حينما ينهَضُ القَتلى منَ القَتلى
أمطرينا سُندُسَ الأبعادِ يا زَفرَةَ حُبِ
ماتَ في أفقِ التَّناهي في حدودِ المُبهَمِ الموروثِ قسرأً
في عُيونٍ صُبحُها صَمتُ الإرادة..
أمسَكَ اللّيلُ بصَوتٍ خافِتٍ يَمضي حَييًّا
يكتَسي بَردَ الأماني، وارتِعاشَ الحظَةِ الخَجلى
وكانَ الأفقُ أفكارًا مُعادة.
مثلَما يَسقُطُ ظلُّ الشَّمسِ عَن كَفي انطَلَقنا
نَحوَ ما لا نَستَبين.
والأماني غادَرَت ألوانَها
ها وَجهُها يصغُرُ كالأفكارِ إذ تُنسى،
وكالأيامِ إذ تَغفو،
وكالذِّكرى متى ماتَ الحنين..
شاحِبًا يَبحَثُ عَن عُنوانِهِ في لحظَةِ الصَّفوِ مصيرٌ
موجُهُ ذِكرى مُسافِر
رَمُلُهُ أقدامُ عاثِر
صوتُهُ ليلُ المُقامِر
عُمرُهُ فجرُ المآذِنْ
والدّيوكْ..
وكِتابٌ فيهِ ذِكرٌ لشُعوبٍ في رِياحٍ
عانَقَت موتًا... تَراخَوا
والجَسَدْ
صارَ كالسِّرِّ ضَبابا
كَم بَقينا نُشبِعُ البَلوى عِتابا
والنّوى يُهدي مآقينا سَرابا
كَم مَضينا دونَما وَعيٍ شمالًا
أو يَمينًا.. والصّدى كانَ اغتِرابا
يهمِسُ التّرحالُ للتّرحالِ أقصِر
غيرُ ريحِ الله لا تُجري سَحابا
***
قالَ صوتي للصّدى في لحظَةِ الاحساسِ، والإحساسُ يُرجى:
حينَ كُنّا في حِصارِ البَحرِ كانَ الرّملُ ينمو مِن مآقينا،
وكانَ المَوجُ يُهدي لَحمَنا للبيدِ،
والأقمارُ تَحكي للعُيونِ السّودِ أحلامَ المَدينَة..
يا لُغاتِ الصّمتِ مَنذا يُخبِرُ الأقوامَ عَنّا،
عَن رُؤانا تَكتَسي اللَّحمَ المُشَظّى،
عَن مَتاهاتٍ تُغَذّيها دِمانا،
عَن صُعودِ الرّعدِ مِنّا،
واختِناقِ البحرِ فينا...
إنّنا كُنا.. وما زُلنا.. وبتنا..
ينهضُ القَتلى مِنَ القَتلى لدَينا
كَتَبَتنا رَعدَةٌ صارَت دِمانا... وارتَجَلنا
رَعدَةً أخرى... وكانَت ما وَعَينا...
هَل وَعَينا..
جُرحَ مَن كانَت عُيوني... وغَدَت رَملا بِعَيني؟
نَجمَةً كانَت بِكَفي.. أصبَحَت عَتمَ الظّهيرَة!
هل وَعَينا جُرحَها الرّوحِ الأسيرة؟
أمطريني.. عَلَّني أدرِكُ هل نُدرِكُ كَم أوغَلَ فينا...
جُرحُ بَغدادَ ويافا..
جرحَ بيروتَ وصَنعا..
جرحَ صحراءَ تَفَشّت، أنشَبَت فينا صَداها
فتعرّى الفَجرُ والنّهرُ تَعَرّى... والتّراب!
كلُّنا نَحمِلُ للدُّنيا عِتابا
مُذْ خَلَعنا جِلدَنا والطُّهرُ غابا
مُذ نَهَضنا نرتَجي ما ضاعَ مِنا
عندَ مَن لم يُهدِنا إلا اغتِرابا
تَلفُظُ الأحداثُ من قد غابَ عَنها
يا سرابًا ما جنى إلا سَرابا
وسوم: العدد 770