أرسل لي أحد الإخوة كلمةً بعد أن قرأ هذه الأبيات في مجلة البلاغ الكويتية ، وقال أتمنَّى أن ترفقها مع قصيدتك وعد الآخرة ،فهي لشاعر الدعوة الإسلامية الكبير الدكتور محمد إقبال ــ يرحمه الله ــ فأثبتُّ الكلمةَ في الدفتر الذي يضم قصائد ديوان ( على مشارف القدس ) . والكلمة : ( المسلم المثالي، هو الذي يمتاز بين أهل الشك والظن بإيمانه وعقيدته، وبين أهل الجُبن والخوف بشجاعته وقوته الروحية، وبين عُبّاد الرجال والأموال والأصنام والملوك بتوحيده الخالص، وبين الأوطان والألوان والشعوب بآفاقيّته وإنسانيّته، وبين عُبّاد الشهوات والأهواء والمنافع بتجرّده وتمرّده على موازين المجتمع الزائفة، وقيم الأشياء الحقيرة، وبين أهل الأثرة والأنانية بزهده وإيثاره، وكبح جماح نفسه. ويعيش برسالته لرسالته، ذلك المسلم الحق، الذي مهما اختلفت الأوضاع، وتطورت الحياة، لا يزال يؤمن بالحقيقة الثابتة التي لا تتغير ولا تتحول. هذا الشباب المسلم لم يُخلق ليندفع مع التيار، بل خُلق ليوجّه العالم، لأنه صاحب الرسالة، وحامل العلم اليقين، فليس مقامه مقام التقليد والاتباع، بل مقام الإمامة والقيادة، وإذا تنكّر الزمان له، وعصاه المجتمع، لم يكن له أن يستسلم ويخضع، ويضع أوزاره، ويسالم الواقع المرير، بل عليه أن يثور عليه، وينازله، حتى يقضي الله في أمره، وبذلك يردّ الأمر إلى نصابه، ويقيم العوج الغشوم، ويصلح الفاسد وهو في هذا متمثلاً: سألني ربي: هل ناسبك هذا العصر، وانسجم مع عقيدتك ورسالتك ؟ قلتُ: لا يا ربي، قال: فحطّمْه ولا تُبالِ ) .
هوامش :
(1)فاقـره : داهية أو مُصيبة تكسر فَقَار الظَّهر من شدَّة هولها .
( 2) الأَمِيمُ : مَن يهذِي لإصابة أُمِّ رأسِه.
*نشرت هذه الأبيات بمجلة البلاغ الكويتية العدد ــ 1347 ــ في 29/2/1421هـ
قـد جاءَ وعــدُ الآخــرهْ = بيـدِ النصوصِ الطاهرَهْ
مـالاثَه الرَّيْبُ الذي = شــابَ النُّفوسَ الفاجرَهْ
أوهــزَّه بغيُ القُوى = عُظمَى ، وأخرى حائرََهْ
وتهافتتْ أحلامُهــم = رغــمَ التآمرِ خائـرَهْ
فعقيدةُ الإسلامِ أقـوى . = . من فلولٍ جـائرَهْ
وحقيقةُ التَّوحيدِ ذاتُ . = . الطَّوْلِ تشمخُ ناضرَهْ
تبًّـا لأوثانِ الحضارةِ . = . بالمخــازي فـائـرَهْ
أشداقُهـا بالرُّعبِ والإرهـابِ . = . تلهثُ فاغـرَهْ
والغامسُ الموعودُ فيهـا . = . مقلتــاهُ غـائـرَهْ
ويـداهُ تحملُ من أذِيَّاتِ . = . المآسي المــائـرَهْ
وتجـذُّ بالشَّـرّ الغشومِ . = . رؤى الربيـعِ الـزَّاهرَهْ
كفـرٌ وإلحـادٌ وبغيٌ . = . في ثيابٍ ســاحرَهْ
كالخـودِ بنتُ الحُسنِ بيعتْ . = . للتَّبـرُّجِ ســافرَهْ
ولَّـتْ نضارتُهـا فأخْوَتْ . = . بالتَّبذُّلِ باســرَهْ
والشَّــرُّ يبقى الشَّرُّ في = حضنِ الحضارةِ كافـرَهْ
لـن يُرتجَى خيرٌ وفيها . = . للخـرابِ حوافرَهْ
بعدّ انصرامِ نقائها = وبهائـِـها في الهاجرَهْ
فحضارةُ القرنِ التعيسةِ . = . بالـزَّخارفِ غـامرَهْ
بالملمسِ الغضِّ القبيحِ . = . به الرزايا الفاغرَهْ
واستثمرَتْهـا كفُّ أعـداءِ . = . الحنيفِ الماكــرَهْ
مكْرُ اليهودِ وحقدُ صلبانِ . = . العهودِ الغابـرَهْ
شِيبَا بأنفاسِ المفاليسِ . = . الجنــاةِ الصَّاغـرَهْ
ماساورَتْني فيهمــا = رِيَبٌ قَلَتْهـا الذَّاكرَهْ
أو سابقَتْني لهـفةٌ = كـي أستسيغَ الخاطـرَهْ
لـم يُـدْمِ قلبي أو يُلوِّعْ . = . مهجتـي في فاقـرَهْ ( 1)
إلا حنينُ أضالعي = لعهـودِ قـومي الباهـرَهْ
ورسيسُ آلامي على = جمـراتِ حُـمَّى ثائـرَهْ
مـذْ صدَّعتْ قـومي . = . الرزايا والمآسي القاهـرَهْ
وتباعدَتْ عنهم ظلالُ .= . العـزِّ بئسَ الدَّائـرَهْ
هجـروا كتابَ اللهِ فانفرطتْ . = . عقــودٌ فـاخــرَهْ
حَجَلُوا بمغناهـا دجـى = حَجَــلَ الأميــمِ ببـادرَهْ ( 2)
واستأنسوا بهـوانهم = خـوفَ الوحوشِ الكاسرَهْ
فغدتْ فلسطينُ الحبيبةُ . = . نكتـةً للسَّــاخرَهْ
شربتْ مغانيهـا الدِّمـا = كأسًــا دهـاقًـا فائـرَهْ
والمـؤمنون الصَّابرون . = . أولو الزحوفِ الظافرَهْ
لـم يرهبـوا بأسَ اليهودِ . = ولـم يخافـوا هـادرَهْ
أو يُـذعنوا لقذيفةٍ = من مـدفعٍ أو طـائرَهْ
أو يقتُلوا حُلـوَ الرؤى = لحظـوظِ ( أوسلو ) العاثرَهْ
إنَّ السَّــلامَ تجارةٌ = باتتْ ــ وربِّي ــ بائـرَهْ
مابين أسواقِ اليهودِ . = . وبين ( رامو ) الخاسرَهْ
فالمعتدي والحكمُ والقاضي . = . صحائفُ كافــرَهْ
تأبى الهوانَ القدسُ معْ = يافا الفدا والنَّاصرَهْ
فَمَن الذي ينهى ويأمرُ . = . في الليالي السَّاهرَهْ !
( العالميُّ) فبئسَ حشرجةُ . = . النِّظامِ العاثــرَهْ
جاؤوا وربِّك مذعنين . = . إلى الكراسي الجائــرَهْ
حَـكَمَ الذي لَعَنَ اليهودَ . = . فَقِفْ : فتلكَ الفاقرَهْ
و هديرُ ملحمةِ الخلاصِ . = . أتـى كَسُحْبٍ مـاطرَهْ
يجتاحُ رجسَ المعتدين . = . فمـا لهم من ساترَهْ
ميثاقُنا التَّوحيدُ لم = نُبْدِلْ فنعـمَ الآصـرَهْ
إسلامُنـا و يقينُنـا = باللهِ فامقتْ ناكرَهْ
والدرس راجعناهُ تاسعةً . = . تمــرُّ وعاشرَهْ
والصَّبرُ ديدنُنـا لأحكامِ . = . النظامِ الجائــرَهْ
إنِّـي أُبشِّرُهم فمُدَّتُهُـم . = . ليالٍ عابـرَهْ
ضَلَّتْ بحولِ اللهِ غارتُهم . = . فـآبتْ قاصــرَهْ
ما ألحفَتْنـا النَّازلاتُ . = . رداءَهـا في هاجرَهْ !
صُبُـرٌ وصهوتُنـا الجهـادُ . = .على الخيولِ الضَّامرَهْ
فانظـرْ محيَّـاها على = وهــجِ المكارهِ هـامرَهْ
يتخرصون وحسبُنـا = صـدقُ الوعودِ الآســرَهْ
ياربِّ غـوثُك إنَّـهم = جاؤوا حشودًا جـائرَهْ
فَأَحِنْهُمُ ياربِّ لا = تُبقِ الفلولَ الكافرَه
وانصرْ إلهي أُمَّــةً = فلهـا المثاني عـاطرَهْ
والسُّنَّةُ الغـرَّاءُ فيها . = . بالحفاوةِ عـامرَهْ
وعلى الطغاة المجرمين . = . غــدًا تـدورُ الدَّائــرَهْ