هلا استقامت حكومتنا ووزيرة مائنا والمطالبون بتوفير الماء

هلا استقامت حكومتنا ووزيرة مائنا والمطالبون بتوفير الماء فيرسل الغفار جل جلاله السماء عليهم مدرارا ويسقيهم ماء غدقا ؟

عجبا للذين  يتحدثون عن أزمة الماء في بلادنا ،ويتصرفون وكأن الكون لا قيوم له سبحانه يدبر أمره، ولا تأخذه سنة ولا نوم ، وما هو بغافل عما يعملون ، ويغفلون عن قرآن يتلى عليهم بالليل والنهار، وهم عنه معرضون، وفيه حديث عن الماء ربط الله عز وجل بين وفرته وبين استقامة البشر واستغفارهم  . ولقد كان الأجدر بالذين يخوضون في حديث ندرة الماء في بلادنا، والذين خرجوا محتجين للتعبير عن سخطهم من قلته أن يخوضوا في ما هم عليه من انحراف عن الطريق المستقيم، والله عز وجل وعد المستقيمين بوفرة الماء فقال جل جلاله : (( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا )) ،وهذا وعد منه سبحانه وتعالى  ب حسن الجزاء على الاستقامة في الدنيا، وذلك بنزول المطرالغزير الذي تسيل به الأنهار وتتفجر به العيون ، وهو عنوان على رضى الله عز وجل وبشارة منه بما يدخره  للمستقيمين من أجرعظيم في الآخرة .

 ولا يخطر ببال الكثيرين خصوصا الذين يغفلون عن استحضار رب العزة جل جلاله، ويغيبونه  غفلة وجهلا من حياتهم أن الذي كان من الواجب الحديث عنه  قبل الحديث عن ندرة الماء ، وشح السماء هو اعوجاج الناس وانحرافهم عن الطريقة كما سماها رب العزة جل وعلا لأن قلة الماء  من كثرة المعاصي . وقبل البحث عن حلول لندرة الماء ومطالبة من لا يملكون خزائنه من البشر بتوفيره  وما ينبغي لهم وما يستطيعون أن ينتبهوا إلى سبب ندرته الذي يكمن في خروجهم عن الجادة التي أمرهم الخالق سبحانه بالاستقامة عليها .

وحتى حين يقع الاعوجاج من البشر عن هذه  الجادة تفضل عليهم الله عز وجل  جودا منه بحل يكون سببا في  نزول الماء الغدق ، وهذا الحل يكمن في الاستغفار مصداقا لقول الله تعالى : ((استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم  بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا )) . وقد قال المفسرون إن سبب نزول هذه الآية هو حديث الله عز وجل عن قوم نوح عليه السلام الذين أصابهم القحط الشديد وهلكت مواشيهم وعقمت نساؤهم أربعين سنة بسبب انحرافهم عن سواء السبيل، فدعاهم نبي الله نوح عليه السلام إلى الاستغفار لاستنزال المطر الذي يعود به الخصب ،وتسيل به الأنهار، وتنبت الجنات ،وتحيى به المواشي . ولئن كانت الآية حكاية عن قوم نوح حين أصابتهم السنون، فإن القرآن الكريم أنزل للناس ليوجههم  إلى قيام الساعة ، وما حدث لقوم نوح من عصيان وانحراف يحدث للناس في كل زمان وكل مكان ، والمغاربة ككل الناس إذا ما انحرفوا عن سواء السبيل أمسكت السماء بإذن ربها ،وقل الماء، وهلك الزرع والضرع، وجاع الناس . ومن المؤسف جدا أن يوجد الحل الرباني لدفع الجفاف وندرة الماء في القرآن الكريم، ويأبى الناس الأخذ بهذا الحل غفلة منهم أو جهلا أو تجاهلا ، ويلتمسون الحلول في غيره وهي لا تغنيهم شيئا . وكان على الحكومة وعلى الوزيرة المكلفة بالماء أن تجيب المطالبين بتوفير الماء باللجوء إلى الحل الرباني عوض تقديم الوعود بتوفير ما ليس بيد البشر بل هو بيد الخالق جل وعلا . وإن الحل العاجل هو الاستغفار المصاحب للاستقامة على الطريقة كما أمر الله عز وجل الذي وعد الناس بالماء الغدق المدرار إذا هم استغفروا واستقاموا .

ولقد كان السلف الصالح  يستسقون المطر بالاستغفار كما حدث بذلك الشعبي  الذي قال : "خرج أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستسقي فلم يزد عن الاستغفار حتى رجع ، فأمطروا ، فقالوا : ما رأيناك استسقيت ، فقال : لقد طلبت المطر بمجاديح السماء التي يستنزل بها المطر، ثم قرأ : (( استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا )). وكان هذا شأن السلف الصالح إذا تأخر المطر وقل الماء ، ولم يكونوا يقصدون أميرا أو وزيرا ليوفر لهم الماء ، فأمير المؤمنين عمر رضي الله عنه لم يعدهم بالماء كما تعد حكومتنا ووزيرة الماء عندنا  بذلك بل خرج مستغفرا ملتمسا وعد الله عز وجل الذي وعد به عباده حين يستغفرون .  وحدث الأوزاعي أيضا  فقال : " خرج الناس يستسقون ، فقام فيهم بلال بن سعد ، فحمد الله وأثنى عليه ،ثم قال :  اللهم إنا سمعناك تقول : (( ما على المحسنين من سبيل )) وقد أقررنا بالإساءة ، فهل تكون مغفرتك إلا لمثلنا ؟ اللهم اغفر لنا وارحمنا  واسقنا ، فرفع يديه ، ورفعوا أيديهم ، فسقوا "

 فهل سترفع الحكومة ووزيرة الماء والذين يشكون قلة الماء ويطالبون بتوفيره ممن لا يملكونه ويخرجون محتجين على ذلك أيديهم إلى السماء تائبين مستغفرين مستقيمين على الطريقة أم أنهم سيظلون على غفلتهم وجهلهم أو تجاهلهم هاجرين كتاب ربهم  معولين على من لا ماء عنده  وناكبين عن الصراط المستقيم انحرافا به يمتنع القطر و يقل الماء ، ويسود  القحط والجفاف ، ويهلك العباد وتخرب البلاد ؟

وبقي أن نلتفت إلى الذين يربطون نزول المطر بالمواقع الجغرافية وبخطوط الطور والعرض  ونقول لهم إن خطوط الطول والعرض لا تعطي مطرا وإنما الذي ينزل المطر رب العزة جل جلاله ، أو الذين يرون أن غيرنا من الأمم تسقى بلا استغفار ولا استقامة ، فنقول  لهم إن الله تعالى بعد أن قال : (( وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا ))قال مباشرة : ((  لنفتنهم فيه )) وهذا يعني أن نزول المطر مع عدم الاستقامة والاستغفار إنما هو فتنة ليزداد المنحرفون عن الطريقة انحرافا ،ويغتر بهم المغترون كما يفعل عندنا الكثيرون من المفتونين بهم  .

اللهم  إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا ، ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، ربنا إنك رؤوف رحيم ، ولك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ،وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

وسوم: العدد 743