خمسون عاما والأقصى مستباح
بعد 50 عاما من هزيمة حزيران 1967، والعربان في سبات عميق، لا يستيقظون منه إلا بوخزة من سادة البيت الأبيض؛ ليمعنوا في قتل بعضهم البعض، وتدمير ما تبقّى من وطن كان يوما عربيّا يمتد من محيط هادر إلى خليج صار فارسيّا بامتياز.
بعد 50 عاما من الهزائم المتلاحقة، لم يتوقّف فيها تهويد القدس المحتلّة ساعة واحدة، فجدار التّوسّع الاسرائيليّ يحاصرها بإحكام، ويعزلها عن محيطها الفلسطينيّ وامتدادها العربيّ، ومسجدها الأقصى قبلة المسلمين الأولى، وأحد المساجد الثلاث التي تشدّ إليها الرّحال، يقف في الهواء ويتهدّده الانهيار، بعد أن نخر المحتلّون أساساته بحثا عن هيكلهم المزعوم. ولا يزال المسجد العظيم يئنّ من ثقل بساطير جنود الاحتلال، والمصلّون فيه يتعرّضون للقتل والاعتقال والاضطهاد.
بعد 50 عاما من احتلال القدس جنّة السّماوات والأرض، تعرّض خلالها مسجدها الأقصى للحرق، وجرى ويجري انتهاك حرماته والاعتداء على المصلين فيه آلاف المرّات، وجرى تقسيمه زمانيّا تمهيدا لهدمه أو تقسيمه مكانيّا، والعربان في سبات أهل الكهف.
بعد 50 عاما من الاحتلال لا يستطيع المسلمون الفلسطينيّون من أبناء الضّفّة الغربيّة من الوصول إلى المسجد الأقصى للصّلاة، تماما مثلما لا يستطيع المسيحيّون الفلسطينيّون من الصّلاة في كنيسة القيامة، بل إنّهم ممنوعون من دخول القدس، بينما المسجد الأقصى مفتوح للمتطرّفين اليهود.
بعد 50 عاما من الاحتلال أصبح عدد المستوطنين اليهود في القدس الشّرقيّة المحتلّة يناهز عدد المغلوبين الفلسطينيّين في المدينة إن لم يكن أكثر. وأصبح عدد البناء الاستيطانيّ ضعف عدد البناء العربيّ. ويزداد البناء الاستيطانيّ ويزداد عدد المستوطنين يوميّا، وتفرض قوانين لمنع البناء الفلسطينيّ في المدينة ويصاحب ذلك تطهير عرقيّ صامت.
بعد 50 عاما من احتلال القدس يجري فرض ثقافة المحتلّ عليها، وشطب كلّ ما هو عربيّ وإسلاميّ فيها، فللشّوارع أسماء عبريّة، وتجري "أسرلة" المناهج الدّراسيّة فيها.
بعد 50 عاما من احتلال القدس، ما عاد العربان والمتأسلمون الجدد يذكرون أنّ المسجد الأقصى جزء من العقيدة، وهو مرتبط بالكعبة المشرّفة في مكّة، والمسجد النّبوي في المدينة المنوّرة. فهل سيقبل الله صلاتهم وحجيجهم؟
بعد احتلال القدس لم تعد عصمة لعاصمة عربيّة، فجرى احتلال بيروت عام 1982، وجرى احتلال بغداد عام 2008، وجرى ويجري تدمير مقاديشو –عاصمة الصّومال- دمشق، طرابلس الغرب، صنعاء، والله أعلم بالعواصم الأخرى التي تنتظر دورها.
بعد 50 عاما من احتلال القدس، أعلن العربان والمتأسلمون الجدد "الجهاد" على شعوبهم وأوطانهم، ويقومون بتدمير سوريا، العراق، ليبيا، اليمن، سيناء المصريّة، ويقتلون ويشرّدون شعوبهم، ويواصلون "جهادهم" ظنّا منهم أنّهم يملكون مفاتيح الجنّة!
بعد 50 عاما من احتلال القدس، أعلن العربان "النّفير" فتحالفوا مع اسرائيل، لمحاربة ايران، وينفّذون بخطى ثابتة، المشروع الأمريكيّ " الشّرق الأوسط الجديد" لإعادة تقسيم المنطقة إلى دول طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ.
بعد 50 عاما من الاحتلال، غزت الشّعوب المتحضّرة الفضاء الخارجيّ، ووصلوا كوكب المرّيخ، والعربان لا يزالون يتحدّثون ويحتفلون ويفاخرون بفوائد شرب بول البعير، و"بأحكام فقه الضّراط".
بعد 50 عاما من احتلال القدس تزداد نسبة الأمّيّة عند العربان، ولم يتساءلوا يوما عن مدى مساهمتهم في العلوم والاختراعات الحديثة؟
بعد 50 عاما من الاحتلال لا تزال حركة حماس تتمسّك بالانقسام، وتحتفظ بقطاع غزّة المحاصر، دون الاكتراث بعواقب ذلك، ومعاناة حوالي مليوني انسان يعيشون في غالبيّتهم تحت خطّ الفقر.
بعد 50 عاما من احتلال القدس، خرج العربان من التّاريخ، وارتضوا أن يكونوا على هامشه، كمفعول بهم، ولا يستطيعون فعل أيّ شيء، واستطابوا أن يكونوا "أضحوكة للأمم". فلا تستبشري يا قدس.
وسوم: العدد 723