في رثاء والدته الكريمة رحمها الله تعالى([2])
وعندي ما أخذت به كثيرا ـ أظافرها، وراحتها أصابا
([1] ) ـ أستاذ السياسة الشرعية والعلاقات الدولية بجامعة البحرين
([2] ) ـ استقبلنا قضاء الله تعالى صابرين محتسبين مسترجعين في الوالدة الكريمة: سالمه محمد داود، حيث وافتها المنية يوم الأحد ليلة الاثنين، الموافق 9/12/2018م الموافق 2 من ربيع الآخر 1440 ه وذلك في مملكة البحرين، ودفنت في مقبرة الحنينية بالرفاع ـ المحافظة الجنوبية، وسبحان من يقول: " وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ " من الآية 34 من سورة لقمان، وفي رثائها كانت هذه القصيدة، ويكفيني من الشعر أن أرثيك يا أمي .
([3] ) ـ قلب القلب : أقصد جثمان الوالدة في القبر
([4] ) ـ الثياب البيض : الكفن
([5] ) ـ ذويّ : أقصد أهلي الذين هم على قيد الحياة
([6] ) ـ ذوي ّ هنا : أقصد أمي التي في القبر.
[7] ) ـ فتيلا: شمعة أو كل ما فيه ضوء خافت، وهي ما كانت تطلبه عند نومها .
([8] ) ـ كناية عن إحكام الغطاء عليها حينما تنام
([9] ) ـ المقرب المهاب : أقصد به الموت، فقد قربه الله من الخلق، ويهابه كل الناس .
([10] ) ـ قدري : موت أمي
([11] ) ـ الحقو : الخصر ، وهو وسط الإنسان ، أو الإزار .
([12] ) ـ خيط يشد في حقو الصبي تدفع به العين .
([13] ) ـ تحملت الغربة والبعد عن أبنائها وأحفادها في مصر ، وعاشت معي في البحرين حتى لا أشعر باغتراب
([14] ) ـ الرُّضاب : حبات المسك .
لِقَلْب القلب ([3]) سوَّيت الترابا = وحول القلب عقل المرء ذابا
وقامت في الثياب البيض([4]) روحي = تعانقني وتنتحب انتحابا
وفَوْقي رصَّعوا الأحجار لحدا = كما يبنون للقصر القبابا
وقد رجع الكرام إلى ذويهم = وإني من ذَوِيّ([5]) أرى الغيابا
فإني ما رجعت لأن نفسي = عليها غلَّقوا للقبر بابا
أُحِسّ لقرعِ نعلهمُ دبيبا = وأسمع من ديارهمُ الخطابا
ويأتيني الدعاء بُعَيْد دفني = على ضعفي .. فيلهمني الجوابا
ويأتيني المليك وكنت فردا = لتوِّي قد لقيت به الصعابا
فآنسني، وكنت على شفير = من الأهوال يجتز الرقابا
فأعتقني، وصرت له ودودا = وصار القبر من عتقي رحابا
وأجلسني المليك على حرير = وأعطاني شرابا مستطابا
وأسمعني من الرحمن حُكْمًا: = لمن صبروا .. فلن أجري الحسابا
وإن رجع الكرام إلى ذويهم = فإن ذَوِيَّ([6]) في قبري حجابا
وإني لن أعود إلى حياة = فلم أعهد لمن سبق الإيابا
وإن أبصَرْتَني ورأيتَ ظِلِّي = فإنك لا ترى إلا سرابا
* * *=* * *
لَهَمسُ الأم كان لنا حياة = وفقد الأم كان هو المصابا
وقُربُك يا حياةَ الروح روحي = وبُعدُك ما أرى إلا عذابا
وعَيْشي في جوارك كان حُلما = مضى .. لكأنه كان السحابا
فديتك لو يصحُّ بنا فداءٌ = وإن صحَّ الفداء بنا لطابا
حُرمتُ نِداك يا أمي بليل : = أيا " محمود " ألبسني الحجابا
وإن كان " الخلاء " هنا قريبا = فخذ بيديّ .. واقترب اقترابا
أيا "محمود" هيء لي " فتيلا " ([7]) = يشع عليَّ، أو ما منه قابا
وهل دخلتْ " ندى " لتنام عندي = وهل غطيتَ من يدها الخضابا([8]) ؟
و يا محمود أين سوار كعبي؟ = وأين " الكحل"، أين " المشط "، غابا؟
وأين ، وأين يا ولدي، معاذ؟ = وجدت له على الأرض الكتابا
ولا تغضب من الأولاد يوما = فقد باتوا ، ومن غضب، غضابا
حرمت الخير يا ربي فعوِّض = وقَوِّي لي برحمتك الجنابا
* * *=* * *
فَقَدْتُ الوَجْدَ يا أمي، وعندي = وجدت الفقد يملؤني غلابا
فَقَدْتُ العز في قومي وأهلي = وكيف يعز من فقد الصوابا
كأن الشمس قد لُفّت بدربي = ومثل الشمس قد لَفُّوا الشهابا
وقد بقي الظلام بلا بديل = فظَنُّ الليلِ في الإصباح خابا
وقد أضحى "الرفاع" بنا عبوسا = وأضحى البيت من حزنٍ خرابا
فَقَدْتُ صباحها وفَقَدْتُ وجها = كأني فيه طالعت الكتابا
كأني فيه أقرأ نور ربي = ومن حلل البراءة قد أصابا
فقدت دعاءها.. ويحي، ومن لي = يعوضني دعاء مستجابا
ومن سيعيد رحمتها، ومن لي = سَيُجري البحر إذ أضحى يبابا
فَقَدْتُ جلوسها تحكي زمانا = يروق لها، يعيد لها الشبابا
إذا جلست تغنت في حنان = وداعبت الوسائد والثيابا
فَقَدْتُ العزم في طلب المعالي = وما عزمي إذا فقد النصابا؟
وكيف تصول في الساحات نفسي = وما ملكت سلاحا أو جرابا؟
فَقَدْتُ اليسر والتوفيق " أمي" = فبابك كان عند الله بابا
* * *=* * *
زمانكِ يا صفاءَ النفس ولَّى = وليس يعود من ولَّى وغابا
وهل سيعود للدنيا صبيا = إذا ذو الشيب في عمل تصابى
رحلتِ وفي رحيلك قد خُدِعنا = ظننا أن لون الورد آبا
وأن الزهر قد أمسى نديًّا = وأن الشيب قد أضحى كِعَابا
وقد غنّيتِ لحن الأنس فينا = وعطرّتِ الأزقة والشعابا
وقرَّبتِ البعيد من الثريَّا = وباعدت المُقَرَّب والمهابا([9])
وعشتِ مع الأحبة ذكرياتٍ = ولم تنس الأقارب والصحابا
وقد أطلقتِ بالتسبيح صوتا = وبالتسبيح قلبك قد أنابا
وقد هدأت بداخلنا قلوبٌ = وأُلْبِسَت السماءُ لنا ربابا
وفي سِنَةٍ أراها الله فيها = منازلها وأحسنها مآبا
فودعت الحياة بلمح برق = على عجل وأغلقت الكتابا
كأن العمر ساعة مستريح = على سفر وينتظر الإيابا
* * *=* * *
أتي قدَرِي([10]) على رَوْضِي قويَّا = وفي زَهْري أَبَى إلا الذِّهابا
مضَى ومضَيْتُ أجمع ذكرياتٍ = ولا ألوي لمن قالوا: تغابى
فعندي من بقايا الزهر شيء = أطالعه إذا قلبى تصابى
إذا قلبي تقطع من فراق = وصار الشوق ينصَبُّ انصبابا
ولا أشْتَمُّ منه اليوم شيئا = ليبقى الدهر في حِقْوِي([11]) حِقَابا([12])
ويبقى ما حييتُ لديَّ ذُخرا = ونأمنُ ـ ما رأيناه ـ العقابا
وعندي ما مسحتُ به يديها = وأبقتْ فيه عطرا أو رُضَابا
وما دارت بإصبع في يديها = لذكر الله قربا واحتسابا
وعندي القرط إذ خلعته يوما = وقالت: أَرَّقَ القرطُ الإهابا
وعندي في خزانتها لِحَظِّي = وجدتُ مُتَيَّمًا عُودا ثِقابا
* * *=* * *
فجيعةُ فقدها قد صدَّعتني = وصدَّعتِ الروابي والهضابا
وجئت إليك يا مولاي أشكو = بُعَيْد الفقد أهوالا لُبابا
لأن فقيدتي كانتْ أمانا = تَصُدُّ بصمتها الموجَ العبابا
وبعد الفقد يا مولاي أرجو = ـ لما أجد ـ العناية والجوابا
وأما فقيدتي فرضاك عنها = فقدنا فيه شكا وارتيابا
وقد أكرمتُها عندي بِقَدْرِي = وقَدْرُك ما علمْتُ له حسابا
وقد ذهبتْ لديك وأنت ربٌّ = تُضاحك من إليك أتى وتابا
وفي الإسلام والإيمان شابت = ويا فوزا لمن في الدين شابا
حظيتُ بقربها وشبعت أُنْسًا = فكن أنسًا لوحشتها ثوابا
وقد داوتْ بغربتها اغترابي([13]) = فلا تجعل بأخراها اغترابا
وحوِّل قبرها روضًا فسيحًا = وأبدل ترب مرقدها رُضابا([14])
وجنبها الملامة حيث كانت = فعمري ما عرفت لها عتابا
سقتني من رضاها كأس حب = أجز.. واجعل رضاك لها شرابا