هي غضبةٌ لله
متى متى يا أيها المنشدون!
من دفتر الأهوال 15 / 2006
شكَّلت وزارةُ الأوقاف السورية منذ عقدين لجنة لتقييم أعمال المُقرئين والمنشدين والمؤذِّنين كي لا تختلط أعمالُهم، وقد كنتُ أحد أفراد اللجنة في تشكيلها الأوَّل ثمَّ الثاني بتغيُّر معالي الوزير فتهيَّأ لي الاستماع عن كثب إلى الكثير من "المنشدين" و"المُصوِّتين" فرأيتُ التَّبايُنَ الشَّديد الذي من أهم ما يُلاحظ منه جهلٌ بأبسط أمور عقيدة التَّوحيد، وسلامة سيرة خير خلق الله وخاتم رسُلِه الكرام، وقدرِه العظيم، ومثلُ ذلك ما كنتُ أستمع إليه في حضور بعض المناسبات الدينية والاجتماعية مما أصبح الالتزام بالمنشدين به ضروريًا وتحضُّرًا وكأنَّه فرضُ عينٍ على أهلِ كلِّ مناسبة فرحٍ وإن كانت حالتُهم المادية دونَ ما يُرضُونَ به جوقة المنشدين المصوِّتين، ولا عُذرَ لمُعتذرٍ عن الاعتزاز بإحدى فرق الإنشاد وتصنيفاتها المادية المرهقةِ أحيانًا.
وأرى أن هذه العادة قد تفشَّت في كثير من البلدان ولْنقل العربية منها بخاصَّة ولا أستثني منها معظم وزارات الأوقاف والشؤون الدينية من عدم تنبه بعض علمائها الأفاضل عن الإشراف على ما يتقوَّلُه معظم المنشدين.
وكثيرًا ما يأتي من تنافسهم وتزاحمهم شططٌ كبير فلعلَّ في تنبيه المسؤولين والغيارى على ذلك أن يكون في ذلك شطط بعضهم ما يجعل الكثير منه إرشادًا لا إفسادًا، وحبًّا صادقًا لرسول ربِّ العالمين الذي جاءنا بالرحمة من أرحم الراحمين، فنقف على ما يقربنا من سيرته العطرة البنَّاءة، ويشدنا إليها بالحُبِّ والتقدير الذي هو له أهلٌ صلوات ربنا وسلاماته عليه، فهل من مُجيب؟!
وعلى أشدِّ ما تكون المرارة والحرقة مني، وردَّة فعل على ما أرجو أن يكونَ لهؤلاء ما هو أصلحُ وأنفع للمنشدين أولاً وللناسِ عامَّةً فقد كتبتُ هذه الأبيات الموجعة لي أوَّلاً قبل العاتبين أو النَّاقمين. وما أرى بإذن الله إلا أنها كلمة خالصة لوجه الله وقدْر رسول الإنسانية ورحمتها المزجاة من رب العالمين للعالمين.. وحسبي الله ونعم الوكيل..
اللهم إنّي قد بلَّغت فاشهد..
هي غضبةٌ لله
الدِّينُ أصبحَ سِلعةً للمُنشِدِ
يشدو بها، ليزيدَ حُسنَ المولِدِ
والنَّاسُ تحسبُ أنَّ فيها فوزَهمْ
لسماعِ ما يأتي من الصَّوتِ النَّدي
والمُرزَقونَ الصوت قد فُتِنوا به
فغدا الفخارَ لمنْ يروحُ ويغتدي
لا يبتغونَ الحقَّ في إنشادِهمْ
كلا، ولا يخشوْنَ يومَ الموعِدِ
القصدُ كلُّ القصدِ أن يَغنوْا به
من يومِهم لا يصبرونَ إلى الغدِ
ما ناسبَتْ كلماتُهُ أصواتَهمْ
يلقَونَ فيها فرصةَ المتصيِّدِ
من أين جاءَتْ، كيف جاءَتْ ما بها
فلربَّما كانتْ مقالَةَ مُلحِدِ
جهلٌ وأطماعٌ ومحضُ تجارةٍ
ترجو الغِنى، لرفاهِ عيشٍ أرغَدِ
والنَّاسُ من جهلٍ تراهمْ صدَّقوا
أنَّ التَّعبُّدَ في رضاءِ المُنشدِ
ـ وكما رأيتُ ــ فجلُّ من قد أنشدوا
بعُدوا وما حفلوا بنُبلِ المقصِدِ
وعلى بهارِجِ ثوبِهِم قد نافسوا
فالفخرُ أن تلقاهُ بالمُتجدِّدِ
فلكُلِّ حفلٍ ملبسٌ، ومظاهرٌ
البذخُ فيها لا يليقُ بمُهتدِ
ومحمَّدٌ "زينُ المِلاحِ" بعِلمِهِمْ
والخدُّ ما أحلاهُ بالمتورِّدِ
ويرونَ فيه من الجمالِ عجائبًا
ما كانَ أجدرها بطرفٍ أغيدِ!
ومبالغاتٌ في المديحِ أقلُّها
يودي إلى ما لا يليقُ بأحمدِ
والشِّركُ أظهرُ ما يكونُ ببعضها
ولجهلِهمْ تلقاهُ بالمتعمَّدِ
ومحمَّدُ للهدي كانَ ولِلقَنا
وقيامِ ليلٍ، والتزامِ تهجُّدِ
والمنشدونَ بكلِّ آلةِ ضجَّةٍ
يلقونَ فيها فرحةَ المتعبِّدِ
والرَّقصُ أحيانًا يكونُ مرافقًا
لنشازِ صوتٍ مسترابٍ مُرعِدِ
هيهاتَ تلقى منشدًا لزِمَ الهُدى
أو كانَ يومًا بالشَّريعةِ يقتدي!
"واللهِ" جُلُّ المنشدينَ رأيتُهمْ
قد شوَّهوا جهلاً مقامَ مُحمَّدِ
فمتى أرى منَّا الغيارى صحَّحوا
ما كانَ جهلاً من غناءِ المُنشِدِ!
وسوم: العدد 979