قد تراءى أبو عبيدة يحــدو
أسعفينا بالمـرهفـات العوالي = واستفزِّي امتشاقَ بيضَ الصِّقالِ
ياليالي الرجال باتت ربانا = تتأذَّى من سطوةِ الأهـوالِ
بات يسقي الثرى الأسيرَ دمــاءً = فجَّرتْها أضغانُ أهل الضَّلالِ
ياليالي أما دهاكِ شقيٌّ = من ذئابِ التضليلِ في القسطالِ (1)
أَوَمَـا جَـــرَّ فجرَكِ الوضيءَ بعيدًا = ثمَّ ألقى سلاسلَ الأغلالِ
لِيُميتَ النهارَ حتى يغنِّي = للسُّكارى دناءَةَ الأنسالِ
من زنيمِ إلى اللئيمِ ليحظى = بمَواتِ الشعوبِ في الإمحالِ
كفَّنونا من قبلِ موتِ فؤادٍ = ليس يرضى حماقةَ الضُّلاَّلِ
الأذلاءُ ما توانوا بيومٍ = عن فسادٍ لشعبنا وضلالِ
ولزيفِ الترفيه عاشوا جنودًا = فيه للعُهـرِ نخبةُ الأنـذالِ
من محيطِ البلادِ ضجَّتْ قلوبٌ = لخليجِ ابتهاجِهم بالخَبالِ
أين قومي من الأشاوسِ كانوا = في سُمُوِّ التاريخٍ والأمثالِ !
أين أيامُ مجدِهم ماجنَتْها = ذاتَ يومٍ حقيبةُ الإهمـالِ !
الميامينُ ماتناسوا كتابًا = فاصطفاهـم في موكبِ الأبطالِ
مالوتْ أيديهِمْ زخارفُ لهـوٍ = أو عـوى كلبٌ في حِمَى الرئبالِ
أو تآخوا مع العدوِّ فهانوا = في دياجيرِ خِسَّةٍ وابتذالِ
أو أُهينوا وبالإهانةِ صاغوا = ما بأقدامهم من الخلخالِ !
ويحهم ويلهم حفاة عراة = بعدُ من ثوبِ عـزَّةٍ الأقيالِ
لهمُ المجدُ كلُّه لو أنابوا = للعزيزِ الحكيمِ ذي الأفضالِ
مالهم أمعنوا بكلِّ زهيدٍ = وارتدوا من قذارةِ الأسمالِ !
مالهم يُكرِهون أهلَ المعالي = ليُزَجُّوا في ظلمةِ الأهوالِ
وَلِــمَ الحربُ من طغاةٍ بُغاةٍ = لاعلى الأعــدا بل على الأشبال ؟
ليُميتُوا مروءةً في نفوسٍ = أوقدتْها ضراوةُ الأغلالِ
إنَّــه جيلُ أُمَّــةٍ أخرجتْها = من جحيمِ السجونِ والإذلالِ
دوَّخوها بظلمِهم وامتهانٍ = وفجورٍ يُباحُ في كلِّ حــالِ
إنَّهــم يحرقون كلَّ كتابٍ = سطَّرتْهُ أناملُ الأنجـالِ
ولقد باعوا زهوَ مجدِ شعوبٍ = نسجَتْهُ بأحسنِ المنوالِ
نَضَّدْتْهُ بصدقها في عصورٍ = برحيقِ المنــى وبالإفضالِ
نخبُ في أفعالهم عربداتٌ = دَرَنُ الفسقِ جرَّهـم للوبالِ
فتعاووا في كلِّ نادٍ تلَظَّى = فيه تُلْفَى مساوئُ الأقوالِ
مـزَّقوا حـرمةَ السَّجايا وتاهـوا = في المهاوي الرذيلةِ الأفعالِ
فترى فيهـا من زنيمٍ و وغــدٍ = يتعالى على كــرامِ الرجالِ
وغبيٍّ يحثُّـه العُجبُ زورًا = لارتكابِ الأسواءِ والإخـلالِ
ليقولوا عمَّــا جناهُ شقيٌّ = إنَّـــه المثقفُ الطويلُ المقالِ
بئسَ عصرٌ فيه الحثالةُ سادوا = واستفادوا من القبيحِ المُــذالِ
يالَعصرٍ فيه الهُــراءُ تفشَّى = ما رأيناه في العهودِ الخوالي
أولم ينته المنافقُ والمرجفُ . = . ضــلَّا وأمعنا في الضَّلالِ
مرضٌ في قلبيْهما وعمــاءٌ = أسلَمَا ما لديهمـا للزوالِ !
هي أيامُ عــزَّةٍ لقلوبٍ = مؤمناتٍ تُـدالُ للأجيالِ
ولجمعِ المنافقين وبالٌ = ماتخطَّى أيامهم بالوبالِ
ولأصنافِ المرجفينَ انتكاسٌ = لحُـلومٍ غطسْنَ في الأوحـالِ (2)
يسمعُ اللهُ هذرَهم ويرى ما = قد جنوا من كبائرِ الأفعالِ
ويجازي الديَّانُ كلَّ أثيمٍ = قد بغى والمصيرُ للإعــوالِ
هم يسيمون مَن تغنَّوا بمجدٍ = ليس يُطوَى بعاصفِ الزلزالِ
إنَّهـم جندُ دعــوةٍ قد حماهـا = بارئُ الكونِ من رزايا ثــقالٍ
وحباها من فضلِه باعتدادٍ = ماتراءى على أيادي الزوالِ
وتردَّى عدوُّهـا أَسِفًـا في = غمـراتٍ تُفضِي وراءَ الآلِ (3)
العدوُّ الملعون والنُّخبُ اهتزَّتْ . = . وألقتْ تَرَقُّبَ الآمـالِ
ماتَ زهوُ استكبارِهم وتلاشى = لاحتقارٍ مازالَ للمختالِ
يشتكون استسلامَهم لقضاءٍ = هـو مـاضٍ لطمسِ هذا الخبالِ
ولهم في الأيامِ عاقبةُ الخزي . = . فمثواهُـمُ بــدارِ الخَبــالِ (4)
شاءَ ربِّـي أن يهلكَ النخبَ انحازتْ . = . لأوكارِ فتنةِ الأجيالِ
فأقاموا للعُهرِ دورَ ابتذالٍ = لاختلاطِ النساءِ بين الرجالِ
وأتـوا بالمسترجلاتِ عرايا = باحتفالاتِ خسَّةٍ وابتذالِ
وأشاعوا سوءَ المزايا لديهم = بانحطاطِ الإعـلامِ في الإرسالِ
ألفُ وجهٍ لذا الهُـراءِ خبيثٍ = ويماري تقلُّب الأحـوالِ
ثم شدُّوا سواعدَ المكرِ شدًّا = لانكفاءِ الإسلامِ بالأغـلالِ
ليُنيموا الأبرارَ من أمَّـةِ الخيرِ . = . ويطووا مـآثرَ الأبطالِ
فاضمحلَّت آراؤُهم والأماني = وأماني اليهودِ في اضمحلالِ
قـد رآها كسنجرٌ حيثُ نادى = مَن تَوَلوا إقامةَ التمثالِ !(5)
قائلا بل محذِّرًا ليهودٍ = من سجايا جليلةِ الأفعــالِ
وهـو اليوم في الردى يتلوَّى = غضبُ اللهِ ليس للإهمـالِ
إنها الأمةُ التي قـد أُنيمتْ = وعرتْهـا نوازعُ الإذلالِ
وهي الأمةُ التي قد أفاقتْ = وصحــا ربَّانُهـا للنـزالِ
وهو الإسلامُ العظيمُ ينادي = والملبُّون اليومَ في إقبالِ
في حنايا طوفانِ غــزَّةَ ضجَّتْ = أمَّتي بالتكبيرِ بين الرحالِ
واستجابتْ شعوبُه رغم ظلمٍ = وحصارٍ قد هَــلَّ حُسْنُ الفــالِ
ماجزعنا من الخطوب ادلهمَّتْ = والمصيبات في ظلامِ الليالي
ومن الكيدِ لـم يزل في اضطرادٍ = من بقايا الفلولِ والأذيالِ
ومن المجرمين عضُّوا بنابٍ = بين حقدٍ وخسَّةٍ واختيالِ
كم رأينا من المَشَاهدِ تدوي = لانتقامٍ يفورُ في الأوصالِ
فالجثامينُ للمُشَاهدِ تروي = مالدى القاتلين من أنـذالِ
فتراهم يسترهبون أناسًا = كالنساءِ انزويْنَ والأطفالِ(6)
فلقد ساموا الآمنين عذابًا = لم تسطِّرْه مُــديةُ الأهـوالِ !
لُعِنَ البغيُ والصهاينةُ الحقدُ . = . أغرى أحفادَه بالوبالِ
فَتَلَقَّـاهُ كالجحيمِ رضيعٌ = فالرضيعُ المصابُ تحت الرمالِ
لعنةُ اللهِ لم تغادرْ يهودًا = من لَـدُنْ تيههم لهـذا الحالي
وكفى المجرمين لعنةُ ربِّي = وجدوهـا في سوءِ ذا السربالِ
عاقروا الشَّــرَّ والأذى وأباحوا = حرماتٍ قد صانها ذو الجلالِ (7)
وبرغـمِ الأوجاعِ قد غَمَرَتْني = نفحاتٌ لـم تخطُرَنْ في بالي
فتفاءلتُ بالمـُــــــرادِ يقينًـا = لاسِواهُ في صحوتي وخيالي
ربِّ فـرِّج عنَّا وأدركْ خطانا = حيثُ سارت في غمرةِ الأهـوالِ
وأجِرْها من قبلِ أن تتردَّى = ثــمَّ تُلْقى في غيهبِ البلبالِ(8)
فبسلطانِكَ استجرْنا وعشنا = لانبالي بشدَّةِ الزلزالِ
ماغَفَوْنَا وللمكارهِ خـطبٌ = في ضُحانا يجــولُ والآصالِ
والثَّكالى ياربَّنا واليتامى = والجراحاتُ ربِّ في إخْضَالِ(9)
والأسارى وللقيودِ أنينٌ = لرجالٍ جنوا وسامَ الرجـالِ (10)
وبيوتٌ قـد دُمِّــرَتْ والمغاني = خاوياتُ الوجوهِ كالأطلالِ
ربِّ رحماكَ لاتذرْنا حيارى = في وجـومٍ لوطأةِ الأثقالِ
قد كفرنا بكلِّ طاغٍ وحزبٍ = وبإدبارِهم وبالإقبالِ
وبكلِّ المذاهبِ اليوم بارتْ = واضمحلَّتْ ياربِّ في كلِّ حــالِ
إنَّما دينُك القويمُ هَــدَانا = وأَرَانا فضائلَ الأعمال
واجتبانا لعزِّنـا بعدَ ذلٍّ = حيثُ ذقناهُ أيَّمــا إذلالِ
ولنا الفخرُ قد وجدناهُ يُملي = سُنَّةَ المصطفَى على الأجيالِ
فتباشرْنا بالحبيبِ وقد هـلَّ . = . يواسي الأبرارَ بالإقبالِ
وكفى مَنْ نَبِيُّـهُ مصطفانا = أن يكونَ استبسالُه في النـزالِ
في ظلالِ القرآنِ والسُّنَّةِ اليومَ . = . بصدقٍ ففيهـمـا خيرُ حــالِ
سيعودُ الإسلامُ دينًا ودنيا = رغــمَ كلِّ الأوغـادِ بالإجلالِ
قد تراءى أبو عبيدة يحــدو = في حنايا مسيرةِ استبدالِ
فتوارتْ أيامُ ذلٍّ وعــارٍ = واشمخرَّتْ قوَّاتُــه بالنَّكالِ :
لعدوٍّ أرغى وأزبدَ خِبًّـا = لايبالي كالوحشِ في الأدغالِ
عاشَ بغيًا وللمفاسدِ وافى = مستخفًّا بحرمةِ الآجالِ
شرُّه نالَ أيَّ طفلٍ تثنَّى = بِيَدَيْ أمِّــــه قرينَ الدلالِ
فأتتهُ قذيفةٌ من يهودٍ = فتشظَّى بضحكةِ المختالِ
عربداتُ اليهودِ سيما جبانٍ = باتَ يخشى فيالقَ استبسالِ(12)
قد أتوهم فما لهم من مناص = فالمنايا دنتْ بلا إغفالِ
فحماسٌ جنودُها وجهادٌ = وسرايا كتائبِ الأبطالِ
لن تموتَ الثَّاراتُ هاهي هلَّتْ = في وجوهِ الأحفادِ والأنجالِ
من ثمانين والليالي ثكالى = ليس فيها الفجرُ الوضيءُ الحـالي
إنَّـه الوعـدُ يايهودُ تجلَّى = بانتصارٍ فليس من إمـهـالِ
ليس يُجدي استنجادُكم بالأعادي = فالأعادي في قبضةِ الآجـالِ
إنَّــه اللهُ يهلكُ الأُممَ اغْترَّتْ . = . ببأسِ السلاحِ والأمــوالِ
إنَّـه اللهُ ربُّنــا ما قـلانا = وسِوانا ماكان لاستبدالِ
قد طرقنا بابَ الكريمِ وعُـدنا = ببشاراتِ ربِّنــا المتعالي
فسجدْنا لله نرجو قبولا = وانتصارًا على حشودِ الضَّلالِ(13)
وعلى المجرمين في كلِّ أرضٍ = دنَّسَتْها فعائلُ الأنــذالِ
لـك طوبى أباعبيدة فاصدعْ = بالبياناتِ ومضُهـا في الصِّقالِ
فحياةُ الضعاف موتٌ بطيءٌ = لا كما قـد يُقالُ من إقلالِ
هو وهْن القلوبِ والعيشُ فيما = تشتهي النفسُ من ذميمِ الخِصالِ
فارتضوا بالخسيسِ في كلِّ شأنٍ = وتعاموا عن عــزَّةٍ للرجالِ !!!
هوامش :
- القسطال : غبار يثور أثناء احتدام المعركة .
- المرجفون : هم الذين يشيعون الأخبار الكاذبة التي يكون معها اضطراب الناس ، ولا تخفى أفعال المنافقين على أحد ، وكلهم ــ أخزاهم الله ــ في بوتقة الفتن . يقول الله تعالى :﴿ لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا﴾ 60 / الأحـزاب
- الآل : السَّراب .
- الخبال : صديد أهل النار يوم القيامة ، ويسقى شارب الخمر من طينة الخبال .
- كيسنجر :يهودي صهيوني وزير خارجية أمريكا السابق ــ وقد انقبر قبل أيام ــ أرسل إلى رسالته المشهورة للمجرم القاتل مناحيم بيغن عام 1977م بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد المشؤومة مع أنور السادات ــ الذي قتله شعب مصر الأبي ــ وفيها يقول كيسنجر لمناحيم : لقد سلمتك أمةً نائمةً ، فخذ منها ماتشاء قبل أن تفيق ، واحرص على ألاَّ تفيق ، فإنها إن فاقت فسوف تسترد مـا فقدته في مئة العام التي مضت خلال عام واحد .
- يسترهبون : يخوِّفـون .
- عاقروا الشَّــرَّ والأذى : لازموهما وداوَمَوا على ارتكابها .
- البَلْبَالُ، والبَلْبَالَةُ : شدة الهمّ والوسواس .
- إخضال : إخضال الشيء : ندي، مبتل.
(10)الأسارى والأسرى: كلا اللفظين مأخوذ من مادة (أ س ر)، ومعناها: الحبس والإمساك. فالأسرى: الذين في أيدي أعدائهم، أما أسارى: الذين في القيد مُوثَقون، في إشارة إلى حالتهم من الضعف والإعياء تحت وطأة القيود . ( وهذه المعاملة القاسية ليست عند المسلمين ولله الحمد )
(11) النكال : ما نكلتَ به عدوَّك كائناً مَن كان .
(12) سيما : أي سيماء ، وسيماهم علامتهم وسحنتهم وهيأتهم .
(13) الضَّلال : فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ: بَعِيد عَنِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ، والضَّلاَلٍ هوالعُدُولُ عَنِ الطَّريِقِ
الْمُسْتَقِيمِ عَمْداً أَوْ سَهْواً.
وسوم: العدد 1063