ما يدبر لغزة تمهيد للقضاء النهائي على وحدة الشعب الفلسطيني
شرعت وزارة الداخلية في غزة في إقامة منطقة عازلة بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية بعرض 300 متر ، وطول 14 كيلومترا ، أي طول الحد الفاصل بين قطاع غزة وسيناء . المنطقة جزء من التفاهمات التي تمت بين حماس والسلطات المصرية . والهدف منها ، مثلما أعلن ، منع تسلل عناصر خطرة ذهابا وإيابا بين قطاع غزة وسيناء ! قطاع غزة لصغر مساحته ( 360كيلومترا مربعا ) آخر مكان في الدنيا يجوز أن يقتطع أحد جزءا من مساحته . إسرائيل صنعت منطقة عازلة تمتد في شماله وشرقيه بعرض 300 متر وطول 42 كيلومترا ، فحرمت مزارعين كثيرين من زراعة أراضيهم أو السكن فيها ، ومنهم من لا يملك سوى مساحة صغيرة جدا . وفي البحر ، لا يباح للصيادين الغزيين الصيد إلا في عمق 6 أميال ، وحتى في هذه الأميال الستة ترشقهم الزوارق الإسرائيلية بنيرانها بين وقت وآخر ، فتجرح بعضهم ، وتقتل بعضهم ، وتعتقل أحيانا بعضهم . دائرة من المحاصرة المضرة الخانقة . والاقتطاع الأخير ، مع الحدود المصرية ، ما كان له في الحق أي مسوغ ، وبعبارة أصوب : كان المستحسن النظر في بديل آخر عنه . ولو حسنت النية في الجانب المصري ، وصح التعامل مع حقائق الواقع الأمني الذي يخصه لوجد هذا البديل المريح للطرفين ، والمجدي لمصالحهما التي رأيناها دائما واحدة ، وفاجأت أحداث علاقاتهما في السنوات الأخيرة رأينا بنفي صحته . وهذا يستدرجنا إلى النظر في ما يتم الحديث عنه الآن من إمكان وقوع تطورات إيجابية بين غزة ومصر استجابة للتفاهمات المرعية مصريا بين حماس وجماعة النائب الفتحاوي نزيل الإمارات . الحقيقة لا نستبشر بأي خير جديد ينبثق من تلك التفاهمات . فالطرفان ، المصري والفتحاوي ، لا يضمران لحماس سوى أحر البغض ، وهو ليس بغضا عابرا ، بل جذريا مترسخا لنبوعه من تنافر مطلق في التوجهات والمصالح . وما تم بين حماس وبين هذين الطرفين ما كان ليتم لولا موافقة أميركا وإسرائيل عليه ، وموافقتهما تصرح بالكثير عن الهدف منه ، بل تصرح بكل شيء ، وهو اصطياد حماس ، واصطيادها جزء مما يرتب لغزة ، وما تفعله السلطة في رام الله ضد غزة جزء آخر منه يستهدف القضاء على المقاومة فيها . ومنذ وقت قريب قال مسئول أميركي إن بلاده جادة في إخضاع حماس . والقضاء على المقاومة سيهيء لفصل غزة عن الضفة ، وقتل وهم الدولة الفلسطينية قتلا نهائيا ، وصورة هذا القتل : تلفيق أي شكل من أشكال السلطة الإدارية في غزة بلا سلاح وبلا مقاومة ، ووصله أمنيا بمصر ، وضم ما تبقى من الضفة إلى الأردن بأي مسمى إيهامي ، كونفدرالية أو فدرالية ، والضفة في المجمل ما زالت وفق الدستور الأردني جزءا من الأردن ، ولم يغير فك الارتباط بينهما في 1988 من هذه الصفة الدستورية لها . وما يحدث الآن بين غزة ومصر والفتحاويين المختلفين مع عباس ينسجم مع التحرك المندفع للسلام بين إسرائيل والدول العربية الذي تتصدره السعودية في حماسة وتوق حارين ، وانتشاء وابتهاج عارمين من إسرائيل . وأخطر ما في ما يحدث أنه يوجه ضربة نهائية لوحدة الشعب الفلسطيني الذي يفوق عدده الآن بين النهر والبحر عدد الإسرائيليين ب 8 % وفق ما جاء ، وهذا مهم على جانب خاص ، في كتاب " قضايا في الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط " للإسرائيلي أرنون سوفير أستاذ قسم الجغرافيا في جامعة حيفا ، والمعلومة في مجملها معروفة لنا منذ سنوات ، وأقر بها رئيس إسرائيل الراحل شيمون بيريز . وما نقصده من ذكرها التنبيه في ألم كبير إلى أن كل هذا الوزن البشري الفلسطيني في الجغرافيا الفلسطينية الذي أسس المشروع الصهيوني على فرية خلوها من السكان ؛ ضيع هدرا لفقدان قيادة فلسطينية وطنية فعالة ، ولارتباط أكثر الدول العربية بإسرائيل ارتباط مصلحة ومصير ، ارتباط أخفي عقودا ، وشرع في إظهاره بآلية متتابعة منذ بداية الأحداث العربية الحالية في2011 ، وهو الآن يندفع نحو العلنية التامة مصحوبا بسعادة طرفيه ورغبتهما الحارة في تعويض متاعب عقود الإخفاء والتستر .
وسوم: العدد 727