مُعَارَضَةٌ تَأَخَّرَتْ

الحساني حسن عبد الله

أراد الله لي- جلت حكمته ودقت- أنْ أُمتَحَن، وأن يطول زمان المحنة، فنسيني ناسٌ، وذكرني ناس، وكان من بين من ذكروني أخ كريم هو"عبد العليم عيسى". فاجأتني يوماً قصيدةٌ له منشورة في جريدة"الأخبار" من الكامل الأول على روى الدال المكسورة مهداةٌ إلىَّ، يُعزِّيني ويرجو لي الصمود. ونويتُ أن أعارضها، لكن ظلت العوائق تعتاقني،  فتأخر تحقيق النية حتى فوجئتُ يوماً بخبر وفاته فجاءتني هذه المرثية من البحر نفسه والقافية نفسها حاملة هذا العنوان الذي تطلب هذا البيان.

طَيْفٌ، كَأَنَّكَ لَسْتَ مِنْ لَحْمٍ ومِنْ عَظْمٍ، كَأَنَّكَ هَابِطٌ مِنْ فَرْقَدِ

غُصْنٌ تَأَوَّدَ أَخْضَرٌ، لَكِنَّهُ عِنْدَ الشَّدَائِد لَيْسَ بالمُتَأَوِّدِ

صُلْبٌ وقَدْ غَدَتِ الصَّلَابَةُ سُبَّةً في رَأْيِ خَادِمِنا ورَأْيِ السَّيِّدِ

قَدْ كُنْتُ أَرْجُو أنْ أَزُورَكَ في غَدٍ، لَوْ كَانَ في المَقْدُورِ أَنْ يَأْتِي غَدِي

لأَقُولَ شُكْراً أَنْ ذَكَرْتَ مُطَرَّحاً طَيَّ الحِجَارَةِ واسْتَثَرْتَ تَجَلُّدِي

لَكِنْ عَجِلْتَ، أَتَاكَ آتٍ أَيِّدٌ، ما اسْطَاعَ رَدَّ يَدَيْهِ أَقْوَى أَيِّدِ

مَازَالَ في الإمْكَانِ- مَنْ يَدْرِي؟- إذا مَا حَلَّ يَوْماً يا صَدِيقِي مَوْعِدِي

أنْ نَلْتَقِي، لِمَ لا؟، وتَشْهَدَ في أَخيكَ- وقَدْ أُزيحَ الوَقْرُ- ما لَمْ تَشْهَدِ

وتَرَى- إذا حَجَبَتْ نَسِيمَ مَوَدَّتي عَنْكَ الحَيَاةُ- مَوَدَّتِي وتَوَدُّدِي

لِمَ لا؟ وهَلْ سَوَّى بَنَانَكَ صَانِعٌ عَبَثًا؟ وَقال لِفِيكَ فَاهُ أَنْشِدِ

طُوِيَ الزَّمانُ كَأنَّ شَيْئاً لَمْ يَكُنْ، وَاهَا، وأَوْهِ، على السَّنا المُتَبَدِّدِ

وهَوَتْ لَيَالٍ، بعد شَكْوَى طُولِهَا، في الجُبِّ، وانْحَسَرَتْ هُمُومُ المُجْهَدِ

ما بَيْنَ مَوْتَتِنَا وبَيْنَ المَوْلِدِ إلَّا كَمِثْلِ اللَّمْحِ، أَوْ قَبْضِ اليَدِ

ماذا تَبَقَّى أَيُّها الكَرَوَانُ مِنْ جَمْرِ الغَضَا، وسُطُوعِهِ في المَوْقِدِ؟!

أيَكُونُ- كَلَّا، لَنْ يَكُونَ- مُغَرِّدٌ يا أَيُّها الشَّادِي كَغَيْرِ مُغَرِّدِ

قُمْ، واصْعَدَنْ، غُلَلُ الغَمَامِ دَعَتْكَ، فاسْبَحْ في المُحِيطِ السَّرْمَدِ

فَارَقْتَ دُنْيَا لا تُحِبُّ، وإنْ تَكُنْ أَحْبَبْتَها رَغْمَ القَذَى المُتَجَدِّدِ

أُلِفَ الهَواءُ بها، ولَكِنْ لَمْ يَعُدْ إلْفُ الهَواءِ بمُقْنِعٍ أَوْ مُسْعِدِ

ورَحَلْتَ فِي الوَقْتِ المُنَاِسبِ، لا مَكانَ هُنا لغَيْرِ بَلَادَةِ المُتَبَلِّدِ

ورَطَانَةِ العُبْدَانِ للعُبْدَانِ، بِئْسَ الحِبْرُ، بِئْسَ العَيْشُ بَيْنَ الأَعْبُدِ

أَغْمِضْهُما، إنَّ التُّرَابَ أَبَرُّ مِنْ فَلَكٍ غَوٍ، مُتَمَاجِنٍ، مُتَهَوِّدِ

أَغْمِضْهُما، لا خَيْرَ في مُتَسَاهِلٍ- شَهِدَتْ هَزَائِمُنَا- ولا مُتَشَدِّ

وسوم: العدد 781