ما الغاية من نشر فيديوهات على بعض المواقع تصور احتجاج المترشحين لامتحانات الباكلوريا على منعهم من الغش والفخر بمزاولته ؟
تتكون قناعة لدى من تابع بعض الفيديوهات المصورة لاحتجاجات بعض المترشحين لاجتياز امتحانات الباكلور يا والتي نشرتها بعض المواقع المحسوبة على الإعلام بأن وراء ذلك غاية مبيتة خصوصا عندما تركز تلك الفيديوهات على نماذج من المترشحين يتحدثون عن الغش دون أدنى شعور بالخجل بل تبدو أحاديثهم عنه بطولية ، ويقرون بكل فخر واعتزاز بممارسته ، ويدينون بكل وقاحة منعهم من ذلك ، بل أكثر من ذلك تحدث بعضهم بسخرية واستهزاء من الرقابة والمراقبين ومن الوزارة والمسؤولين وعلى وجه الخصوص من الوزير ومن فشله في منع النقل خلاف ما صدر عنه من وعيد وتهديد . ويبدو أن الجهات الناشرة لهذه الفيديوهات المنتقاة بشكل متعمد تستهدف بشكل واضح هذا الوزير الذي علقت به مهمة تدبير وزارة الداخلية بعد انتقاله إلى تدبير وزارة التربية وبين الوزارتين ما بينهما من فرق لدى الرأي العام . ولقد نشر فيديو لإحدى الإعلاميات وهي تعبر عن خوفها من الوزير لأنه كان وزير داخلية وذلك بطريقة تمثيلية مكشوفة خلال محاورتها له، وقد سايرها بدوه في التمثيل مع شيء من الشعور بالزهو لكونه شخصية مخيفة . ومن المؤكد أن نشر ثقافة دار لقمان أو التعبير عن سوء الحال في كل الظروف صارت ثقافة منتشرة خصوصا لدى المواقع الإعلامية التي تريد نشرها على أوسع نطاق . والفيديوهات المنشورة عن دفاع المترشحين لامتحانات الباكلوريا عن الغش والمطالبة به كأنه حق من الحقوق المهضومة يدخل ضمن هذه الثقافة الهادفة إلى بث اليأس من إمكانية حدوث أي تغيير في دار لقمان . ولسان حال أصحاب هذه الفيديوهات يعبر عن تشكيكهم في إمكانية خروج المنظومة التربوية من المأزق الذي تمر به لعقود والذي اقتضى تجريب مسلسلات إصلاح متتالية دون جدوى ملحوظة في الأفق . ويبدو أن هذا الوضع الذي تمر به المنظومة مقصود ومخطط له لغاية ما قد تكون كما يقول البعض الإجهاز على مجانية التعليم ليصير القطاع ضمن قطاعات الاستثمار المادي ، وقد تكون غير ذلك مما لم يكشف سره بعد . ولقد كنا نسخر من ثقافة التذمر لدى جيراننا حيث كان إعلامهم ينقل الأصوات المحتجة في كل المجالات والقطاعات ،وكانت تلك سياسة متعمدة لامتصاص الغضب تنهجها دولتهم حتى صرنا نحذو حذوهم ، وصارت وسائل الإعلام عندنا كوسائل إعلامهم في البحث عن الساخطين في بؤر الاحتجاج والسخط لخلق جو فقدان الثقة في كل شيء . ولقد نسفت الفيديوهات التي ركز أصحابها على إشهار سخط مترشحي الباكلوريا من منعهم من الغش كل الجهود المبذولة من أجل مرور الامتحانات في ظروف عادية ، ومن أجل مصداقيتها والثقة فيها . فبالرغم من استعراض الوزارة لحجم الإمكانيات المادية والبشري التي تم توفيرها لتنظيم هذه الامتحانات ، وهي إمكانيات جد ضخمة ، فإن فيديوهات المطالبة بالغش والفخر به تستخف بها ، وتستنقص من شأنها وتستخف بمجهودات رجال التربية خلال سنة كاملة كلفتهم الكثير من العناء الشديد . ولقد نال بعض المترشحين بوقاحة من أساتذتهم بتصريحات متهورة تعكس سوء تربيتهم محاولين التغطية عن شيء تتعمد المواقع التي نشرت فيديوهاتهم السكوت عنه وهو الكسل الذي يضرب أطنابه بين المتعلمين الذين ينشغلون باللهو والعبث وبالهواتف المحمولة والتنكيت بها وبمباريات كرة القدم بين الفريقين الإسبانيين البارصا والريال ، وهي مباريات بمعدل مبارتين كل أسبوع خلال الموسم الدراسي، وقد انقسم المتعلمون إلى أنصار هذا الفريق أو ذاك، وانشغلوا عن الدراسة معظم أوقاتهم بأحاديث الانتصار والتعصب لهما ، ذلك أن كل يوم دراسة يعقب مباريات الفريقين يخصصه المتعلمون للتعليق عليها ولا يحصلون شيئا من الدروس . والمؤسف أن المتعلمين وقد خدروا تخديرا بلعبة كرة القدم قد يحزنون أشد الحزن لخسارة البارصا والريال ولا يشعرون بأدنى وخز ضمير لنقط متدنية يحصلون عليها في فروض المراقبة المستمرة . وقد يشارك الآباء والأمهات في تشجيع أبنائهم على الانصراف عن الدراسة والانشغال بلعبة كرة القدم ،فينخرطون معهم في تشجيع البارصا والريال ، وتجدهم يفخرون أن أبناءهم رياليبون أو بارصويون ، ويسألونهم عن نتائج البارصا والريال، ولا يفكرون في سؤالهم عن نتائج فروضهم وعن دراستهم . وعندما يحين وقت الامتحانات يقفون أمام بوابات المؤسسات ينتظرون خروج أبنائهم لمشاركتهم في الاحتجاج على صرامة المراقبة وعلى عدم السماح لأبنائهم المدللين بالغش الذي يتم الحديث عنه وكأنه حق مهضوم دون خجل . ومما صوره أحد الفيديوهات أيضا مقاطعة تلاميذ إحدى المؤسسات في إحدى المدن لامتحان إحدى المواد بذريعة صعوبة الأسئلة وصب جام غضبهم على تجهيزات المؤسسة تكسيرا وتدميرا ، وقد تم ذلك بشكل بطولي في غياب الردع الذي يرد المتهورين من التلاميذ إلى رشدهم وصوابهم ويعيد تصحيح تربيتهم المنحرفة التي عجز عن تحقيقها الآباء والأمهات. والملاحظ في جميع الفيديوهات المنشورة أن هندام المتعلمين وطريقة حلق رؤوس الذكور منهم وطريقة حديثهم ونبرتها لا تعكس انتماءهم إلى مؤسسات تربوية بل هي تحاكي وباعتزاز وفخر أحوال وأقوال الذين لا علاقة لهم بالتربية من المتسكعين والخارجين عن القانون . ولقد غابت عندنا تماما صورة المتعلم المتخلق الذي يتحدث بأدب يميزه عن غيره ممن لا تربية لهم ،إنها ظاهرة سوء التربية وسوء الخلق التي شاعت في أوساط المتعلمين . وأخيرا نسأل الذين روجوا لتلك الفيديوهات لماذا غابت عندكم فيديوهات تنقل لنا انطباعات المتعلمين المتخلقين المجتهدين والجادين التي تبعث على الأمل في أجيالنا المعول عليها مستقبلا ،وكان من المفروض أن تنشر لتكون الرد المفحم على المطالبين بالغش والراغبين في نشر التسيب في قطاع التربية الذي يعد رافعة التنمية الأول ؟ ألم تفكروا في عواقب نشر فيديوهات الغش التي تمس بسمعة وطنكم بين الأوطان ؟ وفي نفس الوقت نطالب المسؤولين بمراقبة الإعلام الهادف إلى النيل من سمعة الوطن بشكل او بآخر ، والذي يخدم الجهات والتوجهات الراغبة في زعزعة الثقة بهذا الوطن ، والدفع في اتجاه بث الفوضى والسيبة في كل المجالات والقطاعات من خلال فسح المجال للكسالى والخاملين والمتقاعسين والمقصرين والغشاشين الذين يريدون جني الثمار دون يذل جهد . ولقد أثار انتباهي قول أحد المترشحين : " أريد النقل من أجل إرضاء والدتي فقط " وهل ترضى الوالدة المغربية أن يغش ولدها ؟ وأثار انتباهي قول آخر حين طلب منه أن ينطق بجملة باللغة الانجليزية و بسخرية واستهزاء : "أنا لا أستطيع أن أنطقها حتى بالعربية ". إن في هذا الجواب مساسا بسمعة الوطن إذ كيف يعقل أن يصرح مترشح لاجتياز امتحانات الباكلوريا بمثل هذا الكلام ؟ وهذا يدعو إلى مراجعة شرط التقدم لاجتياز هذا الامتحان بالاعتماد على مؤشرات فروض المراقبة المستمرة توذلك بعدم السماح لهذا الترشح لمن لا يحصل على علامة معينة يؤهله لذلك صيانة لسمعة ومصداقية هذه الشهادة التي صار يترشح لها كل من هب ودب ليساهم بعبثه في زعزعة الثقة بها وهي رمز من رموز سمعة الوطن . وإذا كنا نقول من قبل ما كان لوزير داخلية أن يكلف بوزارة التربية لأننا كنا نريد وزيرا تربويا على علم وخبرة بالميدان ، فإننا اليوم على قناعة من أن تدبير وزارة التربية بأسلوب تدبير وزارة الداخلية هو الحل الأنسب لإعادة تربية النماذج المتهورة المطالبة بالغش والمدافعة عنه . ونرجو أن يتابع وزير الداخلية بوزارة التعليم الجهات التي استهدفت وزارته من خلال تلك الفيديوهات الماسة بسمعة قطاع التربية خصوصا وسمعة الوطن عموما في هذا الظرف بالذات .
وسوم: العدد 724