أَبْكِيكِ غزّةَ لمَّا عمَّكِ العَتَبُ= أبراجكِ دِمنٌ كأنها نُدَبُ
بعدما شمختْ في الجوِّ سامقة ً=وزانها ألقٌ كأنه ذَهبُ
جارتْ عليها عَوَاد خلفها إِحَنٌ= وهدَّها قاصفٌ بالنّار يلتهبُ
وسَاحُها رَحُبت بالدوح زاخرةٌ= قد زانها فَننٌ أرجاؤها قُشُبُ
حلّ الخرابُ بها ليلا فقوَّضها= يا جنّةً خَضِرتْ أَوْدَى بها الحَرَبُ
أين المَرابِعُ فيها سَوْسنٌ عَبقٌ= وزعترٌ فائحٌ بالعطر مُقْتَصِبُ ؟
أين السواقي وسَلْسالٌ له نغمٌ= بَرِيقه فضَّةٌ قد شابها الذهبُ؟
فالقصفُ صيَّره غورا وغيَّبه= عن الحياض من الإجداب تنتحبُ
أين المساجدُ للأذكار شَيَّدها= أهل التُقى كُلُّهم في جنة رَغِبوا؟
أين المآذنُ في الأسحار صادحةٌ= باسم الذي يَرتَجِي من عنده أَرَبُ ؟
هُدَّتْ معالمُها بالقاذفاتِ لَظىً= أسرابها بهزيع الليل تصطخبُ
أين المشافي التي شِيدتْ لِذي سَقَم= أضحت مرافقها بالردم تحتجبُ؟
أين الرمالُ بشطآن لها لُمَعٌ= والبحر يندبها والموج ينتحبُ؟
أين المعاهدُ بالأنوار زاهيةٌ= فيها المعارف والآداب تُكتَسبُ؟
واحسرتاه على محروسة غُزِيتْ= فالقلب مُنفطرٌ والدمع منسكبُ
يا غزّة العزّ ما لانتْ ولا وهنتْ= أبطالها بُهَمٌ قِسِيُّهم شُهُبُ
شُوَاظها ماحقٌ يُرْدِي العِدا بِدَدًا= فُلُولُهم من مَدَى الأصْفار تَنْتكِبُ
والخزيُ يلحقهم والذلّ والخَوَرُ=جيشُ الرَّعاديد فُرَّارٌ إذا غُلبوا
هُمُ الأجافيلُ والأنفاقُ تُرعبهم= والأُسْدُ زائرةٌ فيها وترتقبُ
أخزى الجيوشِ جيوشٌ لا خَلاَقَ لها= تُؤْذِي الأراملَ والأيتامٌ تنتحبُ
دَكَّت مراقدَهم بالنار تقصفهم= والماءَ تمنعهم والزادَ تستلبُ
بِئْس الجوارُ جوارٌ لا رفيدَ به= ذَلت جحافله يا حَسْرتا عَرَبُ
إن الغثاء وإن غَطَّى حواشيَه= لم يُنْمِ زَرْعا ولم يَنْضُجْ به عِنبُ
ياغزّةَ العزِّ أنْتِ الفخرُ والشرفُ= نِعْمَ البطولةُ والأمجادُ والحسبُ