّ وضوح الرّئيس في طروحاته السّياسيّة، وتمسّكه بالحلّ السلميّ للصّراع، هو استمرار لبرنامجه السّياسيّ الذي خاض بموجبه الانتخابات الرّئاسيّة في العام 2006 وحظي بثقة شعبه الذي انتخبه بناء على ذلك.
ولا حاجة للتّأكيد من جديد أنّ الرّئيس أبو مازن يعرف قبل غيره أن الحكومة الاسرائيليّة اليمينيّة المتطرّفة، ليست شريكا حقيقيّا في عمليّة السّلام، وأنّ الادارة الأمريكيّة ليست راعيا محايدا للعمليّة السّلميّة، وأنّ انحيازها المطلق لسياسة الاحتلال الاسرائيليّ لا تشوبها شائبة. ومع ذلك فإنّ الواقع يشير أن لا بدائل للحلّ السّلميّ. ولو كان الموقف العربيّ والاسلامي الرّسميّ عربيّا واسلاميا حقيقة، لما استمرّ التّعنّت الاسرائيليّ والانحياز الأمريكيّ كما هو عليه. والرّئيس محمود عبّاس يعي ذلك جيّدا، ويتعامل معه بحنكة سياسيّة رغم حملات الإساءة التي تتعرّض لهها سياساته، ورغم عدم التّقدّم في العمليّة السّلميّة خلال السّنوات الماضية، إلا أنّ معارضي سياسة السّلطة الفلسطينيّة لم يكلّفوا أنفسهم عناء الاعتراف بأنّ السّلطة الفلسطينيّة بقيادة أبو مازن لم تتنازل عن شيء من الثّوابت، وأن لا بدائل مقنعة عندهم لهذه السّياسة. ولم ينتبهوا إلى المكاسب السّياسيّة التي حقّقتها السّياسة الفلسطينية على الصّعيد الدّوليّ، من خلال تعرية السّياسة الاسرائيليّة المعادية للسّلام، وحشد الرّأي العامّ العالميّ للاعتراف بالحقوق الفلسطينيّة، وفي مقدّمتها كنس الاحتلال ومخلّفاته، وإقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلة بعاصمتها القدس.
وبما أنّ الإدارة الأمريكيّة برئاسة ترامب تنوي طرح "صفقة للسّلام" في المنطقة، ومع عدم المراهنة على الموقف الأمريكيّ المنحاز للجانب الاسرائيليّ، إلا أنّ ذلك يتطلب توحيد الموقف الفلسطينيّ، فمن غير المعقول أن يبقى الانشقاق بين شطري الوطن"الضّفة الغربيّة وقطاع غزّة"، ومن غير المعقول أيضا أن تبقى فصائل فلسطينيّة ممثّلة في منظّمة التّحرير تغرّد خارج السّرب. فالمرحلة تتطلّب الوحدة الشّعبيّة والفصائليّة والحزبيّة، لمواجهة المستجدّات. فأن تشعل شمعة خير من أن تلعن الظّلام.
وسوم: العدد 721