حماس و مصر ودحلان والخيارات الصعبة
ليس سهلا على المتابع والمحلل الكتابة عن تفاهمات القاهرة ومسوغاتها مالم يستند الى معلومات تفصيلية تجمع ما بين معرفة الواقع وبعض التفاصيل المهمة عن حماس وإدارتها لسياستها الداخلية.
لكن ما يهم المتابع هو حساسية الملف المناقش، والذي يعد الأهم في تاريخ حماس بعد قرار المشاركة في الانتخابات التشريعية والبلدية عام 2006، كون الاتفاق مع مصر لا يقف عند حدود الجانب الإنساني بل يتجاوزه لملفات الأمن، والاقتصاد والسياسية، بل يمهد لشكل من أشكال العلاقات الدولية للمقاومة الفلسطينية.
بعض من الإخوة وحين إعلاني نية الكتابة في الموضوع حاول فهم المقصد، والجديد الذي يمكن إضافته في هذا الملف، ما أستطيع تأكيده أن الجديد هو الكتابة بشكل تحليلي، في ظل غياب الصورة المقدمة عما جرى خلال الشهور الثلاثة الماضية.
الأمر الذي تسبب في فوضى التحليل والتوقع والخشية على المقاومة، بل ذهب أرباب السياسة للحديث عن حماس وواقعها وسطوة الجغرافيا على القرار، الأمر الذي أكد لديهم غياب التوازن في الرؤية العامة بين مناطق وجود الحركة.
بل ذهب البعض الى شخصنة الاتفاق واعتباره نتاج العلاقات المحلية في الاشارة الى قيادة حماس في غزة وتيار دحلان، ووضعه في إطار الضيق بعيدا عن الحالة الفلسطينية الكلية وما يمكن أن ينتجه الاتفاق من تبعات قد تطال الرؤية العامة للحالة الفلسطينية في ظل استهداف المقاومة وحصار قطر وتبلور حلف يستهدف الوجود الحي في الأمة.
التشعب في الملف سيربك المتابع لكن ولتسهيل الفهم من تقسيم الموضوع الى عدة مفاصل مهمة تساعد في وضع ضوابط مهمة يمكن بناء توجهات لفهم هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ الشعب الفلسطيني.
أولا: الاتفاق : من خلال المعلومات وتصريحات قيادة حماس وشخصيات مقربة من دحلان، فمن الواضح أن الاتفاق في اطاره العام يقوم على جملة من المتغيرات:
أ . حل مشكلات غزة الانسانية من غذاء وكهرباء ومعابر ومعابر.
ب. ضمان حماس علاقة أمنية سليمية مع مصر عبر بوابة سيناء المصرية.
ج. رفع فيتو العمل السياسي عن تيار دحلان ودحلان ذاته وإشراكه بشكل وآخر في الواقع السياسي الفلسطيني.
د. توسيع آفاق الحالة السياسية لتطال ملفات المصالحة واشراك فصائل العمل الوطني في ذلك.
و. فتح المجال أمام المصالحة المجتمعية المتأثرة بالانقسام وأحداثه.
ي. اشتمال الحالة على تثبيت التهدئه، وفتح دور لمصر في ملفات العلاقة مع الاحتلال " ملفات الاسرى لدى المقاومة، التهدئه وغيرها.
ثانيا : الظروف المحيطة بالاتفاق
أ . إطباق الحصار بشكل غير مسبوق على قطاع غزة، تجاوز في صورته الحالية أي فترة زمنية سابقة كتوقف الاعمار، وزيادة وتيرة قطع الكهرباء، وتهالك البنى التحتية، وارتفاع نسب البطالة وغيرها.
ب. تحرك السلطة الفلسطينية بشكل متسارع في تمتين الحصار على غزة، من خلال المس بمرافق مهمة كالهرباء والعلاج بالإضافة إلى تخفيض دخول العملة للقطاع.
ج. إنقلاب بعض الأنظمة العربية الرئيسية على الرئيس الفلسطيني لصالح دحلان ومحاولة ترتيب مسار احلالي له
د. حصار قطر واستهداف حماس فيها، وحركة الإخوان المسلمين عدا عن تحشيد عربي تجاه حماس وملاحقة فيزيائية حقيقية لها.
ه. إعادة تموضع بعض قيادة حماس في أماكن تواجد جديده، الخشية على المساس ببعضهم خاصة في ظل تسويغات عربية لرفع الغطاء عنهم مما يفتح شهية الاحتلال لتنفيذ اغتيال هنا أو هناك.
و. ظهور مخططات لقسمة الحالة الفلسطينية بين الأردن ومصر، عبر تسوية تحاول الإدارة الأمريكية تمريرها تشمل العرب وتتجاوز تسمية الدول الفلسطينية لصالح تكوينات رعاية تشبه الحالة التي سبقت العام 1967.
ز. تبلور تيار في السلطة الفلسطينية يقبل بحكم الضفة، على حساب بناء مظلة سياسية فلسطينية عامة.
ح. انسداد أي أفق للمصالحة بين حماس وفتح لأسباب مختلفه أهمها عدم توفر إراده بذلك تتمرد على العوائق الخارجية والداخلية.
ثالثا: من يقف وراء الاتفاق مع حماس
من اليقين أن الاتفاق وبنيته تشتبك فيه أطراف مختلفه بشكل مباشر وغير ومباشر أولها تحالف مصر الإمارات الأردن السعوديه، الإحتلال، الولايات المتحدة وتيار دحلان.
لكن الممثل للاتفاق مصر وتيار دحلان.
ومن حماس الهيئة القيادة في قطاع غزة .
رابعا: ما الذي تسعى الأطراف لتحقيقه في الاتفاق " مصر والحلفاء".
الاحتلال الصهوني ومصالحه في اتفاق مصر حماس
أ . تمتين حالة التهدئة مع الاحتلال في ظل حسمي صهيوني بأن لا مصلحة في التصعيد مع غزة.
ب . فتح نافذه لانهاء ملف المحتجزين الصهاينه لدى المقاومة الفلسطينية.
ج . إدامة حالة الإنقسام بين الضفة وغزة.
د. إدخال دحلان رجل الاختراق الى البيئة الغزية بالتدريج.
ه. خلق نافذة "الجزرة" لتسهيل استخدامها في الضغط على المقاومة الفلسطينية.
مصر ومصالحها في الاتفاق مع حماس
أ . القيام بدورها الوظيفي في المنطقة الخادم لسياسة الاحتلال وتوجهاته.
ب. الاستفاده من حماس في ضبط الحاله الأمنية الحدودية مع سيناء.
ج . خدمة رجلها في الملف الفلسطيني دحلان وتكريسه كخيار في حال وفاة الرئيس عباس.
حماس ومصالحها في الاتفاق مع مصر دحلان
أ . تفادي حرب محتمله مع الاحتلال في حال استمر الحصار المطبق على غزة.
ب. حلحلة ملف الحصار على غزة.
ج . الإنحاء أمام عاصفة تريد رأس حماس باتفاق عربي غربي صيوني.
د. تمتين ساحة مقاومة هي المتبقية كقوة فيزيائيه حقيقيه.
مخاوف الانعكاسات من الاتفاق والتي قد تفرضها ظروف الواقع .
أولا : على حركة حماس ذاتها
أ . خسارة توازن الساحات : بلا شك أن قطاع غزة ومنذ سيطرة الحركة عليه ، باتت الحركة تمثل الثقل الحقيقي والساحة الأكثر تماسكا وقوة، في المقابل خسرت الضفة الغربية حضور الحركة بفعل سلوك السلطة وملاحقة الاحتلال لها، الأمر الذي تسبب في اختلالات كبيرة وكثيرة: من أهم مؤشراتها غياب الوجود الفاعل لحماس الذي كان عليه في سنوات ما قبل الانقسام.
ب. ترسيخ البنية السياسية لحماس في غزة الأمر الذي من الممكن معه إعادة تجربة ساحة لبنان مع منظمة التحرير الفلسطينية، مما يجعل بوابة المساومة السياسية ممكنه في كل مرحلة من المراحل.
ج. تعقيد ملف حلحلة الحصار وربطه بالسلوك السياسي لحركة حماس، سواء ما تعلق بالمقاومة في غزة وسلوكها، وشكل تفاعلها مع المتغيرات التي يفرضها الاحتلال.
د. خشية تحييد غزة عن حركة المقاومة في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني كون الأخيرة ستكون أمام شكل سياسي جديد تفرضه معادلة الاتفاق وتبعاته.
ه. الحركة الإسلامية في فلسطين، تعيش مأزق بنيوي في حال استمر، خاصة بعد حظر الحركة الإسلامية في الداخل وواقع الضفة والحالة القائمة في القدس، الأمر الذي من شأنه الاستمرار في حال ظل الواقع السياسي على ما هو عليه.
الانعكاسات على الوطنية الوطنية العامة
أ . سيدخل دحلان بوابة الشرعية من خلال غزة، وسيسوق للناس على أنه المخلص، في ظل البحث عن خليفة الرئيس محمود عباس.
ب . العوده الى غزة ستعيد دحلان الى قيادة حركة فتح، مما يعني أنما مشهد استمرار واقع الحركة ورؤيتها على الرغم بأن سلم القيادة الحالي بذات ثقافة دحلان.
ج. الاتفاق سيساهم بشكل وآخر تصوير شخص خطير على أن له ثوب وطني مع انتفاء هذه الحالة بالمطلق.
د. ستصبح مصر المتحكم الرئيس في حركة حماس بنسختها الغزية الأمر الذي سينعكس على الحركة بكل ساحاتها خاصة في ملفات الصراع والتهدئة والحصار.
ه. ستدخل حماس في علاقة مع محور يريد رأسها وبذلك يصبح السلوك المطلوب من حماس سلوك حذر قابل للانفجار في كل لحظة.
و. إمكانية ارباك المحاور والداعمين للقضية الفلسطينية في ظل محاولة أطراف العلاقة مع مصر النيل من حلفاء القضية الفلسطينية في تركيا قطر وإيران.
تغريده خارج السرب لا تقوم على معلومه
هل التقت الإرادات جميعها" الولايات المتحده، الكيان، المحور الخليجي المصري وبعض دول أوروبا، والسلطة ذاتها " للضغط على حماس والإخوان، لإحداث تسويات على مستوى المنطقة، والتي تقف عائق في وجه اتمامها حركة حماس والإخوان كفاعل أساس.
ومؤشر ذلك:
أولا: تزامن ذروة الهجمة على حماس مع ذروة الانفتاح من مصر تجاه حركة حماس.
ثانيا: الهجوم المبرج على الإخوان المسلمين في العالم ومنصاتهم المجتمعية .
ثالثا: التقارب الإسرائيلي العربي بقيادة الوليات المتحدة وتقديم جملة من المبادرات التي تصب في ذات الاتجاه التي نذهب اليه.
رابعا: التحرك باتجاه الاعلام داخليا وخارجيا، ثم تأطير إعلام يخدم التوجهات مع الاحتلال في ظل رفع مستوى الخطر الايراني والإخوان وحماس على الاحتلال نفسه.
خامسا: تقارب ما جاء به بلير سابقا مع ما طرح اليوم، الأمر الذي يشي بمنهجية يمكن فهم سياقاتها بشكل أو آخر على أنها متدحرجه.
سادسا: تزامن الاتفاق مع خطوات طاحنة تقوم بها السلطة الفلسطينية والتي تعبر عن إمكانية لتفهمات بينها وبين أطراف الحل والحصار.
بدائل الاتفاق مع دحلان للنقاش
أولا: تسليم غزة للجنة فصائلية تتحمل مسؤولية الاتفاق مع الرئيس عباس ومصر وتخلق حماس فيها ظروف ضامنه للمقاومة وحضورها.
هذا الأمر فيه كثير من الصعوبات خاصة في ملفات الموظفين والبناء الهيكلي للسلطة في غزة.
ثانيا: اتفاق الحد الأدنى مع الرئيس عباس برغم صعوبته وتقارب الفكر مع دحلان، إلا أن حماس ستكون ضامن لحالة يمكن البناء عليها مع صعوبة المشهد.
ثالثا: اتفاق من حماس على تسوية أمورها الضفة الغربية مع سلطة الرئيس عباس، الأمر الذي سيكون له ثمن في ملف المقاومة.
رابعا: خلق حالة سيلان باتجاه مصر والحدود الإسرائيلية لخلق أزمات للحل.
البدائل ليست كثيرة ولكل منها مخاطرها وحيثيات النقاش فيها، لكن أيهما أقل خطرا وأيهما يعفي المقاومة من أثمان كبيرة.
هذا الأمر لا يمكن عرضه هنا من كاتب، إنما على من يملكون أدوات المعرفة والربط والحل السياسي الاختيار بين الأقل سوء.
اليوم قد تتم التسوية في شطر من الوطن، لكنها ستتعثر في شطر آخر، و فيه سيستمر التعذيب والاعتقال وقطع الأرزاق وستمضي الأمور دون أفق ما لم يكن هناك تصورات واضحة فيها.
مثلنا كمتابع يسمع من الضفة وجع غزة وجرحها، ويرى فيها الأمل الكبير الذي يعول عليه، لذلك يخاف الواحد عليها كما يخاف على أمه، كونها الحنونة، والكبيرة، والأبية ، والتي معها يكبر الأمل.
وسوم: العدد 727