حنينٌ لذاك الرَّبْعِ لم يُبْلِهِ البُعدُ =ولم يُنقض العهدَ الوثيقَ له الوُدُّ
وليس النَّوى يطويه إذ عجَّ وحشةً =ولم تدرِ عن ليلايَ سلمى ولا هندُ
وهيهاتَ تُفني النَّازلاتُ قشيبَه =ففي ليلِه شوقٌ ، وفي صبحه وجْدُ
حنينٌ ، وللإيمانِ فيه تَوَقُّدٌ =وصدقُ الوفا حيثُ الجوانحُ تعتدُّ
هنالك أزجى شذوَه الطيفُ غاديًـا =إلى الدَّيرِ ديرِ الزَّورِ في نفحِه السَّعْدُ
رحابٌ حباها الَّلهُ بالمجدِ والعلى =وبالفخرِ بالإسلامِ ماضرَّها الجَّحــدُ
وما المجدُ إلاَّ ما علا من شموخِها =وما الفخرُ إلاَّ مايطرزُه الرُّشدُ
وأمرعَ ممشاها فللعزِّ خطوُ مَنْ =تحلَّى بأوصافٍ بفتيانِها تبدو
وتحلو ، ولا تحلو الحياةُ إذا خبتْ =بآفاقِها زُهرُ الجباهِ لِمَنْ جَدُّوا
فأردانُهم والطُّهرُ فيها سجيَّةٌ =تُفَوِّحُ بالأمجادِ ماضرَّها الكيدُ
وأيَّامُهم صبرٌ جميلٌ ، وعِزَّةٌ =فللمشرفياتِ الحِدادِ لها عَوْدُ
جهادٌ جلا في العصرِ ميثاقَ عودةٍ =لدينِ إلهِ الخلقِ أجنادُه شدُّوا
ففي الشَّامِ أعلامُ الكتائبِ رفرفتْ =لتوقظَ قومًا عن مآثرِها صدُّوا
وفي بردى يستقبلُ المجدُ صبحَه =وبالبيِّناتِ الزُّهرِ أنسامُه تحدو
وحول الفراتِ العَذبِ يروي شبابَه =نشيدُ إباءٍ ما لرفعتِه ردُّ
إليه الرجالُ الأوفياءُ تبادروا =وعن نُصرةٍ للدينِ ماعاقَهُم قيدُ
لقد آثروا ما عندَ بارئِهم على =حطامِ بني الدنيا ، وأغراهُمُ الوعدُ
لهم جَنَّةٌ في الخُلدِ بالأُنسِ أسفرتْ =وليس لحُلوِ الوصفِ في شأنِها حَــدُّ
* * *=* * *
قرأنا عن الماضي الأغرِّ فأنصتتْ =حشودُ شبابٍ ليس يُفزعُهم وغدُ
ففيهم تُقاةٌ مؤمنون بربِّهم =وفيهم صبورٌ في مقارعةٍ جَلْدُ
وفوقَ مغاني الشَّامِ هـلَّ سحابُها =فأنبتَ بالإسلامِ ما فوَّحَ الوردُ
فما زالَ في فتيانِها الخيرُ والهدى =وما خابَ في أسفارِها الرأيُ والقصدُ
وعاشوا وما لانتْ لباغٍ قناتُهم =ودعوتُهم للَّهِ هيهاتَ ترتدُّ
وهم في الورى لم يألفوا الحقدَ والخنا =فنورُ سجاياهُم لموكبِهم رِفدُ
لياليهُمُ والظُّلمُ أطبقَ حاقدًا =سمتْ بفداءٍ دونَه الحبُّ والوجدُ
وأبهى ليالي العمرِ كانت بربعِه =فليس لوجهِ الأُنسِ في ظلِّه صـدُّ
سلوتُ ! وهل يسلو الفؤادُ ربيعَه =وفي صدرِنا هـمٌّ ،وفي عينِنا سهدُ
أتيتُ بلادَ اللهِ أسعى تشدُّني =مقاصدُ يرضاها الكريمُ له الحمدُ
وإنِّي لأستافُ الطيوبَ رخيَّةً =بمكةَ حولَ البيتِ فائحُها النَّـدُّ
وحول جبالِ النُّورِ في أربُعِ الهدى =مشيتُ وضمَّتْني الفدافدُ والنَّجـدُ
رحابٌ كساها الَّلهُ باليُمْنِ والرضا =فما هي إلا للسَّنى والهدى مهدُ
وطيبةُ ما أسمى السُّجودَ بروضِها =وقبَّتُها الخضراءُ فوقَ المدى عقدُ
وأعلى محيَّاها المهيمنُ فالورى =لساكنِها المختارِ لم يُقصِهم بُعدُ
أتوها وللأشواقِ بينَ صدورِهم =حنينٌ بحبِّ المصطفى كأسُه الشَّهدُ
قريبٌ مقامُ المجتَبَى حيثُ حبُّنا =وشرعتُه الغرَّاءُ في دمِنا تحدو
تباركَ ربِّي قد وجدْتُ بلطفِه =سبيلَ فلاحٍ مالسالكِه طردُ
وليس لقلبي من هوىً في فسادِهم =ولم يُسْبني زهوُ الحضارةِ أو دعدُ
ولا للقوافي مرتعٌ بعدَ فيئِه =ففي مجدِه صيغتْ ، وفي عزِّه تشدو
* * *=* * *
وقفْتُ أُنادي أُمَّتي في شبابِها =إلى صحوةٍ ، والأوفياءِ وقد جَـدُّوا
ولو فقهوا ما استبطؤوا الفتحَ ويحَهم =ولا بُدَّ ممَّـا ليس في غيرِه المجدُ
فلو أقبلتْ للخيرِ أيُّ سحابةٍ =فإن هطلتْ بِشرًا فشرعتُنا القصدُ
وليس لهم واللهِ عزٌّ ورِفعةٌ =بغيرِ كتابِ اللهٍِ ما أُخلِفَ الوعدُ
ألمْ نتَّبعْ أهلَ الضَّلالةِ والهوى =أما جرَّنا عَمرٌو ؟ أما غرَّنا زيدُ ؟
ألم نركب الأمواجَ خلف حضارةٍ =فشتَّتنا جزرٌ ، وأرقَنا مـدُّ ؟
وإنَّا وإن ألقتْ يديها بحقدِها =حضارتُهم نحيا وباللهِ نعتدُّ
ومَن ظلمَ الإسلامَ أودى بفخرِه =وباءَ بما يُخزي ، وللظالمِ الوأدُ
سنمضي بآياتِ الكتابِ وسُنَّةٍ =فلسنا عن الإسلامِ يومًا سنرتدُّ
* * *=* * *
شآمَ الهدى والعزِّ والمجدِ والعلى =لأهليك فخرٌ ليس يطمسُه الجَّحـدُ
وإنِّي وإن كانت بنجرانَ غربتي =فما خبَت الأشواقُ أو ذَبُلَ الرَّنـدُ
أحنُّ إلى دنياكِ ياشامُ إنَّني =وإن طالَ يومُ الوصلِ دون اللقا جَلدُ
تمرُّ بيَ الأيامُ كربتُها أتى =عقيمُ أساها هل لآخرِه زَندُ ؟
وقيلَ : مصيباتٌ نزلْنُ فلم تَدَعْ =لكَ اليومَ من أُمٍّ بحيِّكُمُ تبدو !
طواها الرَّدى حزنًا عليك وحسرةً =وماتَ الأبُ الغالي ، وأنكرك السَّعدُ !
فلم أُخفِ شجوي للفراقِ ، وقد بكتْ=على فقدِهم عيني ، وللبارئ الحمدُ
وقلبي ثوى بين الأسى متجلدًا =تضيقُ به دُنياهُ ، والهمُّ يمتدُّ
ففي ثُلْثِ قرنٍ أو تزيدُ ، وحسرتي =يجدِّدُها ماتسمعُ الأُذْنُ يازيدُ !
فذرني ، وبثِّي لا إلى الناسِ أشتكي =ولكنْ إلى الدَّيّانِ في لهفتي جِـدُّ
ودعْ عنكَ أقوالَ الخليِّينَ إنَّهم =لفي هرَجِ الأيَّامِ غرَّهُمُ النَّقدُ
إلى اللهِ شكوانا ، وفيه عزاؤُنا =بفقْدِ صِحابٍ ماتخطَّاهُمُ المجدُ
شبابٌ كوجهِ الصُّبحِ لاحتْ وجوهُهُم =بها نضرةُ الإيمانِ ، بالله تعتدُّ
رمتْهُم أيادي المجرمين بمهمهٍ =فليس لهم قبرٌ يُزارُ ولا لَحْدُ
وليس لأهليهم أيازيدُ مأتمًـا =بيومٍ يُعَزَّى فيه إذْ فُقِدَ الوِلدُ !
فكم من أبٍ قد ماتَ قلبَ موتِه =وأُمٍّ مع الدمعِ السَّخينِ لها وعدُ
نشيجُ بُكاها هاجَ في ليلِ وحشةٍ =وردَّ لذيذَ النومِ عن عينِها السهدُ
فياربِّ أدركْنا بالطفِكَ رحمةً =فأنتَ إلهُ الكونِ ، والقادرُ الفردُ
رجوناك إذْ جارَ الطغاةُ ولم تزلْ =نصيرَ عبادٍ في دعائِهُمُ جَدّوا
ففرِّجْ كروبًا ياإلهي ثقيلةً =وبدِّدْ جموعَ البغيِ ، فالبغيُ يرتدُّ !
لقد بذلَ الأبرارُ وُجْدَهُمُ ، وما =لفكِّ حصارِ الظُّلمِ من ربِّنا بُـدُّ