سقى الله أيَّامًا على ضَفَّةِ النَّهرِ=تقضَّت فكانت في المدى طلعةَ البَدرِ
بصحبةِ إخوانٍ تسيل نفوسُهُمْ=وفاءً وصدقًا في المَوَدَّةِ والبِشرِ
أولئك كانوا في الحياةِ نعيمَها=وكانوا على الأزمانِ عِقدًا من الدُّرِّ
فما العيْشُ إلَّا في اصطفائك رُفقةً=يدينون بالإخلاصِ في السِّرِّ والجَهْرِ
وما العيْشُ إلَّا في البراءةِ والتُّقى=كأنَّ نفوسَ القوْمِ من خالِصِ التِّبرِ
فللهِ تلك الأمنياتُ تَحوطُنا=تُحلِّق في الأجواءِ تحليقة النَّسْرِ
وللهِ أنسامٌ تُراوِدُ صَحْوَنا=فنزدادُ سُكْرًا مِثلَما شاربُ الخمرِ
وللهِ أطيارٌ تبوح بلَحنِها=فتضفي على الأجواءِ جَوًّا من السِّحرِ
نُشنِّفُ آذانَ السَّماعِ بحِرفةٍ=لِنلْتذَّ بالأنغامِ في حضرة النَّهْرِ
تُراوده في الوَصلِ ناعورةٌ شدَتْ=فتَرفُدهُ بالشَّدوِ في شَهْقةِ الصدرِ
يَمور بأشواقٍ تفورُ وتغتلي=فتعرفُ منه العشقَ من شِدَّةِ المَوْرِ
تَقُدُّ له في كلِّ يَوْمٍ قميصَه=فليْس له الإنكارُ طوْرًا على طَوْرِ
وكان شهودَ الوَصلِ صفصافةٌ حَنتْ=وبستانُ لَوْزِيٍّ من المُشمُشِ الدُّرِّي
وطوقٌ من الأزهارِ تنثر عِطرَها=تُنافس عِطرَ الزَّيْزفون على البَرِّ
تُظلِّلُه أشجارُ حَوْرٍ تسامَقت=تُبارِكُ ذاك الحبَّ من سالفِ الدَّهر
وقد أقسمَ الأضيافُ حِلْفةَ صادقٍ=على أنَّ هذا السَّكْبَ كالبَوْح في الشِّعرِ
تجمَّعُ أصنافُ الجآذرِ حَولَه=لتلقَفَ منه الحُسنَ في نبْضهِ يجري
ففي ضَفَّةِ العاصي جنانٌ تضافرت=تقولُ أنا الفردوسُ في عالَمِ الحشرِ
فهلْ سيعودُ الدَّهرُ يجمع بيننا=فإنَّ شقاء الصَّبِّ في فَتْكَة الهَجرِ
وإنَّ شفاء النَّفسِ من رَبقةِ الضَّنى=بعودةِ ذاك الأنسِ في آخرِ العُمْرِ