(*جنة الروح : نُشرت هذه القصيدة في مجلة حضارة الإسلام الدمشقية في العددين الرابع والخامس ـــ شهر جمادى الآخرة ـــ رجب عام 1400هـ ، وهي من عشرات القصائد في أربعة دواوين ، وكتب أخرى معدة للطبع ، مع المكتبة ... اختفت من البيت في ديرالزور في حي البعاجين مع جميع الأثاث ، ثم تم هدم البيت ، فأمسى كومة من الركام ) .
***
***
***
***
أيُّ ليلٍ من الليالي الوِضـاءِ = فاضَ فيه الحنينُ حُلوَ الرواءِ !
آبَ للروحِ رفرفُ الأُنسِ فيه = من دياجي الكآبـةِ العجفاءِ
وتدلَّى من أُفقِه القبسُ الأسمى = على عالَمِ الأسى والجفاءِ
يمطرُ الفرحةَ الضحوكَ فيُحيي = مهجًـا ذابتْ في اليدِ العسراءِ
أكرمتْها السماءُ بالخيرِ فاهتزَّت = بآلاءِ طيبِهـا المعطاءِ
وتلاشت على الحنايا رياحٌ = عاصفاتٌ تثورُ كلَّ مساءِ
من همومٍ نضتْ عن اللوعـةِ الثَّملى = برودًا منسوجةً بالبلاءِ
وانبرى بالنشيدِ كلُّ فـؤادٍ = ألجمتْـهُ الشجونُ بالأرزاءِ
وتجلَّتْ شموسُ أفْقٍ نسجناهُ = بشوقِ الفؤادِ والأحنـاءِ
ودرجنا نعانقُ الأملَ المخضلَّ = طيفًـامشى على الغبراءِ
ورأينا ما أبدعَ اللهُ في الأرضِ = ومـا بثَّ في رحـابِ السَّماءِ
فإذا الكونُ جنَّةٌ وهبَتْهـا = لرفيفِ الأرواحِ روحُ العلاءِ
لنُسيماتِ صبحها قـد غدونا = ولدنيا الجُنينةِ الفيحاءِ
وإلى الأُنسِ قـد تغشَّى نفوسًا = بين أفياءِ طيبِهـا والهناءِ
والأغاريدُ موكبٌ في قوافيه = ابتهاجُ القصيدةِ الغيداءِ
هَفَتِ الدوحةُ الطهورُ إليها = واستمالَ الأفنانَ عذبُ الحُـداءِ
والأماني : رؤى صباحٍ جديدٍ = باسماتٍ كالورودِ في الأضواءِ
فيه مافيه من أناشيد قلبي = وحنيني لدافقاتِ الرجـاءِ
وخضمٍّ يجيشُ بين ضلوعي = من وُلوعٍ بقصَّةِ الأنبياءِ
وحكايا عن الأحبةِ تروي = ظمأ الروحِ للهدى والوفاءِ
واشتياقي لمنهلِ الواردين = الآسرينَ الفؤاد والشُّهداءِ
عالَـمٌ زاخـرٌ لفيضِ حنينٍ = رقرقتْهُ أناملُ الأصفياءِ
ورواياتُ أمَّةٍ دبَّجتْهـا = مُلهَماتُ الخلودِ بالإنشاءِ
جَنَّــةُ الروحِ ظللتْ أمنياتي = بجناحيْ عقيدتي الغـرَّاءِ
أو براكين إذْ يفجرُها القلبُ = شظايا مشبوبةً في الفضاءِ
يا أغاني ( حُنينُ ) ما انهزمَ الركبُ = ولا هابَ من مُــدى الأشقياءِ
صوتُ (عبَّاس ) لم يـدع لي طريقا = غيرَ خوضي لفائراتِ الدماءِ
هـو واللهِ يا أخي لدعاءٌ = ( لهشامٍ ) فأكرمَنْ بالدعاءِ
فتلقاهُ موكبٌ إذْ تدانى = لجنانٍ والحورُ في ذا الإياءِ
والنَّبيُّ الحبيبُ في المعمعِ الزَّخَّارِ = يرمي جحافلَ الأعداءِ
أنا في ظلِّ بارئي وسأبقى = رغـم طوفانِ هذه اللأواءِ
مصحفي لم يزل يُنيرُ دروبي = والسيوفُ الظِّمـاءُ في إغفاءِ !
صرخةٌ تحشر القلوبَ إليهـا = من بلالٍ ، أو آهــةٌ من عنائي
صرخةٌ للصريخ داوية الحرفِ = وأخرى تضـجُّ في الجوزاءِ
والمرارتُ لم يذوقوا سِواها = في عصورِ الأراذلِ السفهاءِ
من رواياتِ سِفرِها نهلَ القلبُ =مُنـى رشفةٍ بحـالِ انتشاءِ
ومن الأنس في هياكل نجوى = بين بـثِّ القلوبِ في الإدجاءِ
أم من الزَّهو في ربيعِ هُـدانا = أم من النَّوءِ في رياحِ الشتاءِ
من عهودٍ بها الليالي عِذابٌ = وزمانٍ متوَّجٍ بالضياءِ
ونسيجٍ من الحديثِ المصفَّى = ردَّ وَهْـمَ البصيرةِ العمياءِ
وإذا الطيفُ نقلةٌ لنشيدٍ =عبقريِّ الألحانِ عَذْبَ الأداءِ
ينجلي للقلوبِ وهبًـا زكيًّـا = وهُدًى من بيانِ ربِّ السماءِ
فيثيرُ القلوبَ للأفق الأعلى = ويسمو فرسانُهـا لارتقاءِ
إنَّمـا الشوقُ والحنينُ يسوقان = معاني الصفاءِ للأصفياءِ
لسخاءِ النفوسِ ترفلُ فيهـا = لانعتاقٍ من حمأةِ البغضاءِ
تعسَ الحقدُ لن يفوزَ ولن يرقى = بنوهُ مدارجَ العلياءِ
حملوهُ على المناكبِ أثقالَ = هوانٍ وخسَّةٍ وهبـاءِ
هل يغرُّون غيرَهم بانتحالٍ = لسموٍّ وهـم جنودُ افتراءِ !
قـد كووا باللظى قلوبَهُمُ السُّودُ = فعادوا بالنكبةِ الخرساءِ
ومشوا بالسموم بين أناسٍ = لم يبالوا بالذَّمِّ أو بالثَّنـاءِ
يسكبون الأحقادَ سمُّا زعافا = بين أنيابِ الحيَّةِ الرقطاءِ
إنما الشَّانئون أبغضُ خَلقًا = وإن استحوذوا على البسطاءِ
وهم الأسرى لافكاك لهم من = قيـدِه رغــم فسحةِ الغبراءِ
أين منهم سماحةُ الخُلُقِ الأعظمِ = يعلو بالسُّنَّةِ الغراءِ !
فعلى الكذبةِ الكبيرةِ عاشوا = في ضلالٍ في زمرةِ الأغبياءِ
أين أفذاذُنا الكرامُ إذا قيسوا = بفضلِ الأخلاقِ من هـؤلاءِ !!
وعلى الشعرِ قد دَمَلْنا جراحًا = في دياجير الليلةِ السَّوداءِ
ردَّ فيهـا الإباءُ ألحانَ عهدٍ = باسمٍ لاحَ في ظلامِ الشقاءِ
واعتكارٍ من الكآبةِ أعيـا = مهجَ الركبِ بالأذى والشَّجاءِ
كم على ظلِّه المريحِ حبسنا = أدمعًـا من مرارةٍ وبـلاءِ
ونسجنا من الهمومِ رداءً = مزَّقتْ ذلَّـه يــدُ الكبرياءِ
لن يهونَ الإيمانُ في لججِ الروعِ = ولن يُستَباحَ قلبُ فدائي
تُطفَأُ النارُ في البراكين لكنْ = ليس تُطْفَى في أضلعِ الأوفياءِ
شَرَفُ القلبِ أن يعيشَ أبيًّا = في شعابِ الأسى وبيدِ الجفـاءِ
فمن العـزِّ غربةٌ في دياجٍ = موحشاتٍ كوحشةِ الظلماءِ
ومن الخيرِ أن يـردَّ يديها = وهي تحثو العطاءَ للسفهاءِ
ومن الحقِّ وقفةٌ لانعتاقٍ = في رحابِ الحقيقةِ الزهراءِ
فاليقينُ المكينُ كنزٌ تسامت = بعطاياهُ عـزمةُ الأصفياءِ
فافطمِ النفسَ عن شهيِّ الدنايا =وترفَّـع عن موطنِ الجهلاءِ
إنَّمـا العُمرُ ساعةٌ منحتْها = لربيعِ الهدى فيوضُ السَّماءِ
وإلى موئلِ الكرامةِ حثَّتْ = من خطاهـا الأقدامُ في القفراءِ
والأبيُّ الأبيُّ معرضُ قلبٍ = عن تفاهاتِ نزوةِ الغوغاءِ
والطريقُ القويمُ وجهةُ روحٍ = زخرتْ بالرياحِ والأنواءِ
إنَّ وجـهَ الحياةِ باتَ عبوسا = وضياءُ الآياتِ نورُ الرجاءِ
والتُّقاةُ الهداةُ أهـلُ المثاني = والشبابُ الأبرارُ والعلماءُ
هـم جنودُ الإسلامِ في الأرضِ هاهم = في جلادٍ وإنَّهم أكفيـاءُ
لن يزولَ الإسلامُ مهما تمادوا = وستبقى شريعةُ الأنبياءِ
ومع الصبرِ أمتي صانهـا اللهُ = فبشرى من صاحبِ الإسراءِ
سيعودُ الإسلامُ خيرًا وعــزًّا = في البرايا وليس بالبغضاءِ
أيُّ نفسٍ لم يَبْتَلِ الدهرُ دنياها = ولـم يـرمِ عيشَها بابتلاءِ !
وأباحَ ابتهاجَها الكربُ يرمي = مالديها بالحزنِ والضَّرَّاءِ
فاكفهرتْ أيامُها لاكتئابٍ = قـد عراهـا وليس من شفعاءِ
غير أن القلوبَ في ليلهـا الحالكِ = ترنو إلى رحابِ السَّماءِ
إنَّـه اللهُ لاتخَفْ فالمقاديرُ = كما شاءَ بارئُ الأشياءِ
وبعيدٌ ما بين زورِ الأماني = وصحيحِ انجلائهـا اللألاءِ
ما توارتْ في أفقها المائج الرحبِ = عن المؤمنين ومضةُ راءِ
نَضَّرَتْ بابتسامِها وجـهَ عُمْرٍ = غابَ في أُنسِه ثقيلُ الدَّاءِ
وانجلتْ عن جبينه كرباتٌ = تتوالى في الصبحِ والإمساءِ
ونداءُ الإيمانِ يشحذُ ركبًا = أن يعيدَ ابتهاجَها للبنـاءِ
في خضم الخطوبِ والهولُ يعوي = ما سلكنا سوى سبيلِ المَضـاءِ
لـم يزدنا البلاءُ إلا يقينًا = يتخطَّى تفاهـةَ الإغـراءِ
فدعـوها لغيركم إنما الشكوى = لقومٍ لم يؤمنوا بالقضاءِ
والسِّنون العجافُ فيها مكثنا = زادُنا الصَّبرُ من هدى الأنبياءِ
يأكلُ الناسُ من فتات الدنايا = ويوالون ميِّتَ الأحيـاءِ !
غير أنَّـا بالحقِّ لا نترامـى = ما حيينـا بالذلِّ للأعداءِ
كم طمَتْ موجةُ الشجونِ فؤادي = كحصاةٍ في غمرة الدأماءِ
وتهاوتْ بشاشةٌ مارآهـا = في الصباحِ الضحوكِ والظلماءِ
والحنايا تموجُ بالآهِ ثملى = ليس إلا كالغارةِ الهوجاءِ
والفؤادُ المنيبُ لله راضٍ = هكذا سُنَّة الرضا والوفاءِ
ليس ترديه فتنةُ الألم الأعمى = ولم تلجـم شدوَه عن حُــداءِ
فدنا يرمق القطوف الدواني = فوق بيد الأشواكِ والحصباءِ
ويصوغُ الصفاءَ عالَمُه الحـرُّ = بعيدًا عن تلكم الضوضاءِ
ويؤاخي سكينةَ الليلِ فيهـا = أُفق الأُنسِ مغدقا بالهناءِ
ويقضِّي الساعاتِ ينظرُ في الفجرِ .= . أماني أصحابه الغرباءِ
ورؤى القلبِ شعلةٌ في الحنايا = ليس تخبو من لفحةِ الأرزاءِ
فانجلى للبصيرةِ العيشُ قيظا = في سعيرِ الصروفِ بل هو ناءِ !
وإذا العمرُ زخرفٌ نمَّقتْهُ = بنتُ دنيا الشواغلِ الخرساءِ
وهواها غشاوةٌ رصَّعتْها = بالتَّمنِّي أناملُ البلهـاءِ
والخيالاتُ تنطوي ليس تبقى = بعدَ محْقِ الضَّلالةِ الصَّمَّاءِ
في الطريق السَّوي حثَّتْ خُطاها = تسبقُ الشجوَ والونى وجنائي
وتغنيْتُ بالأناشيدِ علويةَ = سحرٍ مشبوبة الأصداءِ
أغنياتٌ ترفُّ فيهـا حروفٌ = مترعاتٌ بالشَّوقِ بعدَ اهتدائي
حين جاشتْ بأفقها النفسُ واهتزَّتْ = لغيثٍ محمَّـلٍ بالسَّخاءِ
أرسلتْهُ الغيوبُ رشفةَ خير = في حقولِ الكآبةِ الجرداءِ
فَرَبَتْ فرحتي وبشَّ فؤادي = وزها بالورودِ و الأشــذاءِ
وأعادَ الحنينُ أفراحَ عمرٍ = قد تقضَّى والنارُ في الأحشاءِ
والمقاديرُ في الورى أحكمتْها = حكمةُ اللهِ لايدُ الأشقياءِ
فمن الإثمِ أنك اليوم تشكو = من جراحٍ أخي ومن إزراءِ
فالنَّبيُّ الحبيبُ أُوذيَ حتى = سالَ من وجهه كريمُ الدماءِ
قد تأسَّى به الصحابةُ فانجابَ = الأذى وانجلى طويلُ العَناءِ
لـو رأى المرءُ مابهـا من شؤونٍ = محكماتٍ لعاشَ عيشَ إباءِ
والكريمُ التقيُّ من ظلَّ شهمًا = لا يبالي بوطأةِ الغُلواءِ
والأبيُّ الأبيُّ قلبُ تقيٍّ = ليس يرضى بغيرِ ربِّ السماءِ
فالشكاوى لغيره عبثُ الجاهلِ = بينَ استهانةِ الخلطاءِ
فاتقِ الميلَ للسفيهِ ولا تركنْ = لباغٍ تـراهُ في الأحيـاءِ
إنَّمـا الفخرُ والمروءةُ أن تحيا = لياليك ناظـرًا للعــلاءِ
وإذا ضنَّ بالكرامِ و وافى = زمنُ الطيشِ بالهوى والرياءِ
فاجتنبْها تلقَ المواسمَ حقلا = فيه تزهو مآثرُ الأتقياءِ
جَنَّـةُ الروحِ عالَمٌ فيه تسمو = بالمزايا والهمَّة القعساءِ
عالَمٌ ليس من خيالِ أثيمٍ = أو حكايا سفاهةٍ وافتراءِ
ردَّ لي روعةَ النهارِ وأغرى = مغرميهـا للرؤيةِ البيضاءِ
فهفا ينشدُ المغانيَ ظمأى = لمياهِ العيونِ ذاتِ البهاءِ
ونسيمات عدْنها مابرحنا = نتحرَّى هبوبَ أغلى حِباءِ
وركضنا فوق الضفاف العذارى = ودجى الليلِ لم يزلْ في انطواءِ
حاملين الأفراحَ ينشرُها الطيبُ = بأرجاء ( طيبة ) الفيحاءِ
زهوُها الثَّـرُّ للنفوسِ متاعٌ = بين أندى الأنسامِ والأفياءِ
واخضرارُ الآمالِ حول المغاني = ماتراءى لغيرِ أهلِ انتماءِ
جنَّـةٌ صاغها الإلهُ لذي لُبٍّ = وروحٍ وثَّابةٍ و رجــاءِ
مذ خُلِقنا رضا الإله هـوانا = فوقانا من صفعةِ البلهاءِ
وعلى نهجه الحكيمِ مضينا = في الدياجي أعـزَّةً بالضياءِ
وجهنا واحـدٌ فليس يرانا = أحــدٌ في نفاقِ أهـلِ الخناءِ
قل لمَن باعَ دينَه مطمئنا = بمتاع الحياةِ كالأعـداءِ
ونهانا عن المضيِّ بدربٍ = شقَّ أعتاهُ سيِّدُ الأنبياءِ
قد وهبنا الأرواحَ لله يامسكينُ = لا للملوكِ والأمراءِ
ومن العارِ أن نعيشَ على الأرضِ = عبيدًا للمالِ أو للنساءِ
والموازينُ عند ربِّـك كانت = لا بأوهامِ نفسك الخرقاءِ