غرناطة بين الأمس واليوم
وكتب الشاعر الإسلامي الكبير يوسف عبيد المحيميد قصيدة في 16 من رجب 1413هـ/ الموافق يوم السبت 09/01/1993م، أهداها:
إلى الغرسة المباركة الطيبة التي ما زالت تستمد طَلْعَها وأغصانَها من نخيل الحجاز.
إلى شُعلة النور التي ما زالت تستمد ضياءها من غار حراء.
إلى أبناء البوشناق الذين ما زال عزم محمد الفاتح يسري في دمائهم عِزةً وإباءً.
إلى المؤمنين الذين يتعرضون اليومَ لأفظع هجمة صليبية.
إلى الذين ينتظرهُم اليومُ الموعودُ المشرق؛ لتَرِفَّ رايات الخلافةِ على هاماتهمُ الأبيّة، إليهم أرفع هذه القصيدة:
الليلُ والصمتُ آلامٌ وأشجانُ ومَضْجَعٌ فوقَ جمرِ السُّهْدِ يقظانُ
وذكرياتُ من الأمس الذي نُسجتْ له من الدمعِ والأحزان أكفانُ
والشِّعرُ بالصدر جُرْحٌ نازفٌ وفَمٌ مُعَذَّبٌ لاهثُ الأنفاسِ ظمآنُ
أبا البقاءِ أعرْني مِنكَ باكيةً يَمُدّها وابلٌ للدمع هَتّانُ
وثورةً من جنونِ الحَرْفِ عاصفةً رياحُها، فهْي إعصارٌ ونيرانُ
غِرناطةُ الأمسِ عادتْ بعدما طُوِيتْ وكيف يَطوي جراحَ المجدِ نسيانُ
شاهدتَها تَرْتَمي ثكلَى، يعيثُ بها بطشٌ وفتْكٌ وتدميرٌ وعُدوانُ
أسرى مساجدُها، أسرى مآذنُها تعلوا عليها نواقيسٌ وصُلبانُ
وقد رأيتَ سباياها مُذَلّلةً تسطو عليهنّ وطَرْفُ الشمسِ حيرانُ
كانت عليها خدورُ العزّ ضافيةً كأنهنَ يواقيتٌ ومَرْجانُ
فأصبح الخِدْرُ بعد العَزِّ مُغْتصباً ومُزِّقتْ فيه أعراضُ وأبدانُ
أبا البقاء وصوتُ الشِّعر ما بَرحَتْ له على الدهر أصداءٌ وألحانُ
تَهدي مشاعِلُهُ السارين، كم قَطَعَتْ على سَناهُ ظلامَ الليلِ رُكبانُ
لكنّهُ ناشزُ الإيقاعِ خافتهُ إنْ أوصِدَتْ عنه أفكارٌ وآذانُ
وكان قارئهُ أعمى يعيشُ بلا سَمْعٍ، وسُمّارُهُ صُمٌّ وعُميانُ
أبا البقاءِ ألا ظَرْفٌ يلوحُ لنا من صَوْبِ قُرْطُبَةٍ والأفْقُ جَذلان
فَيَبْسِم النّورُ في أزهى حدائِقها للنازحين، ويسعى الرَّنْدُ والبانُ
ويشرق النورُ في أرجاء مسجدها ويُبْعَثُ القومُ أحياءً كما كانوا
أقبلْ من الغربِ وانْشُرْ ظِلَّ أجنحةٍ للفاتحين بها الآفاقُ تزدانُ
أيّامَ يُزْجي السرايا طارقٌ أسَداً والجندُ من خلفِهِ في الساحِ عِقْبانُ
أقبِلْ وفي يدكَ التاريخُ واروِ لنا من صِدْقِ أخبارِه آثارَ من بانوا
فعندنا نبأ من أهل أندلسٍ وفي الإعادةِ تذكيرٌ وعِرفانُ
صوتُ الأذانِ تعالى في جوانبها فَعَزَّ للمجدِ بُنيانٌ وأركانُ
مجلة الوعي، العدد 104 - السنة التاسعة – رجب الفرد 1416هـ – كانون الأول 1995م
وسوم: العدد 1063