بينَ نَزفٍ وارتِحالْ
سَكَتَ الحقُّ عَنِ الباطلِ حتّى
ظَنَّ أهلُ الباطلِ الحَقَّ احتِيالْ
أَيُّ جَمْرٍ بعدَ هذا الجَمرِ يُحكَى
والأثافِي طوَّقَتْ جِيدَ المَقالْ؟
أيُّ تَسويفٍ نَمَا واخْضرَّ غاباتٍ كَسَاها
,في وُجُومٍ, الِاخْضِلالْ؟
في دُروبِ التِّيهِ نَمْضِي
نَحمِلُ الأوطانَ قَسْرًا بينَ نَزفٍ وارتِحالْ
آهـِ يا قلبيْ الذي هَيَّاهُ للذَّبْحِ الرَّحيلُ،
الآنَ عانَقتَ النِّصالْ
فَالطّريقُ اسْتَوحَشَتْ منها الضَّواري
وانْزَوَتْ فيها الرِّعالْ
أيُّها القَيْظُ تَرَفَّقْ، بعزيزٍ كانَ يومًا، وجِدَارُ الحَظِّ مَالْ
أيُّها الثَّلْجُ تَلَطَّفْ، رَعشَةُ البَردِ تَخَطَّتْ الِاحتِمالْ
أيُّها البحرُ أَعِرنَا مَوْجةً تَحنو فَإنَّ النَّورَساتِ
اسَّاقَطتْ، لا زَورَقٌ هَبَّ وَلا مُدَّتْ حِبالْ.
في سُطورٍ مِنْ غُروبٍ، يَلتَقِي سُمُّ الأَفَاعِيْ
في يراعٍ قَدَّها لُؤْمُ الخِصالْ
تَرتَدِي الخيْماتُ عارًا، والمَدَى يشكو وُشُومًا
فوقَ ظهرِ الأرضِ عَجَّتْ بِالخَبَالْ
أيُّها العُشْبُ أَتَرضَى أنَّكَ الآنَ سَرِيرٌ؛
يَرْتَضيهِ الغَربُ للشَّرْقِ المُسَجَّى بِالوَبَالْ؟
في عَراءٍ عَرَبِيٍّ تَسْتَحِي مِنْهُ مَفَازَاتُ التَّرَدِّي:
أُغْمِدَتْ فيهِ السُّيوفُ،
أُصلِتَتْ فيهِ الحُتوفُ
دُجِّجَتْ فيهِ القُصورُ
بِالخُزامَى والحِجَالْ
والحُدَاةُ اسْتَصرَخُوا النَّخْواتِ:
كُفُّوا النَّارَ، شَبَّتْ في مَتاهاتِ السُّرَى؛
مَنْ تُرَى أخفى الدَّواءَ والحَليبَ والكَرَى؟
أَلْقَمَ التَّنُّورَ أَحْجارًا فَبَاتَ الخُبْزُ حُلْمًا لا يُرَى؟
والتُّخُومُ الباكياتُ الحالَ إنْ مَرَّ عَسِيسٌ بَادَرَتْهُ بالسُّؤال:
ما لِهذا الليلِ ساجٍ يَتمطّى لا يُبالي بانكسَاراتِ الرِّجالْ؟
والسُّها يَخشَى اقْترابًا مِن دَيَاجٍ لَوْنُها لَونُ المآلْ؟
هلْ تُرَى يومًا سَيصحُو الفجرُ
يَمحُو العَنْتَريَّاتِ العُضالْ؟
وإذا بالذِّئبِ يعوِي:
إنَّهُ لَيلٌ مُقِيمٌ كَـ "عَسِيبْ"،
أَبْكَمٌ إنْ حَاورُوهُ لا يُجيبْ
مِعْطَفُ الصَّمْتِ على أكْتافِهِ امْتَصَّ النِّبالْ!
***
شاقَنا النُّورُ إلَهِي.. فانتظرْنا واعتصَرْنَا الِابتِهالْ
ليتنا نُعطيهِ صَكًّا بالمرورِ المُشْتَهَى رِفْقَ الوِصالْ
عَبْرَ ثغراتٍ غِزارٍ قَدْ فَتَحناها بِأظفارِ النِّضالْ
شَوكةٌ في الحَلْقِ أَدْمَتْ ثُمَّ دَامَتْ،
غُربَةُ الأوطانِ طالَتْ، وظلامُ الأُفْقِ طالْ
وَالمَرايَا هاجَرَتْ مِنْها ابتساماتُ الزَّمانِ،
اصْفرَّ فيها الاِعتِدالْ
كانَ "دَانْتي" صادِقًا في وصْفِ أهْوالٍ ثِقالْ:
إنَّ قاعًا في الجَحيمِ ادَّارَكَتْ فيهِ نُفوسٌ؛
بِالرَّزايَا الرَّابِضَاتِ لَمْ تُبَالْ
***
لَيْتَنا يَومًا عَرَفْنَا:
أَنَّ أوراقَ الخريفِ اطَّايَرَتْ،
مِنْ سِلْمِها رِفْقَ اعْتِلالْ
أنَّ سُوسَ الظُّلْمِ أوْدَى،
بِالعُروشِ الَّلاهِياتِ،
اجْتَثَّها سَيْفُ الزَّوَالْ
أنَّ أَثمانَ السُّكوتِ اصَّاعَدَتْ
,ما أَزَّنَا مِقْياسُها, بَاتَتْ جِبالْ
أنَّ فِقْهًا دَبَّجَ الفتْوَى رِضًا بِالغُربةِ السَّوداءِ؛
يَغتالُ الحَلالْ
أنَّ نُورَ الشَّمْسِ أعطى الدَّرسَ رَسْمًا عَبْقَرِيًّا بِالظِّلالْ
أنَّ في المَوتِ حياةً لَوْ نَعِي ذُلَّ البَرايَا
في حَكايَا الِامتِثالْ
أَنَّ أحرارًا تَوَلَّوْا إمْرةَ الزَّحفِ، اسْتباحُوا
الخَوفَ رَكْلًا وانْتِعالْ
أنَّ "سِيزيفَ" تَحدَّى دَحرَجَاتِ
الصَّخْرِ رَفضًا للضَّلالْ
لَ عَ زَ مْ نَا .. وَ رَ مَ يْ نَا
صَخْرَ الِاسْتِعبادِ في وادِي النِّزالْ
أنتَ مَوجودٌ! تَقَدَّمْ وَتَهَيَّأْ،
أَرِنَا الشَّمْسَ دَليلًا وَتَفَيَّأْ،
ظِلَّكَ المَنسُوجَ مِسْكًا وَاشْتِعالْ
وسوم: العدد 810