قصائد للعام الهجري الجديد 1445هـ
1- تحية العام الهجري
2- من نداء الحق في عام جديد
للشاعر الإسلامي المنبجي: محمد مُنلا غُزَيِّل ت 1438هـ - 2016م
3- من قصيدة "يوم الجلاء"
لشاعر العاصي الكبير: بَدرِ الدين الحامِد ت 1381هـ - 1961م
رحمهما الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
بين يدي القصائد الثلاث
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأزكى التسليم على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فهذه قصائد ثلاث جِيادٌ من خيار الشعر العربي الحَديث وعيونه، اخترتها لكم إخوتي القراءَ الأعزاءَ الكِرام، بمناسبة حلول العام الهجري الجديد (1445) هـ، اثنتان منها حول السنة الهجرية الجديدة للشاعر الإسلامي السوري المنبجي المعروف الأستاذ محمد منلا غزيل طيب الله ثراه، كان قد قال إحداهما بمناسبة العام الهجري: 1391هـ، والأخرى بمناسبة دخول العام الهجري 1396هـ، وقد نشرهما في مجلة "حضارة الإسلام" الدمشقية الشهيرة يومئذ، وهما في ديوانه "الأعمال الشعرية الكاملة".
أما القصيدة الثالثة فهي للشاعر الحموي الشهير "بدر الدين الحامد" المُلَقَّب بـ "شاعر العاصي" رحمه الله تعالى، وهي ليست عن العام الهجري كأختيها، لكنها عن يوم الجلاء جلاء المحتل والمستعمر الفرنسي البغيض عن أرض سورية الحبيبة، والذي تمَّ يوم الأربعاء:
هذا، وإنما اخترت قصيدة بدر الدين الحامد تلك آمِلًا من الله العلي القدير -كما خلَّصنا من كابوس الاحتلال الخارجي الفرنسي البغيض- أن يُخلِّصنا من وريثه بل الأسوأ منه وهو الاحتلال الأسدي الهمجي القميء احتلال بشارون الأسد وشبيحته وكل الغزاة لسورية ومحتليها الجدد من الإيرانيين والروس والأمريكان وأذنابهم وعملائهم، نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وباسمه الأعظم - الذي إذا دُعِي به أجاب- أن يُخلص سورية وشعبها من طاغوتها وفرعونها وسفاحها وعُتُلِّها ورُويبضتها بشار الأسد وعصابته وشُطَّاره "شبيحته"، وأن يكنُسهم من سورية الحبيبة، ويُطَهِّرَها مِن رِجْسهم
1
ودَنَسِهم، وخَبَثهم، ومن كل الغُزاة والمُحتلين، وأذنابهم، وأعوانهم، وأن يأخذهم أخذ عزيز مُقتدر، آمين، آمين، آمين.
(وما ذلك على الله بعزيز)؛ فلا بد بعد كل ظلام من فجر وصبح منير (أليس الصبح بقريب)، وشاعرنا الغزيل رحم الله روحه ونور ضريحه يقول: (يا لَفَجْرٍ بعدَ ليلٍ أسودِ)، وله ديوان كامل اسمه "الصبح القريب".
ولله درُّ شاعرنا التونسي الأشهر أبي القاسم الشابي إذ يقول:
و لا بُدَّ لليل أن ينجلي و لا بُدَّ لِلقَيدِ أن ينكَسِرْ
وقد جاء في الأثر: "اشتدي أزمةُ تَنْفَرِجِي"، ويقول صاحبُ المُنْفَرِجة "ابنُ النحوي" رحمه الله تعالى:
اشْتَدِّي أزْمَةُ تَنْفَرِجِي قد آذَنَ صُبْحُكِ بِالبَلَجِ
و ظلامُ الليلِ لَهُ سُرُجٌ حَتَّى يَغشاهُ أبُو السُّرُجِ
ومولانا عزوجل قبل ذلك يقول جل شأنُه: (إن مع العسر يسرا* إن مع العسر يسرا*).
وأخيرا، فإننا لا ننسى أن نترحم على شهدائنا الأبرار شهداء الثورتين السوريتين الأولى ضد الفرنسيين الغشمة الظلمة اللئام، والثانية القريبة ضد نظام البعث الفاجر البائس التاعس.
بدءا بالشهيد البطل يوسف العظمة وإخوانه في معركة ميسلون، وحسن الخراط، وكل شهداء الثورة السورية الأولى حتى جلاء آخر عِلْج فرنسي عن سورية الحبيبة العزيزة الغالية الأبية.
وانتهاء بشهداء مجزرة تدمر في حزيران سنة 1980م، ومجزرة حماة الكبرى سنة 1982م، والمشارقة في حلب، ثم شهداء الثورة السورية الثانية حمزة الخطيب، وشهداء الحولة والتريمسة، وداريا، والمعضمية، وبابا عمرو، وحي التضامن، وخان شيخون، وعبد الباسط الساروت، ....
2
*وأخيرا، ما أجمل أن ننشد مع شاعرنا الكبير عمر أبي ريشة رحمه الله، نشيده البديع الخالد "في سبيل المجد"، والذي حفظناه في المرحلة الابتدائية:
في سـبـيـلِ المجـدِ والأوطـانِ نَحـيـا ونـبـيـد
كلّـنا ذو هِمّةٍ شـمّاءَ جبّارٌ عَنيـدْ
لا تـطـيـقُ السَّاـدةُ الأحرارُ أطواقَ الحديدْ
إنَّ عـيـشَ الذلِّ والإرهـاقِ أولى بـالعبيدْ
********
لا نَـهــابُ الزمــنْ إن سَــقــانــا المـحــنْ
فــي سَــبـيـلِ الوطـنْ كــمْ قــتــيـلٍ شــهـيـدْ
********
هـــذه أوطــانُـنـا مـثـوى الجـدودِ الأوّليـنْ
وسَـمَـاهـا مـهبطُ الإلهامِ والوحيِ الأمينْ
ورُبَـــاهــا جَـــنّــةٌ فــتّـــانَـةٌ للنّـاظِــريـنْ
كـلُّ شِـبْـرٍ مـنْ ثَـراهـا دونـهُ حَـبلُ الوريدْ
********
لا نَــهــابُ الزمــنْ إن سَــقــانــا المـحــنْ
فــي سَـبـيـلِ الوطـنْ كــمْ قــتــيـلٍ شــهـيـدْ
********
قـد صَـبَـرنا فـإذا بـالصـبرِ لا يُجـدي هُدى
و حـلُـمـنـا فـإذا بـالحِــلمِ يُودي للـرّدَى
ونهـضـنا اليـومَ كـالأطوادِ في وجهِ العِدى
نـدفـعُ الضـيـمَ ونـبـني للعُلى صَرْحاً مَجيدْ
********
لا نَــهــابُ الزمــنْ إن سَــقــانــا المــحــنْ
فـي سَــبـيـلِ الوطـنْ كــمْ قــتــيـلٍ شــهـيـدْ
********
وصلى الله على سيدنا وحبيبنا وقائدنا إلى الأبد محمد، وعلى آله وصحبه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه سيد أحمد بن محمد السيد يوم الجمعة الأزهر في:
3/محرَّم الحرام/1445هـ = 21/تَمُّوز/2023م
3
نبذة عن الشاعر محمد منلا غزيل
*اسمه الشاعر ونسبه: هو الأستاذ محمد بن منلا عبد المولى بن محمد درويش: محمد مُنلا غُزَيِّل؛ الداعية والمفكر، والأديب المُلتزم، والشاعر الإسلامي الكبير. من قبيلة "الغِلَاظ"؛ إحدى عشائر"الشواهرة" التي تنتمي إلى قبيلة "الدَّمَالِخَةِ" المشهورة؛ التي تنتمي إلى سيدنا الحسين عليه السلام.
*ووالدته امرأة صالحة هي: فضة بنت محمد النعسان؛ من قبيلة "النُّعَيم".
*غُزيل: لقب شعبي اشتُهِرَ به جده محمد درويش، وأطلِقَ على حفيده الشاعر فلا يكاد يُعْرف إلا به؛ فيقولون: "هذا الغزيل، وجاء الأستاذ غزيل ...".
*ولادته: ولد الأستاذ المُترجَم في مدينة منبج - مدينة الشعراء والعلماء والمُحدِّثين والأدباء- في شهر شوال 1355هـ = كانون الأول 1936م.
*نشأته وتعليمه: نشأ في أحضان أسرة بسيطة ملتزمة بمبادئ الإسلام، وعندما بلغ السابعة من عمره، أرسله والده إلى كُتَّاب الشيخ يوسف، فتلقى فيه مبادئ القراءة والكتابة، ثم انتقل إلى جامع الشيخ عقيل، وفيه حفظ القرآن الكريم، وكثيراً من الشعر العربي، وأتقن الكتابة والخط بالحبر الأسود على يد أستاذه الشيخ عبد الرحمن الداغستاني، مما أتاح له الدخول إلى الصف الثاني مباشرة في "مدرسة نموذج منبج"، وفي هذه المرحلة من حياته بدأت تظهر مواهبة الشعرية، فكانت أول تجربة شعرية له وهو في الصف الخامس الابتدائي، في قصيدة تغنى بها ببلدته "منبج"، وأنهى
تعليمه الابتدائي بتفوق ملحوظ، مما أهله للدراسة في مدينة حلب.
4
*دراسته الإعدادية في ثانوية المأمون الحلبية: ثم تابع دراسته في حلب، فأتم المرحلة الثانوية في ثانوية المعري، ثم في ثانوية سيف الدولة، وأخيرًا في ثانوية إبراهيم هنانو، ومنها حصل على شهادة الدراسة الثانوية الأدبية، "فرع الآداب واللغات"، سنة 1957م.
*أساتذته وشيوخه، ومن تأثر بهم:
*من أبرز أساتذته في حلب في المرحلة الثانوية كل من:
1- الداعية الشهير الأستاذ الشيخ أحمد عز الدين البيانوني ت 1976م.
2- الأديب القاص الأستاذ فاضل ضياء الدين. 3- الأستاذ إسماعيل حقي.
4- الأديب الأستاذ عبد الوهاب الصابوني. 5- الأستاذ عمر كردي.
*مِمَّن تأثر بهم: أما من تأثر بهم كثيرا في فكره وسلوكه فمن أشهرهم:
1- الإمام الشهيد حسن البنا المُسْتَشْهَدُ سنة 1949م رحمه الله؛ فقد اطلع على فكره وتراثه.
2- الأستاذ الكاتب الإسلامي الكبير الشيخ أبو الأعلى المودودي ت1979م: فقد تأثر به الغزيل كثيرا فاطلع على كتبه ورسائله.
3- الأستاذ الشهيد سيد قطب إبراهيم ت 1966م؛ فقد تأثر به تأثرا بالغا- ملك عليه عقله ونفسه- فقرأ كتبه وراسله وذكره في قصيدة "فجر الدعوة" ص 16، وقصيدة "ذكرى مولد النور" 25 من ديوانه، وبلغ به تأثره بسيد أن أهدى إليه باكورته وديوانه الأول "في ظلال الدعوة" عام 1956م.
4- الشيخ العلامة الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي ت1999م؛ فقد أعجب به الأستاذ منلا غزيل، وحضر له محاضرة بعنوان"نحو إيمان جديد" ألقاها في "دار الجماعة الإسلامية" بحلب، وكان معجبا جدا بكتابه الرائع الماتع "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين".
5- الفيلسوف وشاعر الإسلام الباكستاني محمد إقبال ت 1938م: فقد قرأ شعره وأعجب بفكره وشعره التجديديين وتأثر به كثيرا، وذكره 4 مرات في قصيدته "نداء الشعب" ص 38 من ديوانه، وكان يذكره كثيرا في محاضراته وخطبه وكلماته.
5
6- المفكر الجزائري الشهير الأستاذ مالك بن نبي ت 1973م رحمه الله.
7- المفكر الإسلامي الأستاذ محمد قطب إبراهيم؛ شقيق سيد رحمهما الله.
*بدء نشره خواطره وأشعاره، وتلقيبه "البحتري الصغير":
وقد جذب الأنظار إليه حين بدأ ينشر في الصحف والمجلات مما تنبأ له أساتذته مستقبلاً باهراً في عالم الشعر، وأطلق عليه أستاذه إسماعيل حقي لقب "البحتري الصغير"، وكان سعيداً بهذا اللقب، فبدأ ينشر ويوقع به، وأول مجلة نشرت له تحت اسمه ولقبه كانت مجلة "الصاحب" البيروتية، فنشرت له قطعة من الشعر المنثور بعنوان "مع الطبيعة"، ثم تتالى نشره بهذا اللقب في عدد من الصحف والمجلات المحلية السورية.
*دراسته الجامعية:
انتقل بعدها إلى دمشق ليتابع دراسته في "كلية الآداب - قسم اللغة العربية، جامعة دمشق"، وتابع دراسته في هذه الكلية، إلى أن تخرج فيها عام 1961م، حاصلاً على شهادة "الإجازة في الآداب - قسم اللغة العربية". انتسب بعدها إلى كلية التربية في جامعة دمشق، وحصل منها على شهادة أهلية التعليم الثانوية "دبلوم التربية العام" عام 1962م.
عاد بعدها إلى مدينة حلب، وعمل في مجال التدريس مدة من الزمن حتى أحيل إلى التقاعد لأسباب صحية، عام 1969م، انصرف بعد ذلك إلى الإنتاج الأدبي وتدريس بعض الساعات في اللغة العربية تكليفاً، حتى عام 1977م؛ إذ اعتزل بعدها التدريس تمامًا، وتفرَّغ للدعوة إلى الله.
*قَمْع نظام البعث له وسَجنه وتعذيبه:
لقد تعرض الأستاذ غزيل للقمع و العَسْف و التنكيل على يد نظام حزب البعث البائس في سورية ؛ فقد استُدعي للتحقيق والمساءلة مرات عدة من قِبَل فروع الأمن الأسَدِيَّةِ المُتوحِّشَة، وضُيِّق عليه واعتقل أيضا، وفي سنة 1980م اعتُقل وضُرِب وعُذِبَ تعذيبا شديدا، و يُرْوَى أنَّ الجلاوزة المُعَذِّبِين له كانوا يطلبون منه ترديد شعار حزب البعث الفاجر: - "أمَّة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، وحدة حرية اشتراكية"- فكان يقول: "أحَدٌ أحَدْ"، وخرج عقيبها من السجن؛ فظل شهرا كاملا طريحَ الفراش بسبب قمعه وتعذيبه ذاك، و بقي إلى أواخر حياته مُلاحقا ومُرَاقَبًا، كما كان ممنوعا من السفر خارج سورية.
6
*وفاته: لقي الغزيل وجه ربه يوم الثلاثاء 25/3/1437هـ = 5/1/2016م في مدينته منبج في ظل فوضى واضطراب وهرج ومرج تشهدهما منبج وسائر المدن السورية بسبب قمع نظام البعث الوحشي الوغد الفسل للشعب المتظاهر سلميا لنيل حقوقه المشروعة، وبسبب داعش وأخواتها، ولذلك شُيِّع في جنازة بسيطة وقليلة من المشيعين والحُضور من مُحبِّيه وعارفي فضله، ودفن في "مقبرة الشيخ عقيل المنبجي" جنوبي منبج، تغمده الله بواسع رحمته، ومغفرته ورضاه.
*إنتاجه ومؤلفاته: ترك الغزيل عددًا من المؤلفات الشعرية والنثرية، وهي التي نشرها خلال ربع قرن؛ وهي قسمان:
*أ- الأعمال الشعرية: وتشمل ثمانية دواوين هي:
1- "طفولة قلب". طبع قبل 1954م، وهو الذي أحرقه بعد التزامه منهج الإسلام بانضمامه إلى"جماعة الإخوان المسلمين" الوسطية عام 1954م، ولم يعد موجودا؛ فقد اختفى تماما؟!!
2- "في ظلال الدعوة". صدر في حلب عام 1956م.
3- "الصبح القريب". صدر عام 1959م، وقدم له الأستاذ عصام العطار.
4- "الله والطاغوت". صدر عام 1962م.
5- "اللؤلؤ المكنون". عام 1962م، وهو يضم الدواوين الثلاثة السابقة.
6- "طاقة الريحان". صدر عام 1974م.
7- البنيان المرصوص. صدر عام 1975م.
8- "اللواء الأبيض". صدر عام 1978م.
9- "الأعمال الشعرية الكاملة"، طبعت عام 1978م، وطبع ثانية في دار عمار- الأردن سنة 1403هـ - 1983م.
*وفي عام 2007 م قام الشاعر المنبجي المعروف الأستاذ حسن النيفي بإعادة طبع أعمال الغزيل الشعرية؛ فصدرت في جزأين، وقدم لها بمقدمة نقدية وافية، بعد مُراجعتها من قبل الشاعر.
*ب- الأعمال النثرية:
*وتضم مقالات نثرية ومحاضرات نشرها في مجلة "حضارة الإسلام" الدمشقية، وبعضها ألقاها في المركز الثقافي بمنبج أو في بعض مساجدها، وقد جمعها في خمسة كتب هي:
7
10- "على طريق الوعي الحضاري العربي الإسلامي". عام 1978م.
11- "في رحاب الأدب العربي". صدر عام 1398هـ - 1978م.
12- "كلمات على طريق الوعي الحضاري". = = = =.
13- "حول المسألة الحضارية وبُعدها الثقافي". رسالة صغيرة صدرت عام 1972م.
14- "قراءة مُعاصرة لِلحِكَم العربية في التراث الإسلامي: بيانا وعِرفانا وبرهانا". محاضرة ألقاها الشاعر بـ "المركز الثقافي بمنبج" عام 1999م.
*هذا عدا المقالات والدراسات والقصائد والقصص والخواطر التي نشرها في عدد من الصحف والمجلات السورية والعربية ومنها مجلة "حضارة الإسلام" الدمشقية، و"الشهاب" وسواهما، ولم يضمها كتاب.
*حِلْيَتُه الجسدية:
كان الأستاذ غزيل - رحمه لله تعالى- مربوع القامة، ممشوق القوام، أسمر البشرة قليلا، بسيط في مظهره وملبسه ومأكله، يرتدي السروال وأحيانا الثوب العربي، ويَعْتَمِرُ بمنديل أبيضَ، أو كوفية سوداء.
*أخلاقه وشمائله:
كان الغزيل نَسِيجَ وَحْدِهِ، وقد كان عفيف النفس، صادق العاطفة، رقيق القلب، سليم الطوية، حادَّ المزاج، بعيدا عن الضغائن والأحقاد، صاحب مروءة ووفاء، وشمم وإباء، شجاعا، جريئا في قول الحق، لم يخفْ قويًا، ولم يتملقْ ثريًّا، ولم يُمَجِّد غير البطولات والمروءات والقيم النبيلة، كما كان متواضعا، زاهدا في متاع الحياة الدنيا، عاش عِيشةَ الكفاف مبتعدًا عن الشهرة والجاه والمناصب.
*لم يتزوج: بقي الغزيل عَزَبًا ولم يتزوج؛ لينضم إلى ركب العلماء الذين شغلهم العلم عن الزواج، وربما كان السبب صِحِّيًّا عند المترجم، وسببه ما تعرض له من تعذيب وحشي خلال "الاعتقالات البعثية" المتكررة له.
*حفل تكريمه: في يوم الإثنين 3/12/2007م، كُرِّم الأستاذ غزيل من قبل "مديرية الثقافة بحلب"، بالتعاون مع المركز الثقافي في مدينة "منبج"، وكان يوما مشهودا. كما سُميت "مكتبة المركز الثقافي" في منبج باسمه.
8
*مَنْ أنْشَدَ لَهُ مِنَ المُنْشِدِينَ والمُطْرِبِينَ:
لقد اشتُهِرَ شعر الغزيل وانتشر انتشارا واسعا، وغُنِّيَ وأنشِد بعضه؛ فقد أنشد لغزيل كبار المنشدين المشاهير: كأبي الجود"محمد منذر سرميني"، وأبي دجانة "محمد خشفة"، وأبي مازن"رضوان خليل عنان"، وأحمد بربور، ومُحْيِي الدين الأحمد السفراني، وغيرهم.
*أنشد له أبو الجود: 1- "بعقيدتي؛ شظايا من الإيمان". 2- "من أين أبدؤها حكاية صبحنا الحلو الحبيب؛ الصبح القريب". *وأنشد له أبو دجانة: "قافلة الكفاح الإسلامي؛ لله قافلة الكفاح تسير نحو الإنقلاب".
*أما أبو مازن فقد أنشد له:
1- "شظايا من الإيمان؛ بعقيدتي". 2- "لهيب: أشعلتها من دمي جمرا وبركانا". 3- "الجهاد الجهاد؛ بجهادنا سنفتت الصخرا".
*وأما الشيخ أحمد بربور فقد أنشد له بعضا من قصيدته:"على أسوار دمشق" وقد سمعت له آخرها وهو قوله:
لاح السنا يا جاهلية فاركعي للنور يسطع، و اسجدي لأذان
الله أكبر يا هداية أطفئي نار المجوس وزخرف الرومان
*وأما أبو أحمد محيي الدين العمر السفراني، رحمه الله؛ فقد استمعته في "جامع الشيخ عقيل المنبجي؛ جامع الزيارة" بمنبج نحو 1983م وهو ينشد له نحو نصف قصيدته "على أسوار دمشق"، ومطلعها:
الصخرة الشماء سامقة الذرى و الطود راسٍ شامِخُ البُنْيَانِ
و الناطحون تحطمت أهواؤهم ذهبت - جُفاءً - نفثةُ الثُّعبانِ
- ومنها:
قُم يا صَلاحَ الدينِ عاد عدُوُّنا عادت جَحافِلُه بلا صُلْبانِ
عادَ التتارُ فيا جُموع تَحفَّزي لِلقائِهم في حَوْمَة المَيدانِ
عاد التتار فيا دِمشقُ تَجَلَّدِي واسْتَمْسِكي بِسِلاحِكِ الربَّاني
9
تحية العام الهجري
1391هـ
تلقاك أعماقُنا ، يا أيُّها العامُ ظمأى ، يُمَازِجُها وَجْدٌ و تَهْيَامُ
تنثالُ أشواقُنا في القلب كَوكَبَةً من الأمَانِيِّ ، أو تنثال أحلامُ!
تُطلُّ طلعتُكَ الغَرَّاءُ مُشرِقَةً وَجْهُ (المُحَرَّمِ) ، وَضَّاحٌ و بَسَّامُ
يبُثُّ في جنبات النفسِ نَفْحَتَهُ فيستجيبُ - لها- وحيٌ و إلهامُ
فَوَّاحَةً ، تغمُرُ الآفاقَ رَوعَتُها تفديكِ - يا هِجْرَةَ المُختار- أقلامُ
مِثلَ السيوفِ شرعناها مُجاهِدةً يا هجرة المصطفى تفديكِ أقوامُ
قد كان تذكارُكِ المَيمُونُ مَلْحَمَةً للنصر للفتح قد دانت له الشَّامُ
دانَتْ كِنَانَتُنا ، دانَ العِرَاقُ لهُ نصرٌ تداعت له نُصْبٌ و أصنامُ
ورفرفت رايةُ التوحيد شامِخَةً كَمَا انطَوَتْ لِلهَوَى والشِّرْكِ أعلَامُ
كأنَّنِي ألمَحُ الطُّوفانَ مُنحَسِرًا وَيْحَ الغُثَاءِ إذا ما حانَ إقْدَامُ!
يبني ويهدِمُ، لا يُبقي على دَجَلٍ و الحَقُّ رُكْنانِ: بَنَّاءٌ .. و هَدَّامُ
تَحِيَّةً مِن فُؤادٍ نابِضٍ يَقِظٍ يَسْتَشْرِفُ النَّهْضَةَ الشَّمَّاءَ يا عامُ
يستشرف الوَحْدَةَ البَيضاءَ شامِلَةً تَحْتَ الهِلَالِ .. وللأعداء إرْغامُ
غَدًا تَعُودُ رِحَابُ القُدْسِ طاهِرَةً ويُزْهِقُ البَغْيَ والعُدْوَانَ (إسْلَامُ)
منبج في 26/2/1971م
10
من نداء الحق في عام جديد 1396هـ
الحَمْدُ للأعْلَى يَبُثُّ بَصَائِرَهْ و المَجْدُ لِلمَولَى يَزُّفُّ بَشَائرَهْ
سُبحانَ رَبِّكَ ؛ هادِيًا و مُؤيِّدًا تنزيلَهُ ، و رَسُولَهُ ، و عَسَاكِرَهْ
و اللهُ أكبَرُ شُعْلَةٌ وَقَّادَةٌ فيها مَعاني الحَقِّ تُجلى باهِرَةْ
و صلاةُ ربي والسلامُ مُجَنَّحًا يُهدى لِطيبةَ ؛ لِلدِّيَار الطاهِرَةْ
يُهدى لروح المُجتبى مُتَألِّقًا يُزهَى به قلبٌ و نفسٌ شاعِرَةْ
إن الرسالة بالسَّنَا مَحْفُوفَةٌ و تَحُوطُها عينُ العِنايَةِ ساهِرَةْ
لا النومُ يأخُذُها ولا سِنَةُ الكَرَى و الحقُّ محفوظٌ بأيدٍ كاسِرَةْ
يا وَقْدَةَ الإلهام ! طُوفي بِالدُّنَا بالله زوري الريفَ ثُمَّ الحاضِرَةْ
قولي لِإخوانِ العقيدةِ : إننا رَمْزُ الثبات برغم أرضٍ فاجِرَةْ
مِن غزوة الأحزاب نأخذ دَرسَنا و نُعيدُ عَمَّارَ الفِداءِ ، و ياسِرَهْ
و نُريدُ - مِن أعماقنا- تَجديدَها تَجديدَ مَلحَمَةَ الكِفاحِ الظافِرَةْ
فليَعْلُ صَوتُ الحَقِّ فَصْلًا حاكِمًا ولتشهَدِ الدنيا الزُّحُوفَ الزاخِرَةْ
إذ تُحطَمُ الأغلَالُ صَفًّا واحِدًا ويَدًا على بَغيِ الجُمُوع الكافِرَةْ
بنيانُها المَرْصُوصُ يَسمُو سامِقًا و معاقِلُ الأحرارِ دَومًا عامِرَةْ
إذ يَزدَهي الأقصى الأسِيرُ مُبارَكًا في المُلكِ والمَلَكُوت يَلْمَحُ ناصِرَهْ
في أمَّةٍ ، و جَماعَةٍ أوسِيَّةٍ سَلَكَتْ سَبيلَ الحَقِّ يَقْظَى ثائِرَةْ
صَدَقَتْ كَتائبُنا ، و فِتْيَةُ دِينِنا مِيثاقَها .. و رِجالُنا المُتَآزِرَةْ
صدقت عَلَانِيَةً ، و أمَّا سِرُّها فلقد طَوَتْ تِلكَ الضُّلُوعُ دَسَاكِرَهْ
يَتَجَاوَزُ الشُّبُهاتِ في كِتْمانه و كأنَّهُ العَنْقاءُ ؛ تَصْعَدُ طائِرَةْ
(يا رَبِّ! إنَّ العَيشَ عَيشُ الآخِرَةْ فَلْتَرْحَمِ الأنْصارَ ، و المُهَاجِرَةْ)
1/1/1396هـ
11
(1315-1381هـ =1897-1961م)
*هو بدر الدين بن محمود الحامد: شاعر ومناضل وطني، من النوابغ.
*ولادته ونشأته: ولد في مدينة حماة السورية، وقضى حياته فيها. ترعرع في أسرة محافظة يغمرها العلم، ويفيض منها الشعر والأدب؛ فأبوه وأخواله وإخوته كلهم أدباء، وكلهم من العلماء في حماة، فنشأ متأثرا بهذا المناخ.
فقد بزغ نجم هذا الشاعر في اليوم العاشر من شهر شعبان سنة 1319ﻫ وتشرين الثاني سنة 1901م، نشأ في بيت مغمور بذكر الله، أخذ والده يعلمه منذ نشأته الأولى الثقافة العربية الدينية أملاً منه أن يكون في مستقبل حياته إماما للناس في دينهم، ولم يهمل تثقيفه بالثقافة العلمية الفنية، فأرسله إلى المدرسة الإعدادية في حماة، وكان يرعاه بكثير من العطف ويرجو أن يكون شيئا يذكر، فكان أحد الأعلام الخالدين في عالم الأدب.
*والده: هو الشيخ محمود الحامد، من علماء الدين الذين عرفوا بالتقوى والصلاح والصوفية العميقة.
*والدته: اسمها (كوكب)، وهي من آل الجابي المعروفين بالعلم والفضل؛ فأخوها الشيخ محمد سعيد الجابي من علماء حماة المشهورين، وكان المدرس العام فيها ت 1948م، وتمت أمه من جهة أمها إلى الشاعر الحموي المشهور (زين الدين الهلالي) بصلة القرابة.
*درس شيئا من العلوم الأولية، والقرآن الكريم والعربية على يد والده الشيخ محمود الحامد.
12
*نكبات الحياة: ولما أيفع شاعرنا البدر اختار الله والده إلى جواره، ولحقت به أمه، ولحق بهما ما خلفاه له من تراث قليل وهو في الخامسة عشرة من عمره، وله أخوان صغيران ليس لهما كافل غيره، فحمل عنت الدهر وتقلبات الأيام، ولقي من البؤس ما لم يلقه إلا القليل من أمثاله الأدباء الذين أمعن القدر القاسي بحرمانهم صفو الحياة ليفجر البؤس عبقريتهم، وما زالت الأيام ترفعه وتضعه وتتقاذفه أمواج الحياة حتى فتح الله له طريق الخير، فأحرز شهادة دار المعلمين.
*عمله في خدمة التعليم، وزواجه:
وفي عام 1919م انتسب إلى سلك التعليم وعهد إليه بتدريس الأدب في مدارس حماة الثانوية، ثم تزوج واستقر به الحال على عيش فيه الجهد والكفاف وفيه الأمل، وللشباب نزواته وطموحه وللشعر آفاقه، فأخذت نفسه بدراسة الآداب العربية والنظر في اللغة حتى امتلك نواصيهما.
*بعدما أنهى دراسته الثانوية في حماة، درس في "دار المعلمين" بدمشق، وتخرج فيها نائلا أهلية التعليم الابتدائي عام 1923م.
وحصّل العلوم الدينية واللغوية، وقرض الشعر وهو فتى، ولقب بـ "شاعر العاصي"، وتخرج في "الكلية الصلاحية" بالقدس.
*حياته العملية:
ما زال بدر الدين منذ سنة 1919م يضع مواهبه في خدمة العلم والثقافة، ويتقلب في وظائف المعارف على اختلافها، فتارة في الوظائف الإدارية وأخرى في الوظائف التعليمية، وقد زهد في الوظائف والمناصب وأصبح ينتظر اليوم الذي سينقطع فيه عن العمل ويلزم بيته ليكون كعبة لعشاق أدبه.
فقد عمل ما بين عامي (1937- 1946م) مفتشا في "مديرية المعارف" بحماة، ومديرا للثانوية الصناعية فيها. وكان له نشاط اجتماعي، فقد كان عضوا في "الرابطة الثقافية" التي ضمت خريجي "الكلية الصلاحية".
*نضاله الوطني:
دخل الشاعر البدر غمار النضال الوطني في زمن الاستعمار وهو في فجر نبوغه وشبابه؛ فلم تلن له قناة رغم ما لقيه من عنت وتنكيل وسجن واضطهاد، وبقي في الميدان يرسل على المستعمرين - من لهيب قوافيه، وشُوَاظ شعره- ما كان بلسما لجراح أمته حتى منَّ الله على الأمة بجلاء الغاصب المستعمر، فكان شعره سجلًّا حافلا للأحداث الوطنية وحداء وأملا ورجاء، ولا يزال حتى اليوم يستقي من هذا الينبوع لثجاج، ويغترف من معين أمجاد هذه الأمة المجاهدة، وفي نفسه أمل بأن يرى اليوم الذي تتحرر فيه البلاد العربية كلها من ربقة الاستعمار، فيغادر ميدان كفاحه الوطني في الحياة قرير العين.
لقد انخرط بدر الدين الحامد منذ نعومة أظفاره في العمل الوطني ومحاربة الاستعمار الفرنسي، وكان من رجالات الكتلة الوطنية. شارك في الثورة على الفرنسيين؛ فاضهدوه وسجنوه سنة 1925، وأذيق صنوف العذاب والقهر في معتقله، ولاسيما بعد إخفاق محاولته الهرب، وقد تحدث عن هذه التجربة المرة في شعره، فقال:
نعم ولا فخرَ أقدمنا وليس لــنا هوىً بغير ظلام السجنِ والصَفَدِ
مالي وللذكريات السود أنبُشها الدهرُ يُنصِف والتاريخ في رَشَدِ
وكان للشاعر علاقة وطيدة برئيس الكتلة الوطنية رئيس الجمهورية شكري القوتلي، وله فيه قصائد كثيرة، من ذلك قصيدة قالها مرحباً به حين زار حماة سنة 1947:
شكري العظيم زعيم الدار منقذنا فكلُّ فضلٍ إلى ناديه مرجــوع
قفْ في حمانا وحيِّ الرافدين فكم حيَّاكَ منهُم بساح الروْعِ مصروعُ
اشتهر الشاعر بدر الدين أنه شاعر لكل مناسبة وطنية، وله شعر في القضية الفلسطينية والثورات العربية والثوار، ولانزال حتى اليوم نردد قصيدته الرائعة في جلاء المستعمر الفرنسي عن أرض الوطن التي منها:
بلغتِ ثأرَكِ لا بغــيٌ و لا ذامُ يا دارُ ثغرُكِ منذ اليوم بسّامُ
ولّتْ مُصيبتُكِ الكبرى مُمزّقة وأقلعتْ عن حِمى مروان آلامُ
14
يوم الجلاء هو الدنيا و بهجتها لنا ابتهاجٌ ، و للــباغين إرغامُ
يا راقدا في روابي ميسلون أفِقْ جَلَتْ فرنسا فما في الدار هضّام
وكان بارعًا في إلقاء الشعر، ذا لفظ غاية في الفصاحة، وفي صوته غنّة تمده بتأثير في سامعيه أضعاف ما يؤثر شعره فيهم، ولو قرىء عليهم.
وللشاعر قصائد في أغراض الشعر الأخرى، فقد نظم الشعر الغزلي والشعر الوجداني والاجتماعي، ورثى القادة الوطنيين، وطالما تغنّى بحماة وبساتينها وغدرانها ونهرها ومقاصفها. وقد غنى شعره مطربون كثر لحلاوة ذلك الشعر ورقته وخفة أوزانه.
تجاذبت الشاعر في حياته مجموعة من النزاعات والأهواء، فقد كان في أسرة يغلب عليها الرصانة والتشدد في تدينها، فوجد نفسه مقيدا بأغلال أسرته التي حاول الهروب منها إلى مجالس اللهو والطرب والمرح، مع رفاق من الأدباء والموظفين من أصحاب الطرفة والظرف والأدب، فعاش حياة من التناقضات في شخصية عكستها مرآة شعره، بين عالم من المُحافظة والجدية، وعالم من اللهو والمرح. وبين هذين العالمين وجد نفسه مثقلا بهموم الحيرة واضطراب النفس؛ فنسمعه يقول:
أخو لوعةٍ يهتاجُ في قلبه الذكرُ دُجىً فدموعُ العين أسرابُها همرُ
يحنُّ وما يُجدي علــيه حنينهُ سوى ألمٍ ينقدُّ من هوله الصّدرُ
يعد بدر الدين الحامد في الشعراء المطبوعين، وهو ذو موهبة ظاهرة تجلوها لغته العربية السليمة ومخزونه من المفردات والأبيات والقصائد المختارة من عيون الشعر العربي، وتجلت شاعريته في رقة الألفاظ ونفثات الألم وعفوية الخاطر وبساطة الأسلوب.
*مكانته، وبعض خلاله وصفاته:
يتمتع الشاعر البدر بمكانة سامية في الأوساط الأدبية، وهو مُحدث من الطراز الأول، كريم النفس، طيب القلب، مقدام جريء في أفعاله وأقواله.
15
*آثاره:
توفي بدر الدين الحامد مُخلفًا وراءه ديوان الأول "النواعير- ط"؛ الذي نشره سنة 1928، وديوانه الكبير الذي نُشر بعده، ورواية "ميسلون- ط" وهي عبارة عن تمثيلية شعرية.
وقد طبعت "وزارة الثقافة السورية" بعد وفاته آثاره الشعرية الكاملة عام 1975م في مجلدين باسم "ديوان بدر الدين الحامد" بإشراف وتقديم صديقه الشاعر أحمد الجندي.
*رسالة "تخصص؛ ماجستير" عنه:
وقد تمت دراسة أعماله الشعرية الكاملة برسالة ماجستير قامت بها الباحثة صفاء حسني ناعسة في جامعة الشارقة عام 2008م؛ درست فيها أغراضه الشعرية دراسة تحليلية وموسيقية.
*شعره، ونماذج منه:
لقد حالفه الشعر في سن مبكرة، ولعل لصوفية بيته وتعلقه بالجمال وهيامه بالفن والسماع أثر كبير في تكوين موهبته الشعرية.
أما أسلوبه في النظم فعربي خالص لا تشوبه شائبة من الترهات الجديدة التي بدأ يجنح إليها شعراء اليوم، وقد نظم في جميع الأغراض الشعرية وأكثرها في الشعر السياسي القومي، فقد تجلت خلجات روحه في قوافيها ومعانيها الرائعة.
*شعره العاطفي: شعره صورة أخلاقه وصدى أفكاره وعواطفه، وقد تفنن في شعره العاطفي فجادت قريحته بأروع القصائد والمقطوعات، فكان أهل الفن يتهافتون على تلحينها للغناء، ويعتبر الشاعر فناناً بروحه وطبعه، وصلته بالمغنين وشيجة جدًّا، ولهم عليه فضل كبير في بعث روحه وصقل وجدانه، وأجل هؤلاء المغنين شأناً وأثراً في نفسه المرحوم نجيب زين الدين الحمصي، ومن قرأ رثاءه فيه المدرج في ترجمة حياته عرف مدى تأثيره فيه.
وبالطبع فإن الشاعر البدر لا ينسى عهد وجوده في حمص، تلك الفترة الطويلة التي قضاها وهو في أوج شبابه، وتمر في مخيلته ذكريات حبيبة إلى قلبه قد أثرت في روحه وصدى عبقريته، ويحق لحمص أن تعتز بنبوغه الأدبي المشاع كما تعتز به شقيقتها حماة.
*ديوانه: طبع ديوانه في سنة 1928م، وقد جمع فيه شعر الشباب الأول ورواية ميسلون، وهي رواية تمثيلية شعرية رائعة تتناول دخول الفرنسيين سورية واستشهاد البطل يوسف العظمة، وقد أخرجها سنة 1946م، ولديه ديوان كبير جمع شعره كله فيه من سنة 1928م حتى اليوم، وهو قيد الجمع والطبع، وسيكون هذا الديوان الأدبي الفذ حكما عليه في المجتمعات الأدبية وميدان التاريخ.
*شعره الصوفي: وقد حلق في سماء الخيال، فإن شعره الصوفي قد جعله في طليعة شعراء الصوفية الأقدمين، وانظر إلى قوله البليغ في قصيدته الخمرية (أنا في سكرين)، فقد أجاد وأبدع ما شاء له الإبداع:
أترع الكأس وطيِّبـ=ـها بِعَرف من لماك
و اسقنيها إن عيني=لن ترى شيئًا سواك
و ليقولوا ما أرادوا=أنا صبٌّ في هواك
جنتي كأسُ الحميا=و نعيمي في رضاك
*وأما شعره الغزلي فعلى القارئ أن يعطي حكمه بروعة وصفه إذ قال:
يا هزارَ الرياض غنِّ الندامى =إنما الروض نفحة من هزارِهْ
أرأيت (الزمان) فتنة عين=كيف يأتي الهوى على جُلَّنَاره
قد تغار الشفاه منه و لكن=ما عليه وزهوه في احمراره
لا تسلني عن الجمال فإني=بفؤادي ضللت في أسرارِهْ
ورد نيسان بُرعُمٌ فتَّحته=نسماتُ الصباح من أيَّاره
كان في ذمة الربيع جنينًا=كوَّنَتْهُ النِّطافُ في آذاره
أنا في الله حائر لستُ أدري=ما وراءَ الغيوب من أقدارِهْ
فدعوني و ما أهيمُ ؛ فقلبي=شاعرٌ ينطوي على مزمارِهْ
*ومن نفثات غزله البديع الذي يستهوي النفوس، ويسحر الألباب قوله:
حَمَّلُونا عِبْءَ الهَوَى و نَسُونَا=مَا عَليهِم لو أنَّهُمْ ذَكَرُونَا
نحن منهم على خيال مُقيم=يبعث الوَجدَ والصبابة فِينا
إنْ جَنَحنا إلى السُّلُوِّ أرَونَا=بِلِحاظ العُيون سِحْرًا مُبينا
و سَقَونا عَذبَ الحَديثِ سُلافًا=مِثلَ قطر النَّدى صفاءً ولِينا
يَخفِقُ القلبُ في الجوانِح شَوقًا=و تَسيل العيون دمعا هَتُونا
خَلَّفُونَا على الهوى ثُمَّ بانُوا=لَيتَهم - قبلَ بَينِهم- وَدَّعُونَا
*هذا، وإن لكل شاعر حدًّا في مواهبه، وحدود الشاعر البدر التسامي في مواهبه والشموخ في عبقريته المتشعبة المنطلقة في سماء الخيال، فهو بين الشعراء علم خالد.
*ينظر:
1- "الموسوعة العربية" ترجمة له بقلم: عبد المجيد عرفة 8/12.
2- "الأعلام" لخير الدين الزركلي 2/46.
3- "تحفة الزمن بترتيب تراجم أعلام الأدب والفن" لأدهم الجندي 1/330- 335 ط دار المقتبس.
4- "موسوعة عريق" على الشابكة، ترجمة ضافية له فيها.
5- "أعلام الأدب والفن". لأدهم الجندي 2/54- 56. منها جميعا بتصرف.
18
يوم الجلاء
بدر الدين الحامد
بلَغتِ ثأرَكِ ، لا بغيٌ و لا ذامُ يا دارُ ثغرُكِ منذ اليومِ بسَّامُ
ولّت مصيبَتُكِ الكبرى مُمَزّقةً وأقلعتْ عن حِمى مروانَ آلامُ
لقد طويتِ سجوفَ الدّهرِ صابرةً السّيفُ منصلتٌ ، و الظّلمُ قوّامُ
على روابيكِ أنفاسٌ مطهَّرةٌ و في محانيكِ أشلاءٌ و أجسامُ
هذا الترابُ دمٌ بالدّمعِ ممتزجٌ تهبُّ منه -على الأجيالِ- أنسامُ
لو تنطق الأرضُ قالت: إنني جدَثٌ فيَّ الميامينُ آسادُ الحمى ناموا
ستٌّ وعشرونَ مرّت كلما فرغتْ جامٌ من اليأسِ صِرفًا أترعَتْ جامُ
لولا اليقينُ ولولا اللهُ ما صبرتْ على النّوائبِ في أحداثها الشّامُ
يومُ الجلاءِ هو الدنيا و زينتُها لنا ابتهاجٌ ، و للباغين إرغامُ
وجهُ الغرابِ توارى وانطوى علَمٌ للشّؤمِ مذْ خفقَتْ للعينِ أعلامُ
يا راقدًا في روابي ميسلونَ أفِقْ جلتْ فرنسا فما في الدّارِ هضَّامُ
لقدْ ثأرنا و ألقينا السّوادَ و إنْ مرَّتْ على الليثِ أيّامٌ وأعوامُ
غورو يجيءُ صلاحَ الدين منتقمًا مهلًا ؛ فدنياكَ أقدارٌ و أيَّامُ
هذي الديارُ قبورُ الفاتحينَ فلا يغرُرْكَ ما فتكوا فيها وما ضاموا
مهدُ الكرامةِ عينُ اللهِ تكلؤها كم في ثراها انطوى ناسٌ وأقوامُ
تجرُّ ذيلَ التّعالي في مرابعِها المجدُ طوعٌ لنا و الدهرُ خدّامُ
فيا فرنسا ارجعي بالخزيِ صاغرةً ذكراكِ في صفحةِ التّاريخِ آثام
دارُ النّيابةِ في التّمجيدِ كعبتُنا يأتي حطيمَ علاها منكِ هدّامُ
يا ويحَ مَن يدّعي التّمدينَ عن كذبٍ وحشٌ له من ثيابِ النّاسِ هندامُ
ألقى السِّلاح أمامَ الأقوياءِ و لم يخجلْ ، ولكنّهُ في الشّامِ مقدامُ
تمرُّ بي صورٌ لو رحْتُ أرسِمُها لما شفتنيَ أوراقٌ ، و أقلامُ
شتّى مآثرُ من نبلٍ و من شرفٍ الحقُّ يجمعُها و الدّهرُ رسّامُ
لو يذكرونَ على العاصي هزيمتَهم و للمذاويدِ - في الميدانِ- إقدامُ
الطّائراتُ رميناها ، و جيشُهُمُ من رعشةِ الخوفِ أشتاتٌ وأقسامُ
يومٌ بيومٍ قضينا وِترَنا و كفى اليأسُ في الخلفِ و الآمالُ قُدّامُ
19
ذكراهُمُ كَرَسِيسِ الداءِ إنْ خَطَرتْ في القلبِ ثارتْ جراحاتٌ وأسقامُ
الحمدُ لله ولَّوا و انقضى زمَنٌ شؤمٌ مَطالِعُه في الدّهرِ إظلامُ
اليومَ في ملكنا هذا على أسسٍ يبني القواعدَ إتقانٌ و إحكامُ
هُنا التقينا - بلادَ العربِ قاطبةً في دارةِ المجد- أخوالٌ وأعمامُ
يا طالعينَ على الدّنيا بنصرِهِمُ في كلّ قطرٍ لهم نقضٌ وإبرامُ
وفاؤنا البِكرُ، لا تأتيهِ منقصَةٌ في عرفنا العهدُ تقديسٌ وإعظامُ
العُرْبُ في كلّ دارٍ أمّةٌ ثبتتْ لها بساحِ العُلى و الفضلِ أقدامُ
مُوحَّدونَ كبيتٍ واحدٍ جَمعت -شتّى لُباناتِهِ في العيشِ- أرحامُ
ناموا طويلًا فلمّا صاحَ صائحُهم
أصغوا إليه ومن مهدِ الكرى قاموا
مشارفُ الشّامِ تهتزّ العراقُ لها وتنتشي طربًا في مصرَ أهرامُ
وفي الرّياضِ وبطحاءِ الحجازِ وما
تضُمّ صنعاءُ ؛ آمالٌ و أحلامُ
أمّا فلسطينُ فالأقدارُ ترمقها فهل يكونُ لها للعيدِ إتمامُ
وفي حمى المغربِ الأقصى لنا وطنٌ
أهلوه يرجونَ والمُرجَوْنَ ظلاّمُ
عاثَ الفِرَنسيسُ في أمجادهم وبغَوا فهم على الرَّغم ساداتٌ وحكّامُ
ويح الزّمان! أمغلوبٌ الوغى ملكٌ مسلَّطُ الذّئبِ و الأبطالُ أغنامُ
لا بدَّ للعمرِ من يومٍ نُخلّدهُ أغرُّ يبلغُ فيه العُربُ ما راموا
هي العروبةُ ، و الأيّام شاهدةٌ يحمي حِماها من الأفذاذ أفهامُ
أمنيَّةٌ قالَ فيها كلُّ ذي غرضٍ آمالُكم هذه - في الدّهرِ- أوهامُ
يا منكرَ الشّمسِ هذي الشّمسُ قد طلعت
دُنيا الهناءةِ عامٌ ، بَعدَهُ عامُ
***********
20
المراجع
*أولا: الكتب:
1- "الأعلام". لخير الدين بن محمود الزركلي، ط15، دار العلم للملايين - بيروت، 2002م.
2- "أعلام الأدب والفن". لأدهم الجندي، ط1؟ مطبعة الاتحاد - دمشق، 1958م.
3- "الأعمال الشعرية الكاملة". للأستاذ محمد منلا غزيل، ط2، دار عمار -عمان، 1403هـ - 1983م.
4- "تحفة الزمن بترتيب تراجم أعلام الأدب والفن" لأدهم الجندي 1/330- 335 ط1، دار المقتبس - دمشق، 1436هـ- 2015م.
5- "طاقة الريحان". ديوان شعر للشاعر محمد منلا غزيل، ط1، مكتبة دار الفتح - دمشق، 1394- 1974م.
6- "العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد". للشيخ عبد الحميد طهماز، سلسلة "أعلام المسلمين - 11"، ط4، دار القلم - دمشق، 1415هـ - 1995م.
7- "علماء وأعلام تركوا بصماتهم في تاريخ منبج القديم والمعاصر". د. إبراهيم الديبو، ط1، دار طيبة - دمشق، 1429هـ - 2009م.
8- "محمد منلا غزيل في ظلال الدعوة". للأديب الأستاذ عبد الله الطنطاوي، صفحات متفرقة منه. ط2 مطابع الدستور التجارية، نشر: دار الفرقان للنشر والتوزيع - عَمَّان، 1402هـ - 182م.
9- "معجم الأدباء الإسلاميين المعاصرين". للأستاذ أحمد الجدع ص: 1147- 1150. ط1، دار الضياء - عمَّان، 1421هـ - 2000م.
10- "المعجم الوسيط". لنخبة مؤلفين من مجمع اللغة العربية القاهري، القاهرة - ط2، 1392هـ - 1972م.
21
11- "الموسوعة العربية". لنخبة باحثين جُلُّهُم سُورِيُّون، صدرت في سورية، وهي على الشابكة أيضًا.
12- "نشيد الكتائب، مجموعة أناشيد أبي مازن كاملة مع تراجم لشعراء الدعوة". للمنشد الإسلامي الأستاذ أبي مازن؛ "رضوان خليل عنان"، ط 8، دار الوفاء المنصورة - مصر، 1420هـ - 2000م.
13- "نشيدنا". أبو الجود -"محمد منذر سرميني"- وفرقته. ط 5، دار السلام، بيروت- حلب، 1983م.
*ثانيا: مواقع الشابكة:
14- مقالة مطولة عنوانها: "الشاعر الداعية محمد منلا غزيل". للأستاذ عمر عبسو في موقع "رابطة أدباء الشام" على الشابكة.
15- مقالة: "الداعية الشاعر محمد منلا غزيل". للأستاذ محمد عدنان كاتبي على الشابكة "رابطة العلماء السوريين".
16- "مدونة الشعر العربي" قصيدة "يوم الجلاء" للشاعر بد الدين الحامد.
17- "موسوعة عريق" على الشابكة، ترجمة ضافية له فيها.
18- "البيت العربي" لتعلم اللغة العربية، قصيدة "في سبيل المجد والأوطان" للشاعر عمر أبي ريشة رحمه الله.
19- "معلوماتي الشخصية".
وسوم: العدد 1042