وهذا الصومُ أدركنا فعزمٌ وإيمانٌ تدفق كالفراتِ
دهـاة المكرِ أعداء الحياةِ = ويا صنف الحماقة والهواةِ
مَن السفهاءُ قد عاشوا أذاهـا = فَمَنْ إنْ لـم يكونوا للأذاةِ
تغشَّتْكم مراوغةُ الثعالي = فكانوا كالوحوشِ الضَّارياتِ
نواديكم وفيها الفسقُ يُلفَى = فيا عار الليالي الفاجراتِ
حملتُم إثمَكم والإثمُ يودي = لنارٍ ليس منها من نجاةِ
وليس بنافعٍ إذ ذاك قولٌ = وقد سيقَ الأثيمُ مع العصاةِ
بذلتَ العمرَ ياهذا رخيصا = على شهواتِ نفسٍ أو فتاتِ
ولـم ينفعْك من مالٍ وجاهٍ = كذا يُخزَى القبيحُ من الصفاتِ
فتبًّـا للسفاهةِ والتعالي = لأصحابِ التبذُّلِ والهَناتِ
لقد غرتكمُ الدنيا فعشتُم = على وهــمِ اللذائذِ كاذباتِ
ألـم تسألْ عقولُكُمُ بيومٍ = عن الماضين من أهـل الفواتِ
أتاهـم في القبورِ سؤالُ شؤمٍ = وقد فقدوا البروجَ الباذخاتِ
وجاؤوا للحساب وقبلُ كانوا = على رتبِ الزعامةِ والنهاةِ
فباؤوا بالعواقبِ كالحاتٍ = وعضُّوا بالنواجذِ بائساتِ
مصيرُ المجرمين وإن تآخوا = بدارِ الهونِ يُعقَبُ للشتاتِ
لقد ملكوا فعاشوها طغاةً = وغـرَّ القومَ فعلُ الموبقاتِ
فهم ظلموا وهم سرقوا وعاثوا = فسادًا في البلادِ الآمناتِ
وما خافوا من الجبَّارِ أحصى = عليهم من عظيم المنكراتِ
فربُّ الناسِ بالمرصادِ لكنْ = يفوتُ الخيرُ أهلَ التُّرهاتِ
فهم لشعوبهم كانوا وحوشا = وللأعداءِ ذلُّوا كالشياةِ
وكم وُعظوا وفي الآذان وقرٌ = فمـا فطنوا لآهِ النائحاتِ
وما وجلوا لوعظٍ من حريص = وما راقت لهم أغلى العظاتِ
فعاش كبيرُهم فيها شقيًّا = يُمجدُ ــ ويك ــ لا بالمكرماتِ
وألفى حوله الأوغادَ جاؤوا = كأفواجِ القطيع من الغداةِ
وقد صنعوا من التهريجِ مجـدًا = لــه تلقاه في كذبِ القناةِ
وتضحك مـدَّةُ الأيامِ عمــا = يُخَبَّأُ للزعيمِ وللعصــاةِ
فهلا يزدري الناسُ السكارى = فعائلَ مَن طغى قبل المماتِ !
ألا يا أمتي ساموك قهرًا = بأكداسِ حُمِلْنَ مثبطاتِ
وقد كذبوا عليك فكنت نهبا = لأعداءِ الشريعةِ والبغاةِ
أتبكين المروءةَ حيثُ ماتت = ولكنْ لــم تمتْ روحُ الحُمــاةِ
رمادُ الظلمِ يذروهُ إباءٌ = غلى في صدرِ أصحاب الصَّلاةِ
ونور في المصاحف ليس يُبقي = ظلامَ الوهنِ أو ثقلَ السُّباتِ
وحبٌّ للحبيبِ يفيضُ شوقًـا = إلى نهجِ النُّبُوَّةِ والثقاتِ
وتاريخ يلوِّحُ فيه مجــدٌ = يعيدُ سنى الليالي المقمراتِ
أرى في ( بدرِ ) أطيافًا تجلَّتْ = بهـالـةِ نورِ وحيِ البيِّناتِ
وفيها أحمدُ المختارُ يدعو = إلــهَ الخَلقِ ربَّ الكائناتِ
فجاءتْهُ الملائكةُ امتثالا = لأمرِ اللهِ نصرًا للتُّقـاةِ
وفي رمضان ذكراهـا تجلَّتْ = لطائفةِ الثَّباتِ وللرواةِ
فلا تفزع أخا الإسلام واصبر = فإن الله عونٌ للهُداةِ
وإنَّ اللهَ ناصرُنا عليهم = وإن طالتْ جناياتُ البغاةِ
فقد دحـرَ الأوائلُ مشركيها = بأيدٍ يا أخــي متوضئاتِ
وأدبرَ قيصرٌ يعوي حزينا = على تلك العهود الغالياتِ
وكسرى ذاقَ طعمَ الذُّل يشكو = مراراتِ الملاحـم عاصفاتِ
أتتهـم رحمةُ الإسلامِ لكنْ = تولَّوا في الشعاب المقفراتِ
وغـرَّتْهم أمانٍ خادعاتٌ = لحربِ البينات المحكماتِ
فأخزاهـم إلـهُ العرشِ حتى = جنوا وهـمَ العقول المفلساتِ
فما من مجرمٍ إلا ويُطـوَى = بأطباقِ المهاوي المهلكاتِ
وما من مفسدٍ إلا ويُرمَى = بأحضان السَّعير المحرقاتِ
لكلَّ منافقٍ ولكلِّ خِبٍّ =مآلٌ في الجحورِ المجحفاتِ
فما دامت لفرعون الأماسي = مدى تلك القرونِ الغابراتِ
وما بقيت لنمرود أيادٍ = أذاهـا للقلوبِ المؤمناتِ
هي الأيامُ ما أبقت عليها = لأهـل الكفرِ غيرَ الذكرياتِ
لـو اطلعَ الأنامُ على عذابٍ = لهم في البرزخِ الحقِّ المواتي
لراعتْهم مشاهدُ مرعباتٌ = من البلوى أُعدَّت للجنـاةِ
فدعهم يشربوا كأسًا محلَّى = بكفِّ البذخِ يسكرُ سوءَ ذاتِ
فقد وُعدوا بكاسات أُعدَّتْ = من الغسلين سال من العصاةِ
فلم تنفعْهُمُ التيجانُ كانت = وسامًا للتجبُّرِ في الحياةِ
ألا قد حان لليسرى أوانٌ = يعيدُ الأمنَ من بعدِ انفلاتِ
ويأتي دينُ أحمدنا بفتحٍ = يزيلُ حشودَهـم متكدساتِ
وتنعمُ في بريَّتِنـا شعوبٌ = وقد صبرتْ على حكم العتاةِ
فللرحمن ربِّ الناسِ حمــدٌ = على طيب العطايا والهباتِ