قال أمير المؤمنين عمرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه : لمَّا كان يومُ بَدْرٍ : نظر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى أصحابِهِ وهُمْ ثلاثُ مئةٍ ونَيِّفٌ، ونظر إلى المشركينَ فإذا هُمْ ألفٌ وزيادةٌ، فاستقبَلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ القِبلةَ، ثم مَدَّ يديْهِ وعليه رِداؤُهُ وإزارُهُ، ثم قال: اللَّهمَّ أينَ ما وَعَدْتَني؟ اللَّهمَّ أَنْجِزْ لي ما وَعَدْتَني، اللَّهمَّ إنَّكَ إنْ تُهلِكْ هذهِ العِصابةَ مِن أهلِ الإسلامِ، فلا تُعْبَدُ في الأرضِ أبدًا، قال: فما زال يَستَغيثُ ربَّهُ عزَّ وجلَّ ويَدْعوه حتى سَقَطَ رِداؤُهُ، فأتاهُ أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، فأخذ رِداءَهُ فرَدَّاهُ، ثم الْتَزَمَهُ مِن وَرائِهِ، ثم قال: يا نَبيَّ اللهِ، كَفاكَ مُناشَدَتُكَ ربَّكَ؛ فإنَّهُ سيُنْجِزُ لكَ ما وَعَدَكَ، وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ) 9/ الأنفال: فلمَّا كان يومئذٍ والْتَقَوْا، فهزم اللهُ عزَّ وجلَّ المشركينَ، فقُتِلَ مِنهُم سبعونَ رجُلًا، وأُسِرَ منهم سبعونَ رجُلًا، فاستشار رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا بكرٍ وعمر وعليًّا رَضِيَ اللهُ عنهم، فقال أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه: يا رسولَ اللهِ، هؤلاءِ بَنو العَمِّ والعشيرةِ والإخوانِ؛ فإنِّي أرى أنْ تأخُذَ منهُمُ الفِديةَ، فيكونَ ما أخَذْنا منهم قُوَّةً لنا على الكُفَّارِ، وعسى اللهُ أنْ يَهديَهم؛ فيكونوا لنا عَضُدًا، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: ما ترى يا بنَ الخطَّابِ؟ قلتُ: واللهِ، لا أرى ما رأى أبو بكرٍ، ولكنِّي أرى أنْ تُمَكِّنَني مِن فُلانٍ -قريبًا لعُمرَ- فأضرِبَ عُنُقَهُ، وتُمَكِّنَ عليًّا رَضِيَ اللهُ عنه مِن عَقيلٍ فيضرِبَ عُنُقَهُ، وتُمَكِّنَ حمزةَ مِن فُلانٍ أخيه فيضرِبَ عُنُقَهُ؛ حتى يعلَمَ اللهُ أنَّه ليستْ في قُلوبِنا هَوادَةٌ للمشركينَ، هؤلاءِ صَناديدُهم وأئمَّتُهم وقادتُهم، فهَوِيَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ما قال أبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ولم يَهْوَ ما قلتُ؛ فأخَذَ مِنهُمُ الفِداءَ، فلمَّا أنْ كان مِنَ الغَدِ قال عمرُ رَضِيَ اللهُ عنه: غَدَوْتُ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فإذا هو قاعدٌ وأبو بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، وإذا هما يبكيانِ، فقلتُ: يا رسولَ اللهِ، أَخبِرْني ماذا يُبكيكَ أنتَ وصاحبَكَ، فإنْ وجدْتُ بُكاءً بكيْتُ، وإنْ لم أجِدْ تَباكَيْتُ لبكائِكما، قال: فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الذي عَرَضَ عليَّ أَصحابُكَ مِنَ الفِداءِ، لقد عُرِضَ عليَّ عذابُهم أَدْنَى مِن هذهِ الشَّجرةِ -لشجرةٍ قريبةٍ- وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) 67/ الأنفال إلى قولِهِ:( لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ ) 68/الأنفال مِنَ الفِداءِ، ثُمَّ أحَلَّ اللهُ لهُمُ الغنائِمَ، فلمَّا كان يومُ أُحُدٍ مِنَ العامِ المُقْبِلِ عُوقِبوا بما صنَعوا يومَ بَدْرٍ مِن أَخْذِهِمُ الفِداءَ، فقُتِلَ مِنهُم سبعونَ، وفَرَّ أصحابُ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكُسِرَتْ رَباعِيَتُهُ، وهُشِّمَتِ البَيْضةُ على رأسِهِ، وسال الدَّمُ على وجهِهِ، وأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ:( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا) 165/ آل عمران . ( بأخْذِكُمُ الفِداءَ ).
يا أُمَّـةً ضَيَّعَتْ أمجادَهـا عبثًا = عـودي إلى اللهِ إنَّ العـودَ قـد وَجَبَـا
هوامش :
- الوصب : هو الألم الذي يلزم البدن لزوما دائما .
- الندب : مصدر ندِبَ. أثر الجُرح الباقي على الجلد، أو بثرة في الجلدترك الجدري ندوبَه على جسد الطفل . يَندَب، نَدَبًا، فهو ندِب ونديب ، ندِب الجسمُ ندِب الجُرْحُ : ظهرت به ندُوب . أي آثار وعلامات . وَفِي حَدِيثِ مُوسَى عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : وَإِنَّ بِالْحَجَرِ نَدَبًا سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً مِنْ ضَرْبِهِ إِيَّاهُ، فَشَبَّهَ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي الْحَجَرِ بِأَثَرِ الْجَرْحِ. وَفِي حَدِيثِ مُجَاهِدٍ: أَنَّهُ قَرَأَ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ، فَقَالَ: لَيْسَ بِالنَّدَبِ، وَلَكِنَّهُ صُفْرَةُ الْوَجْهِ وَالْخُشُوعُ.
حُزْني عليكِ جَنَيْتِ الهـمَّ والنَّصبا = وسامَكِ الوَهَنُ المرذولُ منسكبَا
وحسرةٌ أحرقتْ قلبي الذي عصفتْ = به الشجونُ وذاقَ العسفَ والوصبا (1)
لـم يَقْسُ قلبي على قومي فإنَّهُـمُ = أهـلٌ لِمَا بشَّرَ المختارُ وانْتَدَبَا
وليس تفقدُهم في يومِ محنتِهم = رغـمَ الأسى شيمٌ أو خيرُهـم نَضَبَا
أرى بهم أمـلا ماغابَ عن مقلي = ولا طـواهُ الشَّجا الأعمى ولا غرَبَا
لـم يُطرَدُوا من حِمَى ربِّ العبادِ ولن = تُردَّ توبَتُهُم بل كانَ مـا كَتَبَا
مَنْ يعملِ السُّوءَ منهم يرتَحِلْ عجِلا = في أنْ يرى تـوبةً فاللهُ ما عَتَبَا
لفـيْءِ بَيِّنَةٍ يأوي لِتُتْحِفَه = نـورُ المثاني برضوانِ الذي وهَبَـا
لـم ينسَ بارئُنا عهدًا لأُمَّتِنَا = حاشا فيومُ المنى والتَّوبِ قـد عَذُبَا
إنَّـا برحمتِه فـُزْنَا بسابقةٍ = وفي هُداهُ صَنَعْنا المجدَ والنُّجَبَا
فأُمَّتي حملَتْ قرآنَه فـزكتْ = وعند سُنَّةِ هاديها رأتْ عجَبَا
فدابرُ الكفرِ مقطوعٌ وإن زعموا = أنَّ الذي قاتلَ استعمارَهم غُلِبَا
لكنْ تعقَّبَهم ربِّي بقدرتِه = ونالهم بغتةً ما كانَ مُحْتَسَبَا
فما لَكِ اليومَ في تيهِ الهوانِ ولم = تَرَيْ رضا ربِّكِ الغفَّارِ ما حُجِبَـا
آهٍ جَثَوْتِ بلا عـزمٍ ولا ثقـةٍ = تُعيدُ مجـدًا أراهُ اليومَ قـد سُلِبــَا
كانَ العدوُّ إذا ناجـزْتِهِ ارتعشَتْ = يـداهُ خـوفًا ويخشى قلبُه الغضبـَا
فمـا لـَكِ اليومَ ما أبدَيْتِ من شيمٍ = وسيفُ عـزَّتِك الممشوقُ ويكِ نَبَا
أعـداؤُكِ اليومَ قد صالوا بخسَّتِهم = ودمَّرُوا من إباءٍ يَملأُ الَّلببَا
هاهـم على سَفَهٍ يرجونَ مهلَكَةً = جـلا مواجعَها مَنْ باتَ مختضبَا
ونالَ منكِ فسادُ العصرِ فانصرَفَتْ = بيضُ المآثرِ مـا ألفَتْ لهـا نَسَبَا
وأغربتْ قيمٌ لـم تخبُ جذوتُها =تنيرُ للنَّاسِ أرجاءَ المدى حِقَبَا
قد أزهرتْ مننٌ ربِّي يجودُ بهـا = فتملأُ الأرضَ من آلائها رُطَبَا
أراكِ والآهُ في صدري قد اتَّقَدَتْ = وأوقدَ الجمرُ من لأوائهـا لهبَا
وليس يشكو سوى مَنْ باتَ في قلقٍ = عليكِ يامَن تأذَّى القلبُ وانشعبَا
إنَّ الملاحدةَ الأشرارَ يمحقُهم = ربُّ البريَّـةِ فارْعَيْ ذلكَ الحَـدَبَا
ومَنْ رماكِ فإنَّ اللهَ غالبُه = وقد أقامَ لِمَن عاداكِ مُنقَلَبَا
فالخُسْرُ للنُّخَبِ القالينَ شرعتَنَا = والفتحُ لمَّـا تزلْ أثوابُه قُشُبَا
رعايةُ اللهِ مازالتْ لِمَـنْ صدقُـوا = وبالرعاية نالوا النَّصرَ والغَلَبَـا
و كان شملُكِ بالإسلامِ مجتمعًا = وقادةُ الركبِ كانُوا بالهُـدَى نُجَبَـا
وكنتِ للخَلْقِ بالإسلامِ مرحمةً = وهـم يرونَ بـكِ الآمالَ والرَّغَبَـا
ولا تهابي جبانًا يومَ جنَّدَه = حقدُ البغاةِ فألفى جيشَه لَجِبَـا
واستذكري عمرَ الفاروق يومَ سرتْ = كتائبُ الحقِّ ما أبقتْ لهم طُنُبَـا
ففرَّ كسرى وألقى كلَّ ما ملكتْ = يـداهُ رغمًـا وعافَ المُلكَ منسربَا
والرومُ أودى بها استكبارُها فرأتْ = أنَّ التَّمادي جرى يومًـا وقد نَضَبَا
تلك الأماني التي كانت بحوزتهم = أضحتْ سرابًا وذاك الصِّيتُ قد ذهبَا
أبناؤُك اليومَ ماهـم جيلُ مَن ملكوا = بالخيرِ مجدًا ووارى الشَّرَّ والرِّيَبَا
إني أراهـم على أُرجوحةٍ ضحكتْ = على تَبَذُّلِهم فالذُّلُّ قـد وَجَبَا
فهاهُمُ اليومَ في وادٍ ورفعتُهم = في وادِ ثُكلٍ أدامَ الحزنَ والوصبـَا
قد خاطبتْهم ليالي الفتحِ قائلةً = ثوبوا إلى رشدِكم واستبعِدوا اللعبَا
لـو اعتصمتُم بحبلِ اللهِ مـا فُجِعَتْ = بالذُّلِّ أمَّتُكم والعـزُّ قـد نُهِبَـا
ولا استقامَتْ خُطاكم دونَ وحدتِكم = وعفتُمُ المنصبَ المرموقَ والرُّتَبَـا
قد مـزَّقَتْ شملَكم أهواؤُكم فَنَأَتْ =رياحُ قوَّتِكُم لم تدركِ الغَلَبَا
فالنُّصرُ يكمُنُ في التَّقوى إذا غلبَتْ = هـوى النفوسِ فما أبقتْ لهـا سبَبَا
فرايةُ النَّصرِ لـم تَجْفُ الشَّبابَ إذا = رفَّ الإخـاءُ بهـم فاستعذبُوا الحَـدَبَا
ويا زمانًا مضى لـم تمضِ سُنَّتُه = فقد حبتْ بالهدى من عاشَ مضطربَا
ولليالي انْجَلَتْ بالفتحِ مقمرةً = ماشابها الهـوسُ المذمومُ محتَجَبَا
هفتْ بذكرٍ إلى أفذاذِها فرأوا = عنايةَ اللهِ ما أبقتْ بهم نَصَبَا
وكم لهم شهدَتْ آناؤُها هِمَمًـا = لاترتضي الضَّيمَ والإغضاءَ والكذبَا
وإنَّهم أبرموا عهدًا لرفعتِهم = فعانقوا العزَّةَ القعساءَ واعجَبَا
هُـمُ الأشاوسُ مـا غرَّتْهُمُ فِتَنٌ = تغري الحياةُ بها مَن زاغَ وانجذَبَا
أمَّـا العُراةُ من الإيمانِ فاستهموا = على المناصبِ والأقوى قد اغتَصَبَا
والشعبُ عاشَ ذليلا في مكابدةٍ = مع النَّوازلِ ما أبقتْ لـه نَشَبَا
فقد أجاعَتْهُ في بردٍ تعذِّبُه = وما أتاحتْ له خبزًا ولا حطبَا
فيالها من عهودٍ باتَ شاهدُها = على خواءِ شقيِّ النَّفسِ مكتئبَا
تغيبُ في حفرةِ الأوجاعِ صورتُه = فقد تردَّى ونالَ الشَّجوَ والتَّعَبَا
أولئك المترفونَ المالُ غايتُهُم = فلم يروا عطشًا يؤذي ولا سَغَبَا
وأمعنوا في الغواياتِ التي عصفتْ = بمقتِها لنفوسٍ تألفُ الطرَبَا
واستوردوا من بلاد الشَّرِّ ما فُتِنَتْ = بـه النفوسُ وشرُّ الغربِ مـا غَرَبَا
ولـجَّ بالفسقِ منهم مَن إذا فعلوا = فعلَ الأسافلِ كانوا بينَنا نُخَبَـا !
أحزابُهم فشلتْ في صنعِ وحدتهم = بل لـم تزلْ مركبًا للعـارِ مضطربَا
أمَّـا حداثتُهم فالغيُّ مـزَّقها = والكفرُ أحرقها إذْ قطَّعَ الطُّنُبَـا
وعربداتُ مشاويرٍ لهم ذبلتْ = وجفَّ وجهُ تَعَاليها وما كسبَا
وللأسافلِ من أنقاضِها خجـلٌ = أماتَ فرحتَهم ماقدَّمَ العتبَا
واستَفْتِها اليومَ علمانيةً كفرتْ = باللهِ وازدرتِ الإسلامَ والنُّجَبَا
وكم سفيهٍ لهـا ماكانَ يعلمُها = للموبقاتِ أداةً تُحسنُ الخَبَبَا
فنكَّسَ اللهُ بالمقتِ الشَّديدِ لها = أعلامَها ولوتْ أعناقَها هَـرَبَا
والحكمُ باتَ لطاغوتٍ وزمرته = وللغريرِ الذي لـم يُحسنِ الطلبَا
بل جاءَ بالمكرِ في أسواقِها ودنا = من كلِّ واهٍ رأى في نفسِه العجبا
والناسُ في دولِ الإذلالِ قد فُجِعُوا = بالجوعِ ماوجدوا ماكانَ مُرْتَغَبَا
عامُ الرمادة يبكي حالَ نكبتِهم = فما استساغَ مآسيها ولا حَدَبَا
مُقوِّماتُ حياةٍ أُرخِصَتْ ودنَا = إمدادُها لُقمةً لـم تُذهبِ السَّغَبَا
أما الكرامُ الذين اشتدَّ ساعدُهم = بالحَقِّ والصَّبرِ والتقوى مضوا حقبَا
والعصرُ هذا به للناسِ قارعةٌ = ماغادرتْ عَجَمًـا أو أغفلتْ عَرَبَا
فالكلُّ دانوا لغيرِ اللهِ وانتهجوا = نهجَ الفرنْجةِ أُمًّـا أرضعَتْ وَأَبــا
وللحضارةِ جاؤُوا ثمَّ مانهلُوا = غيرَ السَّرابِ الذي مازالَ ملتهبَـا
سفتْ مآثرُهم في الأرضِ عاصفةٌ = لـم تُبقِ رأسا لهم تبًّـا ولا ذنبا
وحاقَ بالقومِ أشرارٌ وجوهُهُمُ = سودٌ وصفرٌ وأصنافٌ لهم قُشُبَا
فالغارةُ اليوم ماكانت على ذهب = وإنَّما تطلبُ الإسلامَ والغُرَبَا
أولئك النفرُ الأبرارُ رحَّلَهم = حكمُ الطغاةِ وحقدٌ شُـنَّ مصطَخِبَا
أما بقيَّةُ أهلِ الأرضِ أتحفَهُم = أهلُ الضَّلالِ بأمـْنٍ حيثُمـا وُهِبَـا
فهل علمتُم بِمَن في سجنِ عصرِهمِ = غير الذي عاشَ للإسلامِ منتَخَبَا !
وهل رأيتُم على أعـوادِ مشنقةٍ = غيرَ الذي لهُدى الرحمنَ قد غَضِبَا !
وهل سمعتُم بمَنْ قد عُذِّبُوا صُبُرًا = تحتَ العذابِ كأنَّ الموتَ قد وَجَبَـا !
وهل تَفَحَّصْتُمُ الإرهابَ (مشجبةً) = على مساوئها الإسلامُ قد نُصِبَا !
لكنَّه مسرحُ التَّزييفِ أخرجَه = أهـل المكائدِ واغتالوا به النُّجَبَا
هُـمُ الجناة وربِّي لم أجدْ أحدا = سِواهُـمُ مَكَّنَنْ للحـقِّ منقلَبَا !
وإنَّهم سوفَ يلقون الجزاءَ بما = لقومِنا قدَّموا الإيذاءَ والنُّوبَا
فاللهُ يمهلُ للطَّاغي ويأخُذُهُ = والأمرُ جاءَ مع الأقدارِ واقتربَا
لاتحسَبَنَّ إلهي غافلا أبـدا = فظلمُهم لم يزل في اللوحِ مُحْتَسَبَا
وأينما جالَ طاغوتٌ ببهرجةٍ = أو قُوَّةٍ فمصيرُ الـوغدِ مُـرْتَقَبَا
مابينَ غمضةِ عينٍ ثمَّ فتحتِها = عشيَّةً أو ضحًى فالأمـرُ مـا حُجِبَا
تراهُ مرتعدًا فيها ومرتجفًا = رغـم التَّماسكِ يُبديهِ ومضطربَـا
عليه لعنةُ ربِّي كلَّ آونـةٍ = وإنَّهـا تحرقُ الشَّريانَ والعَصَبَا
في قلبِه بدمٍ يجري بلا أملٍ = وهل لطاغٍ جَنَى أنْ يدركَ الرَّغَبَا !
في الأرضِ شِيدتْ لأهل البغي من دولٍ = حتى اليهود أشادوا للأذى طنبَا
بل يلهثون لمُلْكٍ ردَّ خيبَتَهم = إلى تبارٍ به الإفلاسُ قد وثبَـا
والمسلمون وهم كُثْرٌ تباركُهم = شريعةُ اللهِ لاقوا الخسف والسَّلبَا
قُوى الضَّلالةِ تأبى أن تساندَهم = أو تتركَ القومَ إن جاؤوا العلى طلبَا
يخشون صحوتَهم من سوءِ ما اعتقدوا = فنهرُ رحمتِهم يلقوْنَه عَذُبَـا
تُلْفَى سعادتُهم دنيا وآخرةٍ = لـو آمنوا بكتابٍ أكرمَ العربَا
وأكرمَ الناسَ كلَّ الناسِ إن سجدوا = لله لا للهوى الأعمى بمـا جلبَـا
شريعةُ اللهِ ما كانتْ لملحمةٍ = لكنْ لمرحمةٍ والخيرُ مـا نَضَبَا
لمَّـا يَزلْ فضلُها للخلقِ ذا غـدقٍ = وخيرُها لـم يزلْ في كونِنَـا سُحُبَا
فلا تُمـارِ شقيًّا باتَ يزعجُه = فَـيْءُ الحنيفيَّة السَّمحاءِ ما انسربَا
ولا يضُرَّنَّكَ الأوباشُ إنْ جَفَلُوا = أو يرهبَنَّكَ طاغـوتٌ إذا انقلبـَا
فاللهُ أكبرُ من طاغٍ وإن ملكتْ = يـداهُ لن يبلغَ الآمـالَ والـرَّغَبَا
سَيُسْجَنَنَّ بقبرٍ مظلمٍ ولــه = فيه العذابُ ولمَّـا يأْتِ مَنْ طَلَبَـا
أو أنَّه هاهنا يُرمَى بخاتمةٍ = يشيبُ من هولِها من عانقَ الطَّربَـا
فالأمرُ للهِ جلَّ اللهُ أحكمَهَـا = فلن يـردَّ القضا إنْ أمرُه حَـزَبَا
تحالف الصهاينةُ الأنجاسُ مع مللٍ = باللهِ قد كفرتْ واستكتَمَا حقبَا
والحـالُ تفضحُهم في كلِّ معضلةٍ = تدورُ في مجلس التَّدليسِ والـرُّقبَا
فإنْ لهـا وجدتْ في الشَّأوِ أمَّتُنا = عـزمَ الرجالِ فعَنهم أمسُنَا كتبَا
عادت إليها رواياتٌ وقـد ظفروا = بالفتحِ لـم تنتهكْ خُلْقًا ولا أدبـَا
ويَشهدُ الناسُ والتاريخُ رحمَتَها = وحفظَ حـقٍّ لهم مولى الورى وَهَبَا
لأُمَّـةٍ نهجُهـا خيريةٌ وُهِبَتْ = من الكريمِ أتاهـا فضلُه صَبَبَـا
وجاءَ يملأُ وجهَ الأرضِ فازدهـرتْ = بـه الحضارةُ لابغيًا ولا قُضُبَـا
بل المآثرُ ألفَى الناسُ بهجَتَهَا = فقدَّموها وكان الخيرُ مرتَغَبَا
بشرى أتتْهُم وللأيامِ منفعةٌ = نَـدى تَثَنّى فنالـوهُ وقـد وجبَا
لاتسألُوا عن يــدٍ أهدَتْ لأُمَّتنا = شأنًـا وعن فضلِه التاريخُ قد كتبَا
فهـل هنـا في زمانِ الشَّرِّ نبصرُ مَنْ = جـارى علاها ونال المجدَ مُكتَسَبَا !
فكلُّها دولٌ قامتْ على أسسٍ = من التَّعالي ـ فألفتْ عنده العطبَا
غاراتُها لدمارِ الأمنِ شاهدةٌ = وبالقنابلِ ترسي البغيَ والغَلَبَا
إرهابُها في نواحي الأرضِ في شُغُلٍ = للقتلِ جاءَ وللخيراتِ قـد نَهَبَا
لكنَّها القوةُ العمياءُ قد حكمتْ = فمـا رأتْ حكمةً تُرجَى ولا رَغَبَا
والآخرون وقد عضُّوا نواجذهم = ليستْ على شيمٍ كانت لهم لَقَبَا
وإنَّمـا انْدرجوا في أمرِ فتنتِهم = فمـا اسْتقاموا ولا ألفوا لهـا طُنُبَا
لعلَّ ربِّـي إلهَ العرشِ يـدركُهم = برحمةٍ منه نالوا عندها الأَرَبَا
فيُسعفون جراحاتٍ لأُمَّتِهِم = أم يُبدلون أذى مأساتِها نـدبَا ؟!