أقبل العيد، وكانت الأسرة حزينة بسبب دخول الوالد سجون الطغاة، فراح الطفل يسأل أمه، أين أبي يا أمي ؟ ولماذا لا نفرح كما يفرح بقية الناس ؟
فكانت هذه القصيدة....
أماه أين أبي قد أقبل العيد= فالأنس من بعده في البيت مفقود
أين ابتسامته بالحب تغمرنا=كأنها منهل للشهد مورود
أين الهدايا قبيل العيد تغدقها=كفٌ بها يبسم التحنان والجود
وأين أثوابنا بالوصل زاهية= أما لها بعد طول العهد تجديد
وأين بشرى أمانينا يجددها=فجرٌ من العيد بالأحلام مولود
مازال طيف أبي في خاطري قبساً =يضيره لاعج في الصدر موقود
يحيا خيالٌ طفولي بصورته= كأنه ماثل للعين مشهود
وتارة في سراب اليأس ألمحه= يدنو به الوهم أو تنأى به البيد
أماه هل غالت الأيام بسمتنا= فما لأغنية الأفراح تغريد
هل للعجائب ترويها عجائزنا= فيما نراه بهذا العصر تأييد
هل قصة الغول والعنقاء زائفة= أم أنها واقع في الأرض موجود
وهل دماء الورى ما زال يشربها=في سكرة الظلم فرعون ونمرود
ترفقي يا ابنتي فالقلب تسحقه= كف الأسى فهو واهي الخفق مكمود
هذا الزمان الذي عمت بوائقه= فالعيش في ظله همٌ وتنكيد
يزوي به الروض فالأغصان عارية= حزناً وتخرس في الطير الأغاريد
عهدٌ به عادت الأصنام شامخةً= يُزجى إليهن تسبيحٌ وتحميد
وفأس آزر والنمرود في صلفٍ= عالٍ على العرش دون الله معبود
والجاهلية عادت في جهالتها= تزهو وللات تقديسٌ وتمجيد
والعلم يُثقل أعناق الرجال بها= والطفل في المهد قبل النطق موؤد
والعلم ما زال رعباً والبرئ به= في يقظة الفجر والأحلام موعود
وآكل اللحم من أكبادنا نهمٌ= كالوحش والناب مسعور وعربيد
وشاربُ الدمِ من أجسادنا ظميٌ= كأنما الدمُ عذب الماء مورود
لا تسألي يا فتاتي عن أبيك فقد= يطويه عيدٌ ويأتي بعده عيد
لا تسألي عنه فهو اليوم في جدث= من سجنه راسفٌ في القيد مصفود
ثاوٍ به في محيط نهجه قطعٌ=هوج غرابيب من لون الدجى سود
مروعٌ من كهوف الجن غيبه=بالخوف والرعب والإرهاب مرصود
فلا المغيب في الأعماق مرتجعٌ=ولا المكبل في الأغلال مردود
قد استوى فيه حيٌّ في سلاسله=وميت هامدٌ في الترب مفقود
* * *=* * *
كم بين أمٍ حديثٍ دار وابنتها= في كل بيت له رجعٌ وترديد
همس ٌ بكل فمٍ مر المذاق له= بين الجوانح تصعيدٌ وتنهيد
في كل مهجة ثكلى جمرة غُرست= وخنجرٌ غائر في الصدر مغمود
فرعون فوق عتي العرش خاضعةٌ= له بمصر العضاريض الرعاديد
كانت عناقيدها تكفي ثعالبها=لم يُفنها في أوان القطف الكرم تبديد
واليوم لم يبق غصنٌ في حدائقها= يزهو ولم يبق في الأوراق عنقود
عمَّ الظلام بها فالبيت مقبرة= لساكنيه ورحب البر تشريد
فلا سرور لأم أو لطفلتها= ولا أبٌ مستفيض البشر مسعود
حتى تحطم أصنام الطغاة ولا=يبقى على العرش فرعون ونمرود
ويرجع العيد أفراحاً مغردةً= وليس في صبحه همٌ وتنكيد