تعرضت لحفلة تعذيب في شهر تشرين الأول وأخذت مكاني في الزاوية وأصبحت في عداد المرضى، وفي إحدى تلك الليالي الحالكات الأضلاع محطمة والبرد شديد والهم ثقيل رأيت رؤيا هالتني وأقضت مضجعي وبقيت مستيقظاً من الساعة الثانية عشرة ليلاً إلى الرابعة قبيل الفجر أراقب حركة القمر وهو يسري في السماء.
رأيت زميلاً لي في العنبر يمسك ثلاث دجاجات ويذبحهن طولاً لا عرضاً يضع السكين على أعلى الصدر ثم يجرها حتى يصل منقارها وقبلي يتقطع من الألم وأقول له اذبحن بالطريقة العادية نظمت في تلك الليلة عشرة أبيات ثم امتدت إلى أن أصبحت () بيتاً وكان تفسير تلك الرؤيا حلاقة بقي فيها السوط يعمل من الساعة التاسعة صباحاً حتى بعد الظهر – ما أشبه ذلك اليوم بحرب الاستنزاف
رميت يا دهر صفو العيش بالكدر=وجلت عذبه المغبر ومعتكر
في كل يوم له خل يودعه=والقلب قطعة لحم ليس بالحجر
ما نام ند داهم الإعدام عنبره=إلا على الهم والتفكير والسهر
يزول هم فيأتي بعده جبل=من الهموم يخز القلب كالإبر
مؤرق الجفن والآلام تعصره=يساهر النجم أو يسري مع القمر
وليس يملك إلا أن يغسق دجى=في هدأة الليل يدعو سيد القدر
رباه قد فتكت في الناس طائفة=الدين منها وكل الناس في خطر
هذي بيوتك يا ذا العرش خالية=من المصلين والداعين في السحر
وعندما ثأرت أم الفدا قصفت=والراجمات على الأحياء كالمطر
ما أجمل النصر يأتي بعد محنتنا=نرى رؤوسهم في الجو كالشرر
اضرب أخا السجن واثأر من جلاوزة=فقد شربت زعاف الحقد والضرر
إن خالج القلب عطف منك نحوهم=فاذكر حماة وما فيها لمدكر
واذكر بتدمر آلافاً على خشب=تنام تحت لهيب الرمل والصخر
لا تنس حمصاً وغازي بات يفجعها=وقد رأيت تجيع الدم في الجسر
جاؤوا إلى الجيل واختاروا ذؤابته=فحطموها وهذي غاية الوطر
وهذه فكرة صهيون رائدها=ومد حافره يمشي على الزهر
لهفي على الأسد في الأقفاص قابعة=وابن آوى بمك السمع والبصر
يختال في الأجم في زهو وفي فرح=ولا يخاف هياج الغاضب الزئر
وهذي سنة الدنيا إذا ارتفعت=حثالة الناس والمنبوذ في البشر
وقد تولى أمور الناس أرذلهم=والخائن الخرع أمس حارس الثغر
كما هو الحال في أقطار أمتنا=في عصرها اليوم لا ما مر من عصر
أخص بالذكر سوريا فقد منيت=بملة همها في الخمر والعهر
أقلهم في ميادين الخنا رجل=يرى شباباً كقطعان من الحمر
وبنته تترامى بينهم طرباً=والكل ما بين مهموك ومنتظر
فلا يحرك هذا منه ساكنة=سوى التأسف إن لم تأت بالأجر
عن عيد رابعهم حدث ولا حرج=حيث الخنازير دون المرء في القذر
وهل سمعت بإنسان ذوي شرف=وذرة من ضمير أيقظ حذر
يبدي لزوجته ثوباً يزيفها=وما يجمل من لون ومن عطر
وتنزل السوق حيث السوق مزدهم=وكما ترى فيه من سام ومنحدر
ليهتدي نحوها الزاني ويتبعها=للبيت حيث قلاه الزوج عن قدر
ويقضيان بما قد لذ ليلهما=على الأرائك والديباج والسرر
ويحضر الزوج ملهوفاً ويسألها=كم ذا جئيت أجيبين ولا تحر
وقد تكنوا لأهل البيت في نسب=وما وجدنا لهذا القول من أثر
لا في الحديث ولا ما خط من كتب=ولا رواه رجال العلم والخبر
براءة منهم للدين خالصة=على مسامع هذا الناس والعصر
هواهم كله للغرب من قدم=وكم بتاريخنا الماضي من العبر
والحاضر المر يروي عن خيانتهم=من الأحاديث ما يربو على النظر
إن النصيري فرع من بني سبأ=وقد عرفت من التاريخ فاعتبر
حمدان قرمط ميمون القداح أضف=محمد بن نصير بؤرة الكفر
قد واصلوا كيدهم للدين من قدم=وأهله تآمل سرقة الحجر
مساجد الباب عن روادها سألت=من الشباب فما فيها سوى الحصر
وقلة من شيوخ الحي تدخلها=كذلك كل بيوت الله في القطر
واسأل مشارقة الأحزان في حلب=كم روعوا فيها من بيت ومن أسر
منازل حول الذؤبان فرحتها=بالعيد رزءاً ودقت ساعة الصفر
إذا الشباب قريباً من منازلهم=مضرجون بدم سح منهمر
والأهل يبكون لا حول ولا قوة=على بنيهم ونار القلب في سعر
ومصطفى التاجر() المأفون يتبعه=عمر الحميد() هم إسفنجة الزفر
لمح ما نراكم الخلوف() من وسخ=وما تحمل إلف الوز() من وزر
واسأل سراقب كم ابن لها فقدت=وكم غزوها بذاك العهد فانتصر
وداهموها بليل بعد هدأته=وخيمت سحب الإرهاب والنذر
بالاعتقال فبات الكل في قلق=مودعين كما ناموا على سفر
وبالمئات قرى من مثلها غزيت=حتى قرى البدو والسكان في الوبر
يا سرمدا إليك اليوم معذرة=والشعر يحجم في عجز وفي قصر
كم روعوك بحواماتهم وغزوا=بالرعب شعبك والتعذيب والأسر
حديثك المر يكوي قلب سامعه=بميسم من لهيب الحزن مستعر
جرح بليغ وعمري لا تضمده=وليس يلتام من عمق ومن كبر
إلا بجعل جبال البغي هامدة=وليس من صال فيها النار أو سمر
وتفتناز أجيبي مصارحة=عن أنجم قد خبت ظلماً فلم تنر
وحدثيني عن الأزهار كيف نمت=فتبهج القلب قبل السمع والبصر
فهاجمتها كلاب البعث تحصدها=بغابرة حدثت في أبشع الصور
عاثوا فساداً برزق الناس بل حرقوا=ما في المنازل من حب ومن خضر()
جدي وجدك قد ناموا وهم سهروا=وينجح الطالب المكدود من سهر
حتى أفقنا وحزب البعث يحكمنا=بل النصيري خلف الحجب والستر
وتلك يقظتنا قد فات موعدها=فكلفتنا بلا عد ولا حصر
من البيوت ومن أهل البيوت ومن=شباب جيل فريد خالد الذكر
ودنس العرض فارت حال مسلمة=أسيرة بين جند من بني الخور
ومن حماة سبايا يوم غزوتنا=سود الجلابيب والبيضات في الخدر
وليس في الناس غضاب كمعتصم=يجهز الجيش فوق البلق والشقر
وأين فينا جيب هزه طرب=يحدوا لحميس بشعر منه كالدرر
يقول يا يوم بستان السعادة في=حماة والجيش في وحشية التتر
يقتل الناس واسأل كيف قتلهم=ولا تسلني عن الأعداد من كثر
كم هربوا مال سوريا لخارجها=وأرخصوا أرضها للخصم بالدلر
والضاهرية كالإعصار ثار وقد=لبت حماة العلا في يومها العسر
فيها القناديل والأغصان باسقة=والروض يطفو بأزهار على النهر
كفرنبل الخير ماذا عنك أكتبه=يا بلدة العلم والإشعاع والفكر
وهل تقلين عما مر من سلف=أو ذقت أكثر من خوف ومن ذعر
أين الأساتذة الأكفاء والخطباء قد=زالوا بين مسجون ومندثر
تركت كفرنبلاً وذهبت منها إلى=معر تحرما ما أشيح الجيش في تطر
إذا الكتائب والوحدات قد نسجت=طوقاً وعدنان في زهو وفي بطر
أما العقيد أبو سيف تخصصه=في الغزو والسلب والأفيون والسكر
أجل فادلب منذ اليوم جبهتهم=أما حماة فبر ليف من الخطر
معر تمصرين قولي كلنا أذن=وانعي شباب بني صوان واعتصر
هاتي سأتلوا على الدنيا جرائمهم=فأسعفي قلمي الظمآن بالحبر
هذا سجل طويت الدفتين له=وما انتهيت وسطر حن للسطر
وما استطعت بأن أحصي جرائمهم=لكنني قد جمعت البعض في سفر
تروي وقائعها الأجيال دامية=جيل يمر وأجيال على الأثر
يا معصران ويا أم الحجاج من=أبناء عساف والعباس والمطر
وهل مصابك إلا حبة نظمت=في العقد عقد المصاب الجل لا الدرر
وهل سمعت من الغدفا بجنح دجى=صوت الثكالى وطفل ناعم الظفر
قد غاب والده والأم قد لبست=ثوب الحداد وثوب الحزن في الحجر
خان السبيل وكساراتها اتهمت=بوضع لغم مع الأحجار منفجر
فروعوها وبعد الروح قد حكموا=إدانة الشعب مع عفو عن الحجر
فروعوها وبعد الروع قد حكموا=إدانة الشعب مع عفوٍ عن الحجر
إني أعزيك خان السبل فاستمعي=ببيت شعرٍ قليل اللفظ مختصر
من كان يحسب إسرائيل غيرهم=فليس أكثر تفكير من البقر
ومصطفى اليوسفي الباعث ابنته=في الجو تقفز كالجعلان لا النسر
حطت من الجو تهوي في مظلتها=على الذرا عين وانضمت إلى الصدر
يا مرسل البيت قد أصبحت ذا شرفٍ=فكم يناديك يا عماه من صهر
يا مرسل البنت قد أصبحت ذا شرفٍ=بل أنت منه ورب البيت محض بري
وما أراك سوى الخنزير منتفشاً=بهيئة الآدمي القائد البشر
وشعبة الحزب صارت محض معتقلٍ=يعذب الناس فيها طبقة الفجر
ويا أرضي لقد بوركت من بلدٍ=مجاهدٍ بشباب الجيل مزدهر
لما غزوك أحلت الصخر مقبرةً=للجيش وارتد مقهوراً على الدبر
سيخرج البلبل الفريد من قفصٍ=يواصل الشدوخ في جبائل الخضر()
وحوله من شباب الجيل كوكبةً=رمز العفاف ورمز الخلق والطهر
من خان شيخون من سجناكم اعتقلوا=وحيش تعزف آلاماً على وترٍ
نبهان() دولة إجرام بكاملها=وكان فرعه جزءاً قد من سقر
عذب بما شئت يا جلاد قد قربت=نهاية الظلم والطاغوت فانتظر
ولا تسل بارة العلون ما لقيت=وسرجةً من عذاب الويل والنكر
لم يرحلوا عنهما إلا وقد تركوا=من آية الخوف أبناءً لمزدجر
عرج على قرية بزابور بعدهما=وإحمٍ واستمع من قلب معسكر
آنات حزنٍ ودعواتٍ لبارئنا=بأخذهم عن قريب أخذ مقتدر
واسأل بسامس أيضاً عن مصائبها=وبلين كم من حديث سار مشتهر
ويا بن حورية() حييت من بطل=مجاهدٍ بإزار الحرب مؤتزر
تمر ذكراك في نيسان لاهبةً=وكم بذكراك من راثٍ ومفتخر
وتل أمين لا أنسى مواقفها=في يوم نزع حجا الرأس والخمر
مظاهرات ينادين الثبات بها=نأبى قرار رخيص العرض محتقر
لم يبق عندك من همٍ ومشكلةٍ=إلا العظاء على الأعناق والشعر
انزع حجابك قد بانت هويتكم=يابن اليهود ويابن الخائن الأشر
واللاذقية كم لاقت وكم نكبت=عروسة الشاطئ الجذلان والبحر
ماذا عن الجرم القعقاع () أكبته=وقد نظرت إليه نظرة الشذر
وهبت لله عر وطأ() وجو لحةً=نخبةً من رجال العلم والفكر
أبناء با زيد في درعا جميعهم=ساروا إلى السجن آحاداً وفي زمر
كانوا مصابيح بيت الله من ألقٍ=والوجه يشرق كالإصباح والبدر
هذا الشباب الذي مجد حياتهم=للمسلمين ونور الدرب فاستنر
وكم والدٍ ودع الأبناء محتسباً=حول المصاب وقلبٍ ثم منفطر
قد هبت الريح تهدي نسائمها=إلى بعض معاني ذكره العطر
أبناء با زيد والمصري معذرةً=والشعر يلجأ من عجزٍ إلى العذر
أما الميادين فاسأل عن أزاهرها=وظلها الوارف الفيان منحسر
يا بسمة الشرق قد أصبحت عابسةً=بعد الشباب ووجه الشرق في بسر
رباه أدعوك والسجان يرقبني=وقد خشيت طروق اليأس والضجر
مالي سواك نصيري وسط عاصفةٍ=هبت على الأهل والأموال والثمر
والخوف والجوع عنوان لمحنتنا=وسجن تدمر لم يبق ولم يذر
فينا سوا الهيكل العظمي يستره=جلدٌ رقيق وكم للسوط من أثر
سيجمع الكاتب الموهوب عدته=وليس يكتب إلا عذر معتذر
من أن يحيط بسجن كان مقبرةً=بل كان مصفاة جيلٍ رائدٍ نضر
أعلل النفس إن هامت أو اضطربت=هوناً عليك فإن اليسر في العسر
والكرب إن ضج في مجنونه فرجٍ=والنصر يشرق أحياناً مع الصبر
بحق من مات شنقاً في سجونهم=وناظر الموت بعد الحكم مصطبر
وا لقينا بسجن القفر من محنٍ=يشيب منها الفتى في أول العمر
ومنزلٍ قد غدا من أرمله رسما=والريح تصفر في الأبواب والجدر
ومن لأجلك في ساح الوغى سقطوا=ألبس بلادي ثياب والعز والظفر
أبناء غولدا لقد حانت نهايتكم=أراكم بين مقتولٍ ومحتضر
بثورةٍ ترفع الرايات خافقةً=هبي حماة لأخذ الثأر وانتشر
بين الجبال ولا تبقي على أحدٍ=من الذسن أباحوك ولا تذر
إذا إذاعة إسرائيل ناعيةٌ=كالطير قد قصت جناحاه فلم يطر
والغرب يندب ما أقسى فجيعتنا=مات الذي قد تعهدنا من الصفر