قَطَعَ السُّكونَ الهِرُّ في زنزانتي= والنومُ في ليلِ الأسَى جافاني
أحيا بُكاهُ المُرُّ كلَّ مواجعي= وصَدَاهُ هَزَّ الصَّخرَ في الجدرانِ
ناديتُهُ يا هِرُّ إنكَ قاتلي= بأنين صوتِكَ إذ يُذيبُ جَناني
فارحمْ أسايَ فما أنا إلا الذي= شاكٍ مرارةَ مَحْبسي و هواني
فأجابَ بالنظراتِ ثمَّ بصرخةٍ= هزَّتْ فؤادَ الشاعرِ الإنسانِ
إني حُبِسْتُ وما هنالكَ عِلَّةٌ= حتى أكابدَ وَحْشةَ القضبانِ
إني حُبِسْتُ ولمْ أكنْ متمرِّداً= لم أعْصِ يوماً حَضْرَةَ السُّلطانِ
ناديتُهُ يا هِرُّ صوتُكَ قاتلي= فلْتسكتْنَّ ولوْ لبِضْع ثوانِ
امْسَحْ دموعَكَ فالمدامعُ نهْرُها= عنْ شاطئَيْ عينيكَ في فيضانِ
عندي طعامٌ لو أرَدتَ مثولَهُ= قُدُماً يُساقُ إليكَ في اطمئنانِ
وكذا الشرابُ لديَّ أهنأ شربةٍ= فيها الرواءُ يدوم للظمآنِ
عندي لمثلكَ ما تحِبُّ وتشتهي= إذ أنتَ عندي أكرَمُ الضِّيفانِ
فأجابني أنْ لا بِهَزَّةِ رأسِهِ= حُرّيتي هي مُنْيَتي وأماني
لستُ المدانَ فمَنْ يُبرٍّأُ ساحتي= ومَن الذي يُنْجيني مِن سجّاني
فأجبتهُ يا هِرُّ دونكَ ليلةٌ= تمضي ، وعنك يُفكُّ قَيْدُ العاني
أمَّا أنا فاللهُ يعلمُ وَحْدَهُ= كمْ في سجونِ الظالمينَ أعاني
أنا هاهنا كم ذا يكدِّرُني الأسى= أنماعُ في وجَعي وفي أحزاني
ليلٌ يمُرُّ علىَّ ، في أكنافِهِ= أمَلٌ يُبشِّرُ بالصباحِ الدَّاني
أمَلٌ تشرَّبَهُ الفؤادُ فما سَرَى= إلا شُعَاعاً ضخَّهُ إيماني
ولقد أتى بي الحقُّ في عليائهِ= للسِّجْنِ في خَلَواتِهِ ، و كفاني
يوماً أرى وَجْهَ الشوارعِ ضاحكاً= أحيا طليقَ الرُّوح ِ في اطمئنانِ
ولقد أتى بي الحقُّ في عليائه= للسِّجنِ في خلواتِهِ ، و كفاني
يا هِرُّ إنْ بزَغَ الصَّباحُ بنورِهِ= وغدوتَ حُرّاً رَغْمَ أنفِ الجاني
بلِّغْ سلامي للحياةِ وللدُّنا= ولكلِّ شِبْرٍ في ثرى الأوطانِ
واشْهَدْ بأني في الغرامِ بسِحْرها= حتى تُوَارِايَ جُثَّتي أكفاني
وأرى لدِّينِ الحقِّ ألويةَ الهُدَى= فوقَ السَّحابِ بنورِها الرَّبَّاني