هوامش :
- العُقـار : الخمر لأنها تعقر العقلَ .
- الجُلنار : هـو زهر الرمان الذكر ـ وقيل هـو زهر الرمان البري ( معرَّب ) .
- النجار : صيغة مبالغة من نجرَ ، وهي الأصل والحسب .
- نُكـر : مصدر نكِرَ. مُنكَر، كلُّ قول أو فعل تحكم العقولُ الصحيحة بقُبحه، قال الله تعالى : (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا) ، صعب شديد .
- النضار : من نَضِر : صفة مشبهة تدل على الثبوت ، فوجه نضر : جميل مشرق ...
- القُتار : دخان ذو رائحة خاصة ينبعث من الشواء والعظم المحروق .
أتى من ظلمةِ الدنيا النهــارُ = و ولَّتْ حينَ وافاهـا اِنْبِهارُ
ولن تبقى المغاني مظلمات = وفي كفِّ الضُّحى عبقَ العـرارُ
وفوَّحتِ البلادُ بكلِّ طيبٍ = وللأطيابِ في يـدِنا اعتبارُ
تباركَ ربُّنا الأعلى رعـاها = فلم يلحقْ مباهجَها انثارُ
شكى ياصاحِ أهلوها عناءً = ويُرجَى بعدَ محنَتِهم يَسَارُ
وأوحشَ عيشَها سهمُ الرزايا = وآواهـم وقـد صبروا انتظارُ
وقد مـرَّتْ بدنياهم معاصٍ = و والاهـم هـوانٌ وانكسارُ
فصفحةُ ماجنوهُ من المعاصي = طواها اليومَ تـوبٌ وابتـدارُ
إلى الطاعاتِ قـد آبوا وعافوا = تحفُّهُمُ المتابةُ والفخـارُ
ففـرقٌ بين مَن يرجو ثوابًا = ومَن لمـآله اتَّسَعَ التَّبـارُ
ومَن للموبقاتِ وقد تنادوا = إلى لهـوٍ لياليهِ قِصـارُ
هـمُ السُّفهاءُ مالانوا لـدِينٍ = لهم في ظـلِّهِ الأسمى قـرارُ
وعاشوهـا نفوسًا مترفاتٍ = عصاةً لـم يغادرْهـم شنارُ
كأنْ لم يعلموا أنَّ المنايا = مـآلٌ ليس ينفعُه اعتذارُ
فعاشَ الفسقَ إنسانٌ وجافى = هـدايتَه فأدركَـه البوارُ
وهـل يرضى الدنايا غيرُ خِبٍّ = لئيم الطبعِ إذْ والاهُ عــارُ
أتَتْـهُ عقيدةٌ فأبى قبولا = وأعمى قلبَه عنهـا اغترارُ
وعاثَ وهـل سينقذُه التَّعالي = فللمتكبرين : الويلُ دارُ
يعيشُ ولم يفكِّرْ في مـآلٍ = وصحبتُه ببيئته الشِّرارُ
هنا بالفسقَ طابورٌ تمادى = وطابورٌ يجـرُّهُـمُ حِمـارُ
وآخرُ للحقائقِ لايراهـا = سوى وهـمٍ يُجلِّلُـه الصَّغارُ
فيهدمُ ركنَها العالي ولكنْ = على جثمانِه سقطَ الجـدارُ
يـدورُ المجرمون لحربِ ديـنٍ = أتاهـم منقذًا ولهم سُعـارُ
ولكنْ ظنُّهم قد خابَ لمَّـا = على خسرانِهم كان المــدارُ
ومَن وافى لحربِ اللهِ وافى = نهـايتَه تـولاها انتحــارُ
وقـد فعل الكبائرَ حيثُ تُلفَى = وعـاثَ برحبِ خِسَّته الدمارُ
وكانت نحـوه اللذَّاتُ تجري = كشلاَّلٍ لنشوتِـه انهمـارُ
فـذاقَ بهـا مرارتَها وكانت = عقـولا حيثُ دوَّخهـا العُقـارُ (1)
وما لِتَقَدُمِيَّتِهِمْ فلاحٌ = وما بوجوهـهم يحلو النَّهـارُ
فَسُكْرٌ ثمَّ عربدةٌ وكفرٌ = ولهـوٌ فيه للقـومِ انكسارُ
وذلٌّ عاقروهُ بكلِّ وقتٍ = ولن يُرجى لفاسقهم جِـوارُ
وعافوا منهجَ القرآنِ أعلى = مكانتَهم ولمْ يُلْفَى عَثـارُ
وَسُنَّةُ خيرِ خَلْقِ الله فاحتْ = فمن أطيابِهـا ذا الجُلَّنارُ (2)
فدونك فاتَّخذْ لغـدٍ مـآلا = فإمَّـا جّنَّـةٌ أو ويك نـارُ !
وياقومي أيا أحفادَ قومٍ = لهم في الأرضِ مجدٌ واعتبارُ
دهـاكم بعدَ نأيٍ عن هداكم = هوانٌ وابتزازٌ وانحـدارُ
فدنياكم يمرغها طغاةٌ = وفي أجلى ثغورِكُمُ حصـارُ
وأبصرتُـم مآثمَكم كموجٍ = له في النفسِ ضيقٌ واعتكارُ
فللأوزارِ بينكُـمُ فحيـحٌ = وللآفاتِ بينكم انتشارُ
وعجَّتْ في محيَّاكم مخازٍ = وعــمَّ الوَهْنُ فالعــارُ : الدِّثارُ
وَسَمْتُ وجوهِكم ياقوم يُخزي = و واأسفاهُ سَمْتٌ مُسْتَعـارُ
أأَنتـم مَن أرادَكُـمُ إلهي = هُـداةَ الناسِ في يدكم مَنـارُ !
أَأنتم أهـلُ تاريخٍ تجلَّى = بمجــدٍ في الفخارِ لـه انْبهـارُ !
أَأْنتم مَن ورثْتُم ذي المثاني = لكم فيها بلا ريبٍ نجارُ !(3)
أَأنتم ويحكم أتباعُ طــه = إليه بنورِ دعـوتِه يُشارُ !
مكانتُكم لهـا عـزٌّ وفضلٌ = وبوَّأهـا لكم ربٌّ يَغـارُ
فكيفَ هجرتُمُ الإسلامَ هجرًا = فللأيامِ نُكْـرٌ واصفرارُ (4)
لأُمَّتِكم مـزايا لاتُجَارى = بهـا الإيثارُ يُضرَبُ والجِـوارُ
فآثرتُم قبائحَ عن سجايا = بدينِكم الحنيفِ هي النضارُ (5)
وملتُم بعد وهنِكم لغربٍ = خبيثِ المكرِ شيمتُه المضارُ
وللشرقِ الذي ماكان إلا = لخسَّةِ كفرِه ولـه ازورارُ
فماذا قد وجدتم من هواهم = سوى الإذلالِ يتبعه احتقارُ !
وماذا قد جنيتُم من عطايا = حضارتِهم فمرماهـا بـوارُ
وفيها للورى ظلمٌ وقهرٌ = وبأسٌ قد دهاكم حيثُ جـاروا
ألَـم تستنطقوا وجـهَ المآسي = وأنَّاتٍ لها في الصَّدرِ نـارُ
لَـوَهْمٌ قد تكلله افتراءٌ = وفيه لِمَـن أطاعَهُـمُ دثارُ
هي الويلاتُ في حقبٍ توالتْ = نشاوى في تعنتِهِـم تُـدارُ
دماء قد أسالوهـا جزافًا = لمجراهـا القلوبُ لهـا انفطارُ
حروبٌ عالميتُها أبادتْ = ملايينًا لساحتها احمرارُ
على الإسلامِ غارتُهم تمادتْ = وفي أسبابِ شدَّتِهـا ازورارُ
أُوارٌ في ملامحها وجمـرٌ = تثيرُهما الضغائنُ لا الحِـوارُ
فلا السلمُ المُرجَّى من هواهم = فلِلسِّلمِ انطماسٌ واحتضارُ
وإثْمُ تَقَدُّمِيَّتِهِمْ عظيمٌ = فقد باؤوا بـه فبـه المـرارُ
إذا كان التقدمُ في هلاكٍ = لأهـلِ الأرضِ يابئسَ العَمـارُ
فَعُمَّـارُ البروجِ ومَن بَنَوْهَا = على وجلٍ وقد ثارَ الغبارُ
قنابلُهم أطاحتْ بالأماني = فللطاغين عـارٌ واحتقارُ
ليالٍ دامياتٌ في شعوبٍ = لها شكوى تعودُ وتُستَثارُ
أَمَا أمستْ مغانيهم يبابًا = وعـجَّ الثُّكلُ فيهـا والقُتـارُ (6)
ألا من شرِّهـم لله نشكو = ومن كيدِ الأسافلِ يُستجَارُ
ملكناها مدى حقبٍ فعاشتْ = مغانيهم يُجمِّلُهـا اخضرارُ
بظلِّ شريعةِ الإسلامِ أمنٌ = فلا الشَّرُّ المقيتُ ولا الدمارُ
فللإسلامِ نهجٌ لايُجَـارى = ولـم يلحقْ كتائبَه شَنارُ
ولم تَظلمْ ولم تَغدرْ وحاشا = فشيمتُها التراحمُ والوقارُ
وحُسْنُ الخُلْقِ معْ قيمٍ حِسانٍ = وللعدلِ ابتهاجٌ وانتصارُ
فَمَنْ تبعَ الشَّريعةَ فازَ حقًّا = ومن أهـوالِ ما يُخشَى يُجـارُ
بيوم الحشرِ تُفْتَضحُ الخفايا = ولمَّـا ينفعِ العاصي اعتذارُ
إذا اجتمع الخلائقُ بعد موتٍ = فليس لظالمٍ فيهِ قرارُ
هـو التوحيدُ ملجأُ كلِّ ناجٍ = وللنَّاجين في الجنَّاتِ دارُ
ومَن يشركْ بخالقِه تردَّى = وآوَتْ زمرةَ الكفَّارِ نـارُ