المجدُ مِن رَحِمِ المواجِعِ يولدُ= وسيوفُهُ بنجيعِها تتغمّدُ
لا يُشترى العزُّ الكريمُ على الغنى= لكنَّما عزُّ الطباعِ يُخلّدُ
مَن عاشَ في كَنَفِ التدلُّلِ يرتمي = عندَ الّلقاءِ بصمتِهِ يتوسَّدُ
لن تُطفِئَ الشمسَ المُضيئةَ غيمةٌ = و يُهاجرَ الصبحَ البهيَّ تجدُّدُ
طَمَعُ النّفوسِ مع المكارِهِ بيِّنٌ = غدرًا تراهُ و موثقًا يتبدَّدُ
هيَ هذهِ الدنيا الكرامَ تذلُّها = و تُعِزُّ مَن هُوَ للرذيلةِ مَعبَدُ
روحٌ يُصارعُها العُلوُّ مهابةً = فالأرضَ تسكنُ والسماءَ تُقلّدُ
إنّا الحضارةَ - مِن قديمٍ – خَلقُنا = فبدونِنا ليست تُعزُّ وتُحمَدُ
ما خلّدّ الإرثَ الدعيُّ وضاعةً = إلاّ وضاعَ على الغرورِ السؤددُ
مَنْ يسكن التاريخُ قلبَ فؤادِهِ = ببَصيرةٍ يحيا ويحميهِ الغدُ
لسنا كرامًا إنْ تلينُ جلودُنا = عندَ النوازلِ يَستبينُ السيِّدُ
أو نستلذَّ على المكارِهِ دوحةً = فرقابُنا ليست تميلُ وتَعبُدُ
لكنّها الأيّامُ تجري دُولَةً = فكريمُها بعزيزِها يسترشدُ
مهما الحوادثُ يستطيلُ ظلامُها = فضمائرٌ بلهيبها تتجدّدُ
نيرانُها ألَمٌ شرارتُها شفًا = تجتثُّ مِن دنَسِ الزمانِ و تحصدُ
فتنٌ تموجُ كموجِ بحرٍ هائجٍ = تغشى بلادَ الزاهدينَ وتزبُدُ
حتّى السنينُ مع السنينِ تعثَّرتْ= بدمائنا و الماردونَ تمرَّدوا
والناسكونَ على البسيطةِ مِنبَرٌ = للنّورِ ما قُتِلوا و ما هُمْ شُرِّدوا
الحاملونَ على الأكُفِّ دماءَهُم = الصّابرونَ و صبرُهُمْ يتوقَّدُ
ما أنصَفَ الآمالَ إلاّ غايةٌ = هِمَمُ النفوسِ إذا استثيرَتْ ترعُدُ
لا يوقِفُ الزحفَ المُقدّسَ ثُلَّةٌ = قد أُفسدتْ ببلادِنا تتفرّدُ
أو تَهزِمُ الشعبَ الأبيَّ زلازلٌ = فجموعُنا في شدَّةٍ تتوَحَّدُ
نحنُ المكارهُ للعِدى إنْ مسَّنا = منهُم أذىً أو جاءَنا يتصيَّدُ
بعقيدةٍ سمحاءَ يُبسَطُ عَدلُنا = و سلامُ أهلِ الأرضِ فينا يُعقَدُ
مَنْ علّمَ الّلسنَ المريضَ فصاحةً= لثغًا بهِ وبهِ المحامدُ تَفسُدُ
قد ينطِقُ الحرفُ المُسِنُّ صبابَةً = حِكَمًا يظّنُّ بأنَّ فيها يَرشِدُ
أو يستلَذُّ مع القريضِ دعابةً = زعمًا بأنَّ قريضَهُ المتجدِّدُ
دعْ للقصائدِ أهلَها فنبوغُهمْ = طبعٌ بهمْ وهُمُ الّذينَ توقّدوا
فإليهُمُ الشعرُ المُؤَصَّلُ ينتهي = بلغوا السِّماكَ تواضُعًا وتفرَّدوا
خرقوا العصورَ بشعرِهِمْ, و شعورُهم = في أعصُرِ الآتينَ حيثُ يُخلَّدُ
قد أنطقوا الصخرَ الصموتَ توجُّعا = لمّا رآهُم بالهمومِ تلبّدوا
أوطانُهُم أمْنٌ يُطمئِنُ روحَهُم = لا بُقعةُ الأرضِ الّتي قد وُطِّدوا
و سلاحُهمْ لُغةٌ مخالِبُها الرّدى = وبِها الحروفُ خناجِرٌ لا تُغمَدُ
و جروحُها ظلّتْ تنزُّ دماءَها = بين العصورِ كأنّها لا تَخلُدُ
و دموعُهُم عندَ الفِراقِ سحائِبٌ = تروي البحارَ فأنهُرٌ تتنهّدُ
ملأوا قلوبَ العاشقينَ صبابةً = و حنينُهُم و لكلِّ مُغتَرِبٍ يدُ
نقَشَتْ سطورَ الدهرِ أحرُفُهم فهُم = تاريخُنا المُتأصِّلُ المُتَجدِّدُ
مِن غابِرٍ يلقى المَلامَ مُفاخِرٌ = بالفعلِ لا بالقولِ يُطلبُ سؤددُ
المجدُ يعرفُهُ الكرامُ شجاعةً = تسعى إلى طلبِ العُلى تتودّدُ
لا العيشُ في ظلِّ الظلالِ تخوّفًا = وبناءُ صرحٍ بالمذلّةِ يُعقدُ
ترفُ النّفوسِ يُميتُ كلَّ طموحِها = و هوانُها للمالِ تجمعُ تعبُدُ
الناسُ في هذا الزمانِ مُنافِقٌ = و مُهادنٌ أو خائفٌ يتردّدُ
أو غارقٌ في الّلهوِ يرفضُ يقظةً = تُنجيهِ مِنْ خورٍ يعُمُّ يُعربِدُ
الكلُّ قد ضاقتْ بهِ الدّنيا و لم =عِو لم يقوى على ردءِمَفاسِدِ دُ العزيزَ بصمتِهِ ّدُولِ يُعرفُ أسودُ يقوى على ردعِ المَفاسِدِ يجلُدُ
تجِدُ العزيزَ بصمتِهِ مُتهالِكٌ = يخشى اتِّهامًا كاذبًا يتهدّدُ
والعدلُ يُهزمُ و المظالمُ تشتكي= من جورِ أشياعٍ لنا قد أفسدوا
وطنٌ يُضاجِعُ قبرَهُ في عزَّةٍ = و يُشاعُ أنَّ الموتَ عنهُ يُندِّدُ
تبقى عظيمًا تفتديكَ أشاوسٌ = وكذا الحضارةُ بالدماءِ تُخلّدُ
تُبنى الحضارةُ بالعقولِ و همَّةٍ = تمتدُّ مِن روحِ الشبابِ تُشيَّدُ
فهُمُ المعاولُ للبناءِ و أسَّهُ =إنْ أخلصوا قاداتُهم أو هُمْ هُدوا
أنا إنْ كَويتُكِ يا بلادي فالهوى = أحلاهُ في جمرِ الجوى يتوقَّدُ
آسيتُ جُرحَكِ رغمَ طولِ نزيفِها = و برغمِ مَن هدمَوا الديارَ و عربدوا
يسري بروحِ الصابرينَ توهُّجٌ = سيضيئُ يومًا كالشموسِ الموعدُ
النارُ يحرُقُها الّلهيبُ و جمرُها = مِن غضبةِ الشعبِ المكافِحِ يولدُ
يأتي زمانٌ فيهِ تنبتُ نخلةٌ = و ثمارُها مجدٌ عصيٌّ مُفردُ
خيرٌ يعُمُّ سحابُهُ و تسابقٌ = نحو الشموخِ و شعلةٌ لا تركدُ
إنّا وُعدنا بالنعيمِ و خيرِهِ = و الوعدُ ما صدقَ الأمينُ محمّدُ
لا الشامُ لا أرضُ الحجازِ سخيَّةٌ = و الخيرُ في يمنِ النعيمِ يجرَّدُ
لا ينضُبُ الخيرُ الكثيرُ بأرضِنا = وطنُ الخليلِ و حِلمُهُ المُتورِّدُ
فقلوبُنا ملآنةٌ كسمائنا = دفءً يَعُمُّ و طيبةٌ تتجسّدُ
فالمجدُ يعرفُ أنَّنا مِن صُلبِهِ = و لنا المناقِبُ و المنائرُ تُنضدُ
بالحِلمِ نبني بالتواضِعِ نرتقي = و بنا المحامدُ تُنتَقى و تُسدَّدُ
فالحمدُ للهِ الّذي وهبَ الحِجا = مُتزيّنا كالنورِ فيكَ يُعمّدُ
فسلامُنا للأرضِ مهدُ حضارةٍ = وسماؤنا للعالمينَ تُعَبَّدُ