يومَها الفصلُ الذي يُتحفُنا
أيُّها الإنسانُ كم مَغداكَ ناء = بثقيلِ الهمِّ أو طولِ العناءْ !!
وكم استسلمتَ للبلوى ، وكم = وجهُك : التقتيرُ في خدَّيه ساءْ !!
وَلَكَم أصغيتَ للتضليلِ من = مفلسٍ آخى فِعالَ الأشقياءْ
وتلكأتَ ، وقد نُوديتَ في = فَلَقِ الصُّبحِ إلى أحلى نداءْ
وتثاقلْتَ ، ولم تجدِ الحِجى = إذ تناومتَ إلى وقتِ الضَّحاءْ
فرآكَ الحقُّ تجفوهُ ، وفي = بهرجِ الغفلةِ كنتَ الببَّغاءْ
لم تنلْ ــ ويحك ــ من دنياكِ ما = يسعفُ الماشي إلى يومِ الجزاءْ
لم يفدْك السَّعيُ ما تسمو به = ورؤى النجدين أعيتْ هؤلاءْ
إنما الراغب في الحسنى وعى = كيف يأتيها ، ولا يكفي اجتزاءْ
قوةُ النفسِ التي تسعفُه = وتراخيها ــ هنا ــ ليسا سواءْ
والإشاراتُ التي مابرحتْ = توقظُ الإنسانَ في ومضِ السَّناءْ
والنداءاتُ من المجهولِ قد = غلبتْ عصفَ عُتُوٍّ وافتراءْ
ونُكوصٍ وضلالٍ وهوىً = عاثَ بالنفسِ عناءً وأداءْ
من صميمِ الفطرةِ الأولى أتتْ = تُنجدُ العقلَ بتمييزِ الدواءْ
قد يُغرُّ المرءُ ، قد يهوي ، وقد = يركبُ الوهمَ ، ويستجدي العماءْ !
إنَّما العدلُ الذي يطلُبُه = هو في الأصلِ له أغلى رجاءْ
موجباتُ العدلِ ألاَّ ينثني = في قيادِ النَّفسِ بالأجدى مَضاءْ
أكرمَ اللهُ بني الإنسانِِ لم = يدعِ الإنسانَ من عقلٍ براءْ
فبقلبٍ وشعورٍ وحِجىً = وبنورٍ هلَّ معْ وحيِ السماءْ
ولسانٍ وبعينٍ قد رأتْ = مابهذا الكونِ من أرضٍ و ماءْ
أيُّها الإنسانُ أنت المصطفى = مذ براكَ اللهُ في الدنيا وشاءْ
لأمورٍ غالياتٍ جُمعتْ = في عبوديَّةِ نفسٍ لاتُساءْ
وهو المُلكُ لربٍّ بارئٍ = سيُعيدُ الخَلقَ من بعدِ الفناءْ
ويُجازي كلَّ مخلوقٍ بما = أحسنَ المخلوقُ فيها أو أساءْ
= بالرضا في الخلدِ في دارِ النَّجاءْ
لو درى الإنسانُ عن أوبتِه = وتحرَّى في صِحاحِ الأنبياءْ
لرأى الدنيا سرابًا زائلا = وبقايا رَحْلِ مَن عافوا الخِباءْ
ترتقي الذَّاتُ على معراجِها = إن نأى الإنسانُ عن تيهِ الشقاءْ
لم يُقَيِّدْها انتكاسٌ أو لوى = سعيَها المحمودَ للأوجِ انحناءْ
عـزَّ بالطُّهرِ فؤادٌ مخبتٌ = لا إلى أهواْءِ دنيانا أفاءْ
أيُّها الإنسانُ هوِّنْ ، واتَّئِدْ = لايغُرَّنَّكَ زهوُ السُّفهاءْ
أو يقودَنَّكَ وهمٌ صاغه = مكرُ إبليس بزورٍ وافتراءْ
كلُّ ما في هذه الدنيا وإن = عربدَ الباطلُ فيها بازدراءْ
كلُّها في قبضةِ الدَّيَّانِ لم = يُفلتِ ( الشَّاطرُ ) حتى في الخفاءْ
كلُّ داءٍ وله بين الورى = من طبيبٍ ودواءٍ وشِفاءْ
غير داءٍ واحدٍ أعجزهم = إنَّه ــ والله ــ داءُ الكبرياءْ
أيُّها الإنسانُ هذا الكَلْمُ من = شفتيْكَ انسابَ مدحًا أو هجاءْ
أو بنجوى غيبةٍ ممقوتةٍ = أو سمعتَ السوءَ قصدًا وانتقاءْ
غزلا يَسبي فؤادًا والهًا = أو تهافتْتَ لهُزءٍ أو غِناءْ
فرقيبٌ وعتيدٌ كتبا = لكَ ما قد تصطفي مما تشاءْ
لو تجلَّى اللهُ ياهذا على = قلبِك الشاردِ في رحبِ الفضاءْ
راكضًا خلفَ مُنادي لذَّةٍ = حرَّمَ اللهُ مآتيها وِقاءْ
ناسيًا مولاكَ لكنْ لم تزلْ = تطلبُ اللذَّةَ في أيِّ وِعاءْ
فإذا أنت بقبرٍ مظلمٍ = ليس فيه من حميمٍ أو رجاءْ
وأراكَ اللهُ لو كنتَ الذي = هَجَرَ السوءَ ، وفعلَ الجهلاءْ
قصرَكَ المعمورَ في جنَّاتِه = وأراكَ الحورَ فيه والهناءْ
وأراكَ الخيرَ لايُحصَى ولا = كان هذا الخيرُ في دارِ الفناءْ
ثُـمَّ ناداكَ : أيا عبدي لِمَنْ = أنتَ أفنيتَ لياليك الوِضاءْ ؟
لم تُجبْ فيها منادي رحمتي = واتَّبعْتَ اللهوَ مركوبَ الشقاءْ
فَلْتَلُمْ نفسَك ما طهَّرتَها = من هواها ألِكِبرٍ أم غباءْ ؟!