هوامش :
(1)جاحم : الجمر المتوهج ، أو المكان الشديد الحرارة .
(2) راذم : الضعيف المهزول .
(3) الخب : اللئيم ، ورجل خبٌّ أي خدَّاع ولا يدخل الجنة خبٌّ ولا خدَّاع .
(4) سعد بن معاذ : روى البخاري ومسلم عن جابر رضي الله عنه قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اهتز العرش لموت سعد بن معاذ. قال الحافظ بن حجر في الفتح: والمراد باهتزاز العرش استبشاره وسروره بقدوم روحه، يقال لكل من فرح بقدوم قادم عليه اهتـزَّ له فرحــا .
(5) ليأفكنا : ليصرفنا ، ليبعدنا .
(6) قال الله تعالي: ( إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلنــاه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلاً أو نهـــارًا فجعلناها حصيدًا كأن لم تغــــن بالأمس، كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) 24/ يونس .
(7) السُّلْوَانُ : ماءٌ كانوا يزعمون أَن العاشق إِذا شربه سَلا عن حبه. و السُّلْوَانُ دواء يشربه الحزين فَيُسليهِ ويفرّحه، أما في جهنم فهو الحميم وما أدراك ماالحميم !!!
الشَّاهدُ الأبرارُ للقرآنِ = ولسُنَّةِ لم ترضَ بالإذعانِ
والحارسُ : الجيلُ المسلحُ بالهدى = وبصحوة الألبابِ والوجدانِ
وأرادها في عصرنا عُمَريَّةً = تطوي جماحَ الفرسِ والرومانِ
لـم تخبُ نارُ إبائه ويقينِه = بالفتح يُـزجَى من لدى الرحمنِ
فالجيلُ هـزَّته امتثالُ قيادةٍ = لطغاةِ عصرِ الكِبرِ والأضغانِ
وعُـدولُ أربابِ السياسةِ أفلستْ = في سوقِ أهـلِ المجدِ والفرسانِ
أما العدوُّ فراعَـهُ ما قـد رأى = من عـزمِ جيلِ رسالةِ الفرقانِ
فالحقُّ يبقى ليس يُطوَى شأنُه = والباطلُ استكبارُه لِـزوالِ
والجيلُ هذا الجيلُ باقٍ صخرةً = في وجهِ كلِّ مضللٍ وجبـانِ
لاينحني لاينثني عن دينِه = حتى يردَّ الأمنَ للبلدانِ
فشريعةُ اللهِ العظيمِ نجاةُ مَن = لايرتضون وساوسَ الشيطانِ
ولذلك استعرت قلوبٌ أُقفلتْ = بالغـيِّ والإجـرامِ والكفرانِ
عادوا شريعةَ ربِّهم واستسلموا= للملهياتِ صناعةِ الخسرانِ
غلَّتْهُمُ الآفاتُ وارتحلت بهم = عن موطن في الأرضِ للإنسانِ
ماكانَ إعمارُ المنازلِ غايةً = لكنَّـه الإعمــارُ بالإيمانِ
باللهِ باليومِ الذي فيه انجلى = ماكانَ من حــقٍّ ومن بُطلانِ
يوم الخلودِ بجنَّةٍ فيَّاضةٍ = بالخيرِ لايُحصى وبالرضـوانِ
أو للجحيمِ لكافرٍ ولظالمٍ = ولمَن أقـامَ عبادةَ الأوثانِ
هل للجناةِ أثـارةٌ ممَّـا مضى = غير اللظى للمفتري الخـوَّانِ
ولكلِّ أصحاب المذاهبِ صاغها = خبثُ اللئيمِ وخِسَّةُ الأعوانِ
ولذا فجيلُ الصحوةِ الكبرى مضى = رغم استماتةِ جاحـمِ العدوانِ (1)
يفدى حمى الإسلامِ في غدواته = ويصدُّ في الروحاتِ غدرَ الجاني
وتسيرُ قافلة الهدى جـوَّابةً = في الأرضِ رغـمَ مكيدةٍ وطعـانِ
لـم تلتفتْ لعواءِ ذئبٍ حاقدٍ = لـم يُخفِ نابَ فـؤادِه الحــرَّانِ
أو تكترث بنباحِ كلبٍ راذمٍ = جُـذَّتْ مخالبُه بأخبثِ جـانِ (2)
أغْنَتْ سمومُهُمُ الأباهرَ فانجلى = بفـؤادِ كلِّ مُدَلِّسٍ معوانِ
فبكلِّ يـومٍ يخرجون جديدَهم = ســمًّا يمورُ على فـمِ الثعبانِ
المفترون ، وبالسَّفاهةِ ما اغتنوا = ولبئسَ مافي محملِ العصيانِ
لو أنَّهم راموا الكرامةَ : أهلُها = قد فاخروا بطهارةِ الوجدانِ
ورصانةِ الرأيِ القويمِ وطالبوا = بقيامِ أمَّتهم بلا إذعـانِ
لكنَّهم عكفوا على هُبَلٍ وقد = صَنَعَتْهُ ذا شؤمٍ يـدُ الشيطانِ
فعلى المساوئِ والغواية شأنُهم = يُـردي مـداركَهم إلى الخذلانِ
تبَّتْ يدا نـذلٍ تفنَّنَ كاتبًا = بعدائـه لشريعةِ العدناني
بقصيدةِ شمطاءَ يطويها الدجى = أو قصَّةٍ تزورُّ في القيعانِ
أو فكرِ ممتهنٍ ، ودسِّ مُعَفَّرٍ = بالعارِ ــ تعرفه ــ وبالبهتانِ
لُعِنُـوا فهم سببُ الخرابِ لأُمَّـةٍ = أمستْ بدارِ مهانةٍ وأماني
فقدوا الأحاسيس التي لـم تُفْتَقَدْ = عند الحميرِ فيالَه من وانِ !
يا أمَّتي عـذرًا فمثلكِ لانرى = أُمًّـا رؤومًا قد طوتْ لهـوانِ !
نامتْ على الوجعِ الممضِّ وَوِلدُها = سهروا على التهريجِ والألحانِ
إذْ عقَّها الولدُ الشَّقيُّ ولم يقلْ = إلا هٌـراءَ معاندٍ وأناني
وأذاقها الويلاتِ ممَّـا يجتني = من سوءِ تربيةِ وزيفِ لسانِ
لكنها فازتْ لِحُسنِ ثباتِها = ولصبرِهـا في محنةِ الخذلانِ
أما البنون الخارجون على الهدى = الهازئون بدينِها الرباني
فاللهُ خصمُهُمُ وإن طالَ المدى = واللهُ يفضحُهم بكلِّ أوانِ
إنا على العهدِ الوثيقِ ولم نزلْ = للحـقِّ رجعيِّينَ للديَّانِ
للدِّين عاشتْ أمَّتي وتنعمتْ = أجيالُها بمآثرِ الإيمانِ
وأنا لديوانِ الوفاء نظمْتُها = ولذكرِ مجدِ المسلمين دعاني
هـو وحيُ ربِّ العرشِ في عليائه = وهو الصراطُ المستقيمُ الهاني
وبها النَّبيُّون الأفاضلُ بشَّروا = موسى وعيسى والخليلُ الباني :
رفع القواعدَ للعبادة والتُّقى = ودعـا لها الأجيالَ في الأزمانِ
اللهُ أكبرُ لم تزلْ جـوَّابةً = أبدَ الدهورِ بأعذبِ استحسانِ
مَن قالَ إنَّ الدِّينَ لم يصلح وقد = ولَّتْ مآثرُه من البلدانِ
هـو كافرٌ هـو ملحدٌ مستهترٌ = وهـو الشقيُّ الخِبُّ دون تــَوانِ(3)
عَـرَّتْ طغاةَ الأرضِ غطرسةُ الهوى = وهـم الذين استُؤثِروا للفاني
هاهم بديجورِ المقابرِ صُفِّدُوا = من بعدِ زيف ميوعةٍ وأغاني
لا والذي رفعَ السماءَ فبالهوى = والملهياتِ السُّودِ يلتقيانِ
في اللهو كم مكثوا به وكساعةٍ = مرَّتْ تمرُّ سُوَيْعَةُ الشيطانِ
صفعتْهُمُ الأقدارُ ما أبقت لهم = إلا نداءَ الحشرِ والميزانِ
وجدوا به خيباتِ زهوِ مجونِهم = فمآلُهم في الخلدِ بالنيرانِ
ذكِّرْ بها أعداءَ مَن أعطاهُمُ = خيرًا يفيضُ وللرخاءِ مغاني
كم ظالمٍ ولَّى يعاني حسرةً = بعدَ المماتِ لِمـا يلاقي الجاني
وبعصرنا هذا فهاهم أُهلِكُوا = بمصيبةٍ أو صفعةٍ بِسِنانِ
لم ينفع الفرعونَ من حرَّاسه = أحدٌ ولم يُدركْ من النُّدمانِ
راحوا تزفُّهُمُ لِلَيلِ قبورِهم = لَعَنَاتُ أمتِهم إلى الأذقانِ
فلقد أذاقوها مرارةَ بغيِهم = واللهُ منتقمٌ من الطغيانِ
ومن الذين تفرنجوا بل تُوِّجوا = بفسادهم تَبًّـا بلا تيجانِ
والخزيُ في الدنيا وفي الأخرى لهم = نارُ تفورُ بذلَّـةٍ وهـوانِ
الوعـدُ آتٍ ياطغاةَ زمانِنا = من غيرِ ما سندٍ لكم وبيانِ
فابكوا إذا شئتُم غــدًا وتوسلوا = هيهاتَ غابتْ نخبةُ الأعـوانِ
هيهات بعد جحودِكم لن تُرحموا = فاليوم يومُ العدلِ للديَّانِ
أما الهداة الصابرون على الأذى = المؤمنون بخالق الأكوانِ
فمسيرُ قافلةِ الهدى لم تنتكسْ = أبدًا فومضُ الفتحِ في الأجفانِ
وهـم الهُداةُ جنودُهـا وحُماتُها = ويجيرُهم ربِّي من العدوانِ
إن نالهم حقدُ الطغاةِ فربُّهم = لم يرضَ جـورَ سفاهةِ السلطانِ
فبكلِّ حـيٍّ جــدَّ في طرقاته = فرسانُهم فوق الدمِ الهتَّانِ
وبكلِّ فكرٍ حاربتْه سخافةٌ = من صنعِ أهلِ اللفِّ والدورانِ
يأبى السقوطَ فحرفُه في طهرِه = هو للسموِّ بدارةِ الرجحانِ
هو لايدورُ مع البغاةِ ولا يرى = إلا بديعَ بلاغةٍ وبيانِ
حمل العقيدةَ شامخا بإبائها = ورمى كنوزَ الذُّلِّ للفئرانِ
يومَ استبدَّ الظلمُ في بلداننا = واختلَّ كفُّ العدلِ في الميزانِ
أَبَتِ العقيدةُ أن نجامل ظالمـًا = أو خائنًا أو مجرمًا أو جــانِ
فالنفسُ إنْ ذلَّتْ بغيهبِ وهنِها = قعدتْ فلا تقوى على الطيرانِ
جذلُ العقيدةِ في القلوبِ كعُمْقِ ما = للجذوةِ الأولى من البركانِ
جندُ العقيدةِ بايعوا مولى الورى = وأتـوهُ بالتوحيدِ والإيمانِ
ولهم بسيرةِ صحبةِ الهادي صدى = نادى على الأفذاذِ والشُّجعانِ
طوبى لسعدٍ فالبشائر لم تزل = تترى على أهلِ الهدى الفرسانِ
واهتزَّ عرشُ اللهِ إذْ وافى إلى = جنَّاته مَن فازَ بالرضـوانِ (4)
تشتدُّ عاصفةُ الضَّلالِ ولم تكن = إلا الهباءَ تُساقُ بالطوفانِ
هو بطشُ ربِّك بالعدوِّ إذا بغى = ما لـم يكنْ في الأخذِ بالحسبانِ
غرَّتْهُمُ الأيامُ إذ ملكوا بها = سندا من القواتِ في الميدانِ
ونسوا بأنَّ اللهً يطوي ما لهم = من قوةٍ جبَّارةٍ وطعـانِ
أخْذُ العزيزِ إذا أتى ماردَّه = جبروتُ طغيانٍ مدى الأزمانِ
مَن غرَّهم زيفُ الحياةِ استُعبِدوا = للمالِ والنسوانِ والتيجانِ
ورأوا بها ذلَّ الشعوبِ تجارةً = ونسوا إذا بُعِثُوا إلى الديَّانِ
إنا لنحيا بالعقيدةِ أُمَّــةً = تأبى مداهنةَ العدوِّ الجاني
ولأُمَّتي خيريَةٌ مشهودةٌ = رغم العدا وضراوةِ الأضغانِ
إذْ أنها الأقوى بساحات الفدا = من قوةِ الطغيانِ والسَّجَّانِ
ومن العداوةِ شمَّرتْ عن حقدِها = وأتتْ بكلِّ معاولِ الأخـدانِ
والناسُ ويح الناس قد ركنوا إلى = ضيمِ الجناةِ وقهرِ كلِّ جبانِ
والمسلمون تقاعسوا وتفرقوا = وكأنَّهم درجوا بذي الأكفانِ
شُلَّتْ عـزائمُهم فما استلُّوا لها = سيفًا يقولُ إذا التقى الجمعانِ
لولا البقيَّةُ من كتائبِ عـزَّةٍ = ترمي العداةَ بقبضةِ الإيمانِ
فهُـمُ الأُباةُ وسعيُهم لاينثني = عن خوضِ ساحِ العـزِّ في الحدثانِ
نحيا ولم نلمحْ لخالدنا يــدًا = فاحتْ أطايبُها من الأردانِ
أو هـزَّتِ السيفَ الصقيلَ وردَّدتْ = تكبيرَها الأصداءُ في كيوانِ
هذي الدماءُ وقد جرتْ في قدسنا = وبشامنا الغالي وفي بغدانِ
والشَّدوُ ياللشدوِ أخـوى عـذْبُه = في الأمسياتِ ولم يكن بيماني !
دعني فأحزانُ الفؤادِ مريرةٌ = شكوى النوازلِ في مدى بلداني
أنردُّها آهٍ وكيفَ نردُّها = مثلَ الربيعِ الـريِّقِ المزدانِ !
فلقد سعينا في الخرائبِ ، والربا = باتتْ بلا سُحُبٍ ولا بستانِ
ونعيشُ أمواتًا فلم نعلمْ بما = قد خطَّطَ الأعداءُ للأوطانِ
لكنَّ جيلَ الصَّحوةِ الكبرى أبى = إلا مقارعةَ العدوِّ الجـاني
أولمْ تــرَ الأطفالَ قد رجموهُ في = طولِ البلادِ اليومَ بالصَّوَّانِ
لم يرهبوا الموتَ الزؤامَ لأنهم = شبُّوا بفطرتهم على الإيمانِ
ورأوا بنا الجبناءَ دونَ حقوقِنا = ولحبِّنا لوسائلِ العصيانِ
ورأوا بنا وجـهَ الهزائمِ كالحًا = لاخيرَ فيه لنهضةِ البلدانِ
ورأوا مصارعَهم على شرف الهدى = أجـدى وإن وثبوا بلا أعـوانِ
ماتتْ ضمائرُنا فلم نشعرْ بما = يكوي قلوبَ الفتيةِ الفرسانِ
وقستْ بأضلعِنا القلوبُ لأننا = عشنا بلا عظـةٍ من القرآنِ
أين البطولاتُ التي نصغي إلى = كلماتِهـا في غمرةِ الميدانِ ؟
مَن أهلُ حليتها ومَن فرسانُها؟ = هيهاتَ إنَّ رحيلَها أشجاني
لم يملكوا إلا اللذائذَ والهوى = ولسانَ سوءٍ في ثيابِ هـوانِ
أحيتْ بطولاتُ الرجالِ مروءةً = وشهامـةً تأبى على الإذعـانِ
ولقد رأيتُ سيوفَهم تغشى العدا = وسيوفُنا نامت على الخذلانِ
ورأيتُهم صفًّا على أعدائهم = في غمرِ معركةٍ وساحِ طِعانِ
حكموا بدين اللهِ فانقادت لهم = أمــمٌ وأدناهم بنو الإنسانِ
ماذا أقولُ وللمقالِ مرارةٌ = ولمَن أقولُ اليومَ يا إخواني !
هذي رحابُ الحـقِّ ماضاقتْ على = مَـن يسلكون طرائقَ الرضوانِ
نادت بنا آلامُ أمَّتِنا فلم = ننصتْ لصوتِ تفجُّعِ الحـرَّانِ
نمنا على الضيمِ الثَّقيلِ وبعضُنا = ماجاءَ تـوَّابًا إلى الرحمنِ
بل أنكروا شرعًا لهم تحيا به = روحُ الشعوبِ وأنفُسُ الشُّجعانِ
إن كان عــزُّ الناسِ في طغيانِهم = فعزيزُ أمَّتِنا بـلا طغيانِ
أو كان فخرُ الناسِ في إلحادِهم = ففخــارُ هذا الشَّعبِ بالإيمـانِ
أو كانَ سِفرُ الناسِ نهجَ ضلالِهم = فرشادُ أمتِنا هــدى القرآنِ
ماكان من عربِ النَّبيِّ معربدٌ =أو سيقَ مؤمنُهم إلى الأوثانِ
ركلوا أباجهل الغويَّ بنعلِهم = ودعوا شتاتَ العربِ للتِّبيانِ
ماحاربَ الإسلامَ إلا كافرٌ = ولئنْ أبى فَلْيَأْتِ بالبرهانِ
إنَّ العروبةَ لـم تكنْ لولا الهدى = إلا غثاءَ الجهلِ والأضغانِ
في الجاهليةِ عشعش استئناسُها = بعمى بني عبسٍ وفي ذيبانِ
ويح العروبةِ أنطِقُوها مَـرَّةً = حتى تروا مكان من عدوانِ
إنَّ العروبةَ يومَ بــدرٍ أسلمتْ = ورمتْ ثيابَ العارِ والخذلانِ
ورأت بمصحفها الفخارَ ورفرفتْ = راياتُ دينِ اللهِ في البلدانِ
للحقِّ أحياها كتابُ مُحَمَّــدٍ = فسعَتْ ربيعًا مزهرَ الأفنانِ
وبشرعةِ الإسلامِ عاشت أُمَّـةً = أقوى من النيران والرومانِ
وأجلَّ من تاريخِ أيامٍ مضتْ = للهندِ أو للصِّينِ واليونانِ
قـد أقسمتْ هذي العروبةُ أنها = لن تلبسَ المجدَ القشيبَ الهاني :
إلا على سنى هَدْيِ الرسولِ مُحَمَّدٍ = وعلى جليلِ المهجِ الرباني
فَلْيرفقوا بنفوسِهم أبناؤُهـا = وَلْيَرْجِعُوا للـدِّينِ والدَّيَّـانِ
هيهات يقوى للعروبةِ عـودُهـا = ويعودُ زهــوُ المجدِ للعربانِ
وتمدُّ أجنحةَ الأمانِ على الورى = وتردُ مكرَ المستبدِّ الجـاني
إلا بنورِ مُحَمَّدٍ في هـدْيه = وبـزادِ سُنَّتِهِ على الأكوانِ
فبغيرِه ذقنا الهـوانَ ولم نزل = غرضًا لكلِّ مخاتلٍ وجبانِ
ولكلِّ طاغوتٍ تلوَّنَ ماكرًا = عبثا ليأفكنا عن الركبانِ (5)
وبدربِ كلِّ مضلِّلٍ لـم يـدرِ مـا = ترمي إليه حكايةُ الإذعانِ
فلقد غدتْ أوطانُنا نهبًا لهم = ولحومُنا تُهدى إلى الذؤبانِ
نحيا بلا روحٍ على أرضٍ لنا = وكأنَّ أربُعَهَا بـلا سُكانِ
ياربِّ أنقذنا فقد جاروا على = أهلِ الشَّريعةِ والهدى القرآني
قد آلمونا فالجراحُ خضيبةٌ = لكنَّنا صُبُرٌ على الأشجانِ
عنوانُ غربتِنا شحوبُ إهابِنا = ودوِيُّ صوتُ العـزِّ في الشريانِ
وهديرُ روحٍ لاتنامُ ذليلةً = تسقي أمانيها يــدُ الرحمنِ
وسحابُ خيرٍ لايغيبُ عطاؤُه = فالجدبُ رحَّلَهُ هبوبُ عَنانِ
إنَّا مع الرحمنِ ساعةَ عسرِنا = ورخائِنا أبــدًا بكلِّ أوانِ
لسنا لتأسف أن نخوضَ بعيشِنا = بين الصروفِ السُّودِ والأحـزانِ
والآخرون بلهوِهم وفسادِهم = يرعون مثل البهمِ في القيعانِ
فهي الحياةُ متاع أيِّ مسافرٍ = ولنحنُ نرجو منحةَ الرضوانِ
ملعونة إلا الذي لله قد = كانَ المرادُ به هدى الفرقانِ
فالأمرُ يومئذٍ لربٍّ بارئٍ = للناس يجزي جمعَهم والجــانِ
نحيا لنبني في الجنان مآلنا = في ظلِّ خالقنا بخيرٍ دانِ
نرجو الرحيمَ قبولَ أعمالٍ لنا = لنفوزَ إن يرضى بطيبِ جِنانِ
هذي الحياةُ قريبةٌ آجالُهـا = ليستْ تدومُ وما عليها فـانِ
وكفى لأمتنا بهـا فخرًا إذا = فازتْ بدارِ الخلدِ والتحنانِ
لاننتمي أبدًا لغيرِ نبيِّنا = مهما اشمخرَّ الكفرُ بالعصيانِ
ولئنْ أتانا مكفهرًّا حاقدا = سيرى بنا عـزًّا وثبتَ جَنَانِ
فعلى المكابرِ تشمحرُّ جباهُنا = مهما بـدا من قـوَّةِ الأركانِ
ماكانَ أقوى من يَدَيْ فرعونَ في = جبروته أو من يَدَيْ هامانِ
غرقا فلم ينقذْهُ مَن عبدوهُ مِنْ = هـولِ المآلِ ولا من الأعـوانِ
نالوا جميعًا ماجنتْهُ فِعالُهم = فمآلُهم في الحشرِ للخسرانِ
إنا على العهدِ الوثيقِ وهذه = صفحاتُ عروتِنا بلا بهتانِ
نحيا ودينُ اللهِ فخرُ شعوبِنا = ورضاهُ زادُ مواكبِ الفتيانِ
في أُمَّـةٍ هبَّتْ تعيدُ إباءَها = من سجنِ أهلِ الذُّلِّ والإذعانِ
تأبى الشعوبُ بأن تُقادَ لظالمٍ = إلا إذا فقدتْ عـرا الإيمانِ
والمسلمون اليومَ صحوتُهم أتتْ = نارًا تذيبُ متانةَ الطغيانِ
هاهـم يلبُّون النِّداءَ تهزُّهم = آياتُ بارئهم وصوتُ أذانِ
والحـقُّ تسمعُه الضمائرُ إن علا = بنداءِ أهلِ الفضلِ في الأعنانِ
ولربَّ صوتٍ كالرعودِ مجلجلٍ = لايستقرُ صداهُ في الآذانِ
إن مات في الناس الوفاءُ لدينِهم = تشهدْ هناكَ تكدُّسَ الأبدانِ
فالموتُ أوْلَى بالذين تماوتوا = ورضوا حصيرَ الثُّكلِ والحرمانِ
لكنَّه الإيمانُ باللهِ الذي = يحيي نسيمَ الروضِ بالريحانِ
وكأنَّني أستافُ من أرج الهدى = أمـلا يبدِّدُ وحشةَ السُّكَّانِ
لايأسَ يقصمُ ظهرَنا فيقينُنا = أبقى من الأرزاءِ والطوفانِ
هذا هـو الإسلامُ ينفحُ أُمَّةً = ويعيدُ رفعتَها من الأكفانِ
هبِّي فقد طالَ الرقادُ وكبِّري = فالظلمُ والجاني سيعترفانِ
عنوانُ غربتنا وإن طال الجفا = عبقُ الغيوبِ يرفُّ في الأجفانِ
والعينُ ترنو للسماءِ يحثُّها = ماجاءَ من وحيٍ ومن إيذانِ
ولعلَّ أبوابَ السماءِ تفتَّحتْ = لمقَرَبِّين أولي يــدٍ وتفاني
في كلِّ فجرٍ هدأةٌ روحيَّةٌ = لمن استجارَ وليس بالوسنانِ
فيها يبثُّ مع الدعاءِ همومَه = للهِ وارتفعتْ إليه يــدانِ
فيحس في النجوى خشوعَ فؤادِه = وهبوبَ نفحاتِ الرضا بمكانِ
ستنالُ أُمَّتُنا مكانتَها فقد = آنَ الأوانُ وليس زيفَ أماني
لتعيدَ للدنيا رسالةَ أحمدٍ = وتزولَ كلُّ مظاهر العصيانِ
إذْ ذاكَ يصغي المارقون لصوتها = ولعلهم آبـوا بغير تـوانِ
فلقد رأوا فضلَ الكريمِ عليهمُ = لـم تلفِه في عيشهم عينانِ
غرباءُ في الدنيا وفي أحنائنا = زهوُ الهدى يُغني عن التبيانِ
ياربِّ لم نجزع لأرزاءٍ شوتْ = أكبادَنا بتلهُبِ النيرانِ
ياربِّ ماضاقتْ بنا أرجاؤُها = فلأنتَ مولانا بكلِّ زمانِ
ولنحنُ أجنادٌ لرايةِ دينِنا = سنصونها بفؤادنا وسِنانِ
وبكلِّ قلبٍ لاينامُ إلى الضُّحى = ويُميتُ روحَ البَثِّ بالإذعانِ
والموتُ من أسمى الأماني عندنا = لرضاكَ ياربِّي بكلِّ أوانِ
ياربِّ أثلجْ بالقبولِ صدورَنا = واقصم ظهورَ عصابةِ الشيطانِ
وانصرْ بنا راياتِ دينِك إننا = لجنودُ نُصرةِ سُنَّةٍ ومثاني
وانشر نسائمَ عفوِك الحاني على = أهل اليقينِ بعفوِك الهتَّانِ
أمـمٌ تداعتْ والضَّلالةُ دينُها = لهلاكِ أمتِنا بكلِّ مكانِ
ورموا وراءَ ظهورِهم قيمًا أتتْ = يُهدَى بها في العالَمِ الثَّقلانِ
ظنُّوا بأنَّهم العتاةُ وأنهم = لن يُغلبوا والظَّنُّ في الأذهانِ !
فأتاهُمُ أمـرُ القدير فإذ بهم = مثل الغثاءِ يمورُ في البُطلانِ
اخذوا بهذا العصرِ زخرفَهم فلم = تنفعْهُـمُ أسطورةُ الهذيانِ (6)
فاستيقظتْ دنيا الورى لقشيبِها = واهتزَّ وجـهُ الأرضِ بالشُّكرانِ
للهِ ربِّ العرشِ أخزى مَن طغى = وانهدَّ صرحُ فسادِه الصِّبياني
وتباشرتْ فرحا مساءاتٌ شكتْ = من قبلُ من حقبٍ بلا استحسانِ
وأتتْ ليالٍ مقمراتٌ في المدى = تاهَ الزمانُ بزهوِهـا النشوانِ
فالحمدُ للهِ الذي نصرَ الهدى = وكبا جوادُ الظالمِ الغرثانِ
كانت بأشداقِ الطغاةِ كأنها = أنيابُ وحشٍ ليس بالأسنانِ
فلهم جزاءُ الضِّعفِ في وادي لظى = لـم يبقَ من سندٍ ولا سُلوانِ