هاجتْ نسائمُ شوقٍ في جوانحِنا=فهيَّجتْ مهجةً تاقتْ لأربُعِنا
أرض النَّدى والهدى والمجدِ من حقبٍ=ولم تزلْ مثلما تُرجَى لعودتنا
ليل الفراقِ طويلٌ إذْ نكابدُه=وما أمرَّ الجفا الثَّاوي بأكبُدِنا
نحِنُّ للأهلِ والوادي الذي سكنتْ=فيه القبيلةُ من فتيانِ دعوتِنا
فكم تراءى لقلبي وجهُ رِفعتِهم=وكم تهادى لعيني خفْقُ رايتِنا
وكم شدت بهواهم أضلُعي ، وهفتْ=إليهِمُ الروحُ من آفاقِ لوعتِنا
وكم بها عصفتْ نارُ الحنينِ وكم=ثارتْ رياحُ النَّوى تترى بمهجتنا
أبوحُ بالشوقِ للغادين نحوهُمُ=لعلَّ فيهم فتىً يفضي بحاجتنا
لكنْ طغى الهمُّ حينا ، فانثنى ، وطوى=ماكان من سِفرِ بوحِ الشوقِ في يدنا
فقلتُ للقلبِ : صبرًا مالنا أملٌ=إلا الذي يُرتَجَى دومًا لشدَّتِنا
اللَّهُ ربُّ الورى إنْ شاءَ جمّعنا=فلم نؤمِّلْ سوى الباري لوحشتنا
فجاوِرِ الصَّبرَ ياقلبي فقد عصفتْ=سودُ النَّوازلِ في أرجاءِ أمَّتِنا
فكلُّ ناءٍ له يومٌ يعودُ به=مادامَ في صدرِه صبرٌ لمحنتِنا
غدًا ترى الجمعَ في حاراتِنا ، وترى=مَن كنتَ تلمحُهُم ساعاتِ غفوتِنا
تلك الوجوه ... ويا أُنسَ الفؤادِ بها=ويا جميلَ المزايا بين ديرتِنا
كُنَّا نسامرُهم مستأنسين ، وما=تلك الرؤى أفلتْ في ليلِ غربتِنا
إنْ كان بحرُ النَّوى ذو المدِّ يقلقُنا=وكادَ يُغرقُ فيه مجدَ مركبِنا
فالوُدُّ أبقى ، وعينُ الله تحرسنا=والغوثُ منه قريبٌ دونَ نجدتِنا
يامَن شربْنا قراحَ البِرِّ من يدكم=ولم نَخُنْ عهدَكم في ضيقِ محنتِنا
ولا بغيرِ هواكم سارَ موكبُنا=ولم يطبْ بعدكم عيشٌ لجفوتِنا
ر ُدُّوا إلينا زمانًا حين نذكرُه=تعودُ تيَّاهةً أيامُ فرحتِنا
وهذه العشرُ نحييها كما عهدتْ=بيضُ الليالي بذكرٍ في عبادتِنا
فيها ذكرنا وِصالا لانجانبُه=كأنَّها وجهُ ميعادٍ لجنَّتِنا
والمجدُ للغرباءِ الصِّيدِ مابرحوا=يجانبون هوى أعداءِ شِرعتِنا