لا أنتِ عفراءُ... لا ليلى و لا هندُ= و لا بُثينةُ ما عانتْ و لا دعدُ
و لا سُعادُ على بينٍ نُلاطِفُها= كالعامرِيَّةِ يَفني عُمرَها العهدُ
تنامُ فوقَ ترابِ القبرِ موفيَةً= وعدًا كريمًا بهِ أزمانُنا جُردُ
و لا كقسَّ إذا نادتْ قريحتُهُ= شوقًا سلامَةَ لمّا عافَهُ رُشدُ
و لستِ عزّةَ تستدعي عواطفَها= إذا كُثيِّرُ أعيا صبرَهُ الصدُّ
لكنَّما أنتِ أوفى كلِّ مَنْ ذُكِروا= أحيا بقُربِكِ ما يصفو بيَ الوُدُّ
شوقي إليكِ ربيعٌ حارَ ناظرُهُ= تُغري نسائمُهُ صبرًا لهُ حدُّ
ما بالُ عينيكِ تسقيني بنظرتِها= عمرًا جديدًا مع الأكوانِ يمتدُّ
أيا ابنةَ العصرِ ماتتْ في مَضايِفِنا= عِزَّ الأحاديثِ حتّى عافَنا الجَدُّ
لولاكِ لم تُشرقِ الآهاتُ في فلكي= و لا استظلّتْ شموسٌ و استحى رَعدُ
أنا المُدانُ بذنبٍ لستُ مُذنبُهُ= وكيفَ يُذنبُ مَن في قلبهِ وجدُ ؟
فلا أنا, عن ضميرِ الأرضِ مُغتربٌ= و لا أنْا, وطنٌ في نسلِهِ نِدُّ
أتيتُ في شفَتَيَّ الصمتُ يُسكتُني= على جفوني يحطُّ الدمعُ و السّهدُ
و في فؤادي هجيرُ الصبرِ يعصفُ بي= أشكو إلى اللهِ ما يقسو بيَ الفقدُ
و أنتِ غائبةٌ تنأينَ عن وَلَهي= نأيَ الغريبِ لهُ آمالُهُ ضِدُّ
يزورني خاطرٌ يجتاحُ أوردتي= كالرعدِ يملأهُ التسبيحُ والحمدُ
قلبٌ على ظمأِ الذكرى يُقاسِمُنا= شوقَ الأحبّةِ مِن لوعاتِنا وِردُ
قد ملّني سفري و الأرضُ رافضتي= إذا مشيتُ عليها ساءني الردُّ
اُطاردُ الزمنَ الآتي على أملٍ= كي لا يضيعَ المدى أو يبعُدَ البعدُ
اُطاردُ الأينَ ما للأينِ أفقُدُهُ= كالوقتِ يهربُ مَنْ أزمانُهُ زُهدُ
و للمدى غايتي ما دمتُ أطلبُهُ= علَي أفوزُ بوصلٍ خانهُ صَدُّ
كلُّ المسافاتِ لم تأثمْ معالِمُها= لكنَّ خطوِيَ مِن آثامِهِ العندُ
يا أنتَ يا مِن على الدربِ البعيدِ مشى= هل خبّأَ البُعدَ مِن أوجاعِهِ الحدُّ ؟
تجوبُ وحدَكَ في أرضٍ مشارِقُها= مثلَ المغارِبِ لا منعٌ و لا رِفْدُ
تروحُ أزمِنةٌ شرًّا مُحمّلةً= عنّا و نحنُ على أكتافِنا وغدُ
سلطانُهُ كَذِبٌ ينمو على عجَلٍ= كالنارِ يُسعِرُها مِن حقدِهِ الحقدُ
بغدادُ قيثارتي أشدو بها طربًا= و الّلحنُ حزنيْ يهزُّ الأرضَ يرتدُّ
كنتِ المليكةَ في خدرٍ نُغازلُها= لولا هواكِ لعانى عُمرَهُ المهدُ
خُذي عيوني مع الأهدابِ أجمعِها= دعي لي الشوقَ. أحيا حينَ يشتدُّ
أ أنتِ تاركتي للتيهِ يصرعُني ؟= فإنّني عَطشٌ للتيهِ و الّلحدُ
هذي العُروبةُ للأمجادِ رايتُها= هي الأمومةُ و الأهلونَ و المجدُ
مهما تُطاوِلُنا الأحزانُ نحنُ لها= إنا الحضارةَ نبنيها إذا هَدّوا
لسنا دُعاةً لفكرٍ ماتَ مِن زمَنٍ= سوادُهُ كظلامِ الّليلِ مُسودُّ
لو كنتِ بغدادُ مثلَ الأمسِ عافيةً= بيروتُ ما احتَرَقتْ أو خانَها وغدُ
أوصالُ اُمّتِنا في البيدِ يأكُلُها= وحشٌ تنمّرَ في أوطاننا يعدو
الكلُّ يعرفُ أنَّ اللهَ خاذِلُهُ= بالعدلِ نُنصَرُ أو بالظّلمِ نرتدُّ
أتيتُ دجلةَ نحلانًا تظلّلُهُ= بعضُ السحائبِ لا غيثٌ و لا بَردُ
في عينِهِ دمعةُ الظمآنِ يحبِسُها= مِن أنْ تزورَ عُيونًا طالَها رُمْدُ
معي بريدٌ مِن الأهلينَ تُرسِلُهُ= دمعاتُهمْ لكِرامٍ عضَّهُمْ نَكدُ
لكنّهمْ منبعٌ للنورِ إن وُصِلوا= أو جمرةُ النارِ ما عودوا فهُم لُدُّ
عاداهُمُ الزمنُ المنسيُّ فاحتفظوا= بعزّةِ اللهِ ما باعوا و لا أهدوا
أحفادُ يونُسََ إن أعيا حضارتَهم= بعضُ الألى مِن دوابِّ الأرضِ ما عُدّوا
و خرَّبوا نينوى التاريخَ فانتظِروا= ثأرَ الأشاوسِ كالبركانِ يحتدُّ
فقد علمتُم بأنَّ الأرضَ نورِثُها= والشمسَ والمجدَ لا شكٌّ و لا بُعدُ
فينا ابتدا المجدُ تاريخًا نُسطِّرُهُ= حضارةٌ مِن ضميرِ الأرضِ تمتدُّ
لا لن تُجيرَ بنو الأوباشِ رحمتَنا= بنا الحضارةُ تزهو حيثُما نعدو
بسطوةِ الحِلمِ إذ نحيا بلا غَضَبٍ= إنْ مسّنا غضَبٌ أحلامُنا غِمدُ
لنا العراقُ مع العلياءِ مُفتَخَرٌ= إنّا بنوكَ فلا تيأسْْ وذا عهدُ