جاء في كتاب وفيات الأعيان : أن إبراهيم بن أدهم ــ رحمه الله ــ كان مع جماعة في البحر ، وهبت الرياح ، واضطربت السفن ، وتشاكى الناس ، فقيل لبعضِهم :
· هذا إبراهيم بن أدهم لو سألته أن يدعو الله ، وكان إبراهيم قائما في ناحية السفينة ملفوفا رأسُه .
· فدنا إليه الرجل وقال : يا أبا إسحق أماترى ما فيه حال الناس ؟
فرفع إبراهيم بن أدهم رأسه ، وقال :
اللهم أَرَيْتَنا قدرتََك . فأَرِنا رحمتََك .
قال : فهدأت السفن
تثاقلَ الخطبُ واستشرى بمـا سَلاَّ = سيوفَ حقدٍ جلا مسعورَها صقــلا
وجاءَ بالحدِّ حدِّ السيفِ يغمسُه = بالسمِّ خلَّف في أبنائك الثُكلا
وزمجرَ البغيُ مزهوًّا بقوتِه = وأوسعَ الناسَ من أضغانِه قتلا
لقد فَقَدْتِ إباءً كلن يرهبٌه = فرسٌ ورومٌ ومَن في صفِّهم أبلى !
ونمتِ يا أمتي فالساحُ قد هجعتْ = فيها المروءاتٌ والحادي لقد ولَّى !
وطافَ في ربعِك الممراحِ منتهكًا = حِماكِ أشقى الورى ما هابَ أو ذلاَّ
هل في ابتسام الليالي هاجسٌ لنرى= صباحَ شوقٍ عن العهدِ الذي ولَّى !!
وأيقظَ الحلمَ الفينانَ مبسمُه = من غفوةِ الصَّمتِ في آمالِه الكسلى !!
ألم يكنْ لحنُه تجري مراكبُه = مع الأريجِ المصفَّى كالصَّبا جزلا !!
في واحةٍ رفرفتْ من فوقِ فارعِها = شدوًا بلابلُها ، أو رجَّعتْ حِجلى !!
ينسابُ بالحرفِ مخضرًّا كأربُعنا = فيملأ النفسَ من أشواقِه الجذلى
إذْ أقفرتْ دونها بعد الربيعِ ربًا = باتت مواسمُها يوم النوى ثكلى
فليس في ربعِها من صبيةٍ درجوا= ولم تمرَّ به سلمى ولا ليلى
وماؤُه لم يعدْ يروي أخا ظمأ = ولا يفي الحقَّ شيخا جاء أو كهلا
فأرضُه ملأتْ ظِربى مطارفَها = فما المراحُ ازدهى في الربوة المُثلى
يلفُّها الخجلُ المفترُّ في مقلٍ = نامتْ على روضةٍ عند الضُّحى خجلى
وأجفلتْ نسماتُ الأنسِ مدبرةً = وسامها الوقدُ في يوم الأسى هولا
وربَّ يوم مضى ، وانفضَّ مجلسُه = وفي سناه الأماني لم تزلْ حبلى !1
أيامتاعَ المنى أُرخصْتَ في زمنٍ = يبيتُ أهلوهُ في دارِ الشَّقا غُفلا
ويا اندياحَ الربيعِ الحُلوِ في حقبٍ = ما قـرَّ سحرُك في أجفانِهم فصلا
وأنتَ في مائجِ الأشواقِ ترسلُها = مع الرويحاتِ تستجلي لها قولا
لكنَّها نفرت عن كلِّ سانحةٍ = وفرَّقتْ يدُها من أهلها الشَّملا
ياموعدَ الأُنسِ ماقلبي بمنتظرٍ = ولا سفاه النَّوى حينا ولا ولَّى
يذوبُ إنْ ذُكرتْ أسفارُ نشأته = وما لديه سِواها في الهوى أغلى
صفاءُ آصالِها وافى بلا غصصٍ = وبوحُ أسحارِها في وجده أحلى
وكلُّ مغتربٍ منَّتْهُ نشأتُه = من الوفاءِ ، فكانت عنده الأَولى
لجودِ بستانِها أقدامُه هرعتْ = ولا تناسى محيَّاها ولا خلَّى
تلحُّ في طلبِ الراحاتِ أضلُعُه = ولم يجدْ بعدَ نجوى ظلِّها ظلاَّ
سبعون عاما وأثقال الجفا دُهُمٌ = تعدو على ظهرِه ماغادرتْ حملا
وبسمةٌ من نعيمِ الأمسِ غائبةٌ = عن لجَّةِ الكربِ ألقت حوله السُّؤلا :
إذا اشتكتْ مهجةٌ من طعنِ لهفتِها = فَمَن يخفُّ إلى أوجاعِها الجُلَّى !!
* * *=* * *
تناثرَ الفرحُ المعهودُ في جَلَدي = وغابَ عنه فؤادٌ جــدَّ منسلاَّ
وفي يَدَيَّ بقايا من مآثرِه = كادت ترفُّ على آماقِه وصلا
ومَن يَرَ العيشَ منهلَّ السرورِ فلم = يكنْ لِمـا في الأسى يومَ الجنى أهلا
يكدُّ أهلُ الأماني دونما قيم = وما جناها سوى مَنْ أحكمَ العقلا
ويرخصُ العمرَ للأدنى أخو عبثٍ = بعاجلٍ حُلوُه سرعانَ ما يبلى
ويقحمُ القلبَ في ديجورِ حسرتِه = إذا ترامى على سفسافه حِلاَّ
وما أقامَ له ركنًا يؤملُه = ولا استجار لخطبٍ ربَّه الأعلى
وما انتخى بإلهِ الكونِ معتقدًا = بأنَّه فصلَ الأقدارَ واستعلى
أثيرةٌ عنده هذي الحياةُ وإن = عرَتْهُ من كِظةِ البلوى ذوى حولا
وكلُّ هـمٍّ له فيها وفي يدها = مايُرتَجى لأمانيه ويُستحلى
تعربدُ الريحُ بالأرزاءِ تنبئُنا = أن نحملَ الصَّبرَ والإيمانَ والنُّبلا
ومَنْ يَـرَ اللهَ مولاهُ وخالقَه = يجـدْ طمأنينةً في قلبِه تُملى
يقينُه جاوزَ الأحداثَ مبتدرًا = مافي سنا الغيبِ إذ لايرتضي مهلا
لديه منه أحاديثٌ مقدسةٌ = فصار صعبُ العنا في دربِه سهلا
قد طهَّرَ النفسَ من أدرانِ لوثتهم = فليس يعرفُ ظلما شاعَ أو غِلاَّ
قاضاهُمُ بصفاءِ النفسِ ، فانتكسوا = ولم يكنْ ليرى في صفِّهم خِلاَّ
هذي سفينتُنا ، والموجُ أدركها = فهل ستنزلُ ياربِّي بنا سهلا !!
أَرَيْتَنا قدرةً جلَّ القضاءُ بها = ونحن نرجو بشوقٍ رحمةَ المولى
تدارَكَنْ يا إلهي حــالَ أمَّتِنا = فإنَّه الهولُ ما أبقى لها طَوْلا
وظَلِّلَنْ وحشةً باتتْ تؤرقُها = ولم تدعْ لبنيهــا في المدى حقلا !
هاهم سَباهُم جناةٌ لا أبالَهُمُ = وما عَلِمْنَا لهم فضلا ولا أصلا
وما لجأنا إلى ركنٍ تلوذُ به = سِواك . إنا على العهدِ الذي جلاَّ
هي الفينةُ لانخشى لها تلفًـا = وأنت أكرمتَها بالمصحف الأغلى
جديدُها اليومَ شقَّ الموجَ فانبجستْ = أحناءُ لوعتِها لن تقبلَ الذُّلاَّ