والصرحُ صرحُ المجدِ يُبنَى بالهدى= لا بالهوى الممقوتِ في الآراءِ
وانهضْ بها رغمَ المواجعِ والأذى= وتضاحُكِ الأشرارِ باستهزاءِ
قد قالها قبلي الأفاضلُ في الورى= فاقرأ سلِمْتَ قصائدَ الشعراءِ
بوركتَ في الركبِ الكريمِ أخا الهدى= فالصَّبرُ جنَّةُ جحفلِ النُّصراءِ
(*) الحدباء :اسم للموصل ، ومن أسمائها أم الربيعين، ولها أسماء أخرى .
زمجرْ أجلْ : فالعزُّ دونك ناءِ=والحالُ حالُ بجاحةِ السُّفهاءِ
مَنْ لم يجرِّدْ في زمانك سيفَه=أمسى أسيرَ الطغمةِ الرَّعناءِ
قد عشتَ في زمنٍ مضى بمودَّةٍ=للناسِ كلِّ الناسِ في الغبراءِ
لكنَّ مَن خبثتْ لسوءٍ نفسُه=أغرى هواها رؤية الأشلاءِ
أولَم تَرَ الخبثاءَ مافعلوا بِمَن=عاشوا بلا شرٍّ ولا بغضاءِ
هو ذلك الإنسانُ يؤمنُ بالذي=ألفى السُّمُوَ على يدِ الغرَّاءِ
هو ذلك السنِّيُّ لايرضى سوى=من جاءَ يدعو للهدى الوضَّاءِ
ويحبُّ مَن يلفاهُ يسعى جاهدا=لسعادةٍ تُرجَى وظلِّ هناءِ
والآخرون كما ترى في غيِّهم=آخوا قبيحَ الإثمِ والفحشاءِ
وتفنَّنُوا بالقتل والتَّدمير في=أرضٍ شكتْ من وطأةِ الإيذاءِ
والمرجفون حثالةُ الناسِ ارتأوا=خبثَ الجناةِ وليس بالأمناءِ
أما المجوسُ الفرسُ فاعتزُّوا بما=للحقدِ من شرٍّ ومن إيذاءِ
جاؤوا بلادَ العربِ للتدميرِ لا=للخير نهج الشِّرعةِ السَّمحاءِ
فسلِ العراقَ وأهلَها عن بطشهم=والقتلِ في بغداد والحدباءِ(*)
أما الشآمُ فقد أذاقوها اللظى=فاستقرئِ الأهوالَ في الأنباءِ
وهناك في اليمن الذي عاثوا به=حربٌ على التوحيدِ والحنفاءِ
ماذا أُعدِّدُ عن مصائب أمَّةٍ=عاشتْ بلفحِ عواصفِ اللأواءِ
فصحتْ وآبتْ للذي برأ الورى=وأثابَ أهلَ الصَّبرِ بالآلاءِ
إذ نكَّلَ الأرجاسُ في أبنائها=بالقهرِ والتَّعذيبِ والإخفاءِ
ومن الأذى مالا له عينٌ رأتْ=أو عنه من أُذُنٍ صغتْ لبلاءِ
قومٌ بلا من بعض إنسانيَّةٍ=تنهى عن الإجرامِ في الأحياءِ
ولنا الفتوح تكلَّلتْ أيامُها=باللينِ والإيثارِ لا الشَّحناءِ
ماكان للظلمِ البغيضِ مكانةٌ=أبدًا لدى فرساننا الأكفاءِ
فتحوا البلادَ برحمةٍ ومودَّةٍ=وبنور دينِ اللهِ في الأرجاءِ
ماعربدوا واستكبروا أو دمَّروا=أو أعدموا الإنسانَ لاستعداءِ
نشروا المحبةَ والإخاءَ ولم يُرَوا=إلا بفيْءِ الشِّرعةِ السَّمحاءِ
ماهم كمَن فسدوا أو أفسدوا=أو أبرموا أمرًا من الضَّرَّاءِ
لم يُشهرِ السيفُ الصقيلُ تَجَبُّرًا=لكنْ لدفعِ مضرَّةِ الأهواءِ
في وجه كلِّ مُذمَّمٍ من نخبةٍ=ساءتْ قبائحُها بغيرِ حياءِ
من كلِّ ختَّارٍ بعصبةٍ مِلَّةٍ=للشَّرِّ جاءَ شواخصُ الأبصارِ
هذا زمانُ الجَورِ فيه تفلَّتتْ=هذي الوحوشُ بغابةِ الإغواءِ
فأتوا بِشَرٍّ لاحدودَ لِمَدِّه=حملوهُ تَبًّا باليدِ العمياءِ
للناسِ كلِّ الناس في زمنِ الأسى= حيثُ الشقاءُ على مدى الغبراءِ
إبليسُ عربدَ في لياليهم وقد= عمَّ الفسادُ على يد الزعماءِ
فالظلمُ والإرهابُ والقتلُ الذي= شهدوا مآتمَه بلا استحياءِ
أما الحضارةُ فالثيابُ (تزركشتْ)= بالزورِ والبهتانِ واللأواءِ
وبكلِّ ما ينفي الفضائلَ عنهمُ= وبكلِّ مافي الخبثِ من أرزاءِ
أحزابُهم فشلت وبانَ عوارُها=وخبيئةُ الماسونِ محضُ هراءِ
حكموا العبادَ بمكرهم وبمالهم= ونسائهم والفُحشِ والإغواءِ
وبآلة الإعلام ضلَّلَ كفرُهم= طمعًا بمحوِ الفطرةِ الفيحاءِ
لبُّوا نداءَ الكِبرِ مافطنوا إلى= يوم الحسابِ وشدةِ اللأواءِ
إبليس ضلَّلهم فعاشوا حوله= مثل الكلابِ بدونِ أيِّ حياءِ
وبغمرةِ الظلماتِ ضاعتْ أمَّةٌ= اللهُ أخرجها من الظلماءِ
بشريعةٍ جاءَ الحبيبُ مُحَمَّدٌ= بالرحمة المهداةِ والآلاءِ
ركنتْ إلى ماغرَّها من فتنةٍ= مشحونةٍ برذائلِ الأهواءِ
فاستسلمتْ لهوى الطغاةِ وجانبتْ= قيمَ الهدى والسُّنَّةِ الغراءِ
وتعللتْ بالخوفِ من طغيانهم= ومن انفلاتِ معاولِ السفهاءِ
عاثوا بأرضِ المسلمين وقتَّلوا= مَن دبَّ فوقَ ترابِها المعطاءِ
فهي النوازل لم تدع بيتا على= ماكان من أمنٍ ومن نعماءِ
فترى مناحاتِ الفجائعِ وبها= نالَ الجميعَ الكربُ بالضَّرَّاءِ
وبدا محيَّا الناسِ في أحزانهم= يروي أسى الأحداثِ في الآناءِ
ومضت لياليهم كما لم يرغبوا= ياحسرةَ الماضي على الأنضاءِ
لكنْ وربِّك لم أزلْ متفائلاً= أرنو وفي مقلي الدموع رجائي
أدعو ومن خجلي بحضرة خالقي= أبكي بكاءَ اليتمِ في الإدجاءِ
ربَّاهُ أنت وليُّنا ونصيرُنا= ولأنت مَن يُرجَى لكلِّ لقاءِ
أنتَ العليمُ بحالِنا لم نخشَ من= طاغوتِ هذا العصرِ و العملاءِ
لمَّا نزلْ جندًا لدينِ نبيِّنا= ولدفعِ غارةِ هذه البأساءِ
نحيا الثباتَ بقضِّنا وقضيضِنا= لم نخشَ عصفَ الغارةِ العمياءِ
بيديك ياربي مصارعَ مَن بغوا= ومن استخفوا بالهدى اللألاءِ
ومن استجاروا بالعدو ومكره= ومن استهانوا باليدِ القعساءِ
تابعْ مسيرَك يا أخي حيثُ الرؤى= تنجابُ في الإصباحِ باللألاءِ
فالدعوة الغرَّاءُ شرعةُ سيِّدي= خيرِ الأنامِ وقائدِ النجباءِ
والفتحُ يأتي بالجهادِ وبالتُّقى= وبصدقِ فارسِ ركبِه العدَّاءِ
قمْ ياأخي استشرفْ علاك بهمةٍ= فياضةٍ بالصَّبرِ في البأساءِ
وانسجْ بمنوالِ المروءةِ رِدنَها= فيدُ المروءةِ في اليدِ الشَّمَّاءِ
فغدًا يريك اللهُ جلَّ جلالُه= سوءَ المصيرِ لكافرٍ ومُرائي
ويعودُ وجهُك كالصَّباحِ إذا بدا= ببهائه في الدوحةِ الخضراءِ
فاللهُ يدرك في الشدائدَ أمَّةً= لاقتْ من الفُسَّاقِ شرَّ بلاءِ
وسيأخذُ الطاغوتَ أخذًا مؤلمًا= ويُريه مافي الغيبِ للسفهاءِ
يرعاك ربُّك ياأخي لاتيأسنْ= مهما استطالَ البغيُ في الأرجاءِ
واثبتْ على تقوى الإلهِ مجانبًا= مافي فسادِ القومِ من إزراءِ
فالناسُ في زمنِ الضلالة والعمى= فالفسقُ عربدَ تحتَ كلِّ سماءِ
طابتْ بنشأتك الكريمةِ وِجهةٌ= مدَّت لها البشرى جميلَ ثناءِ
فاحفظ مآثرَها وصُنْ إنشاءَها= في سِفرِ ما للخيرِ من آلاءِ
فهي الشريعةُ فضلُها لمَّا يزلْ= للناسِ كلِّ الناسِ في الغبراءِ
فبها ومنها للمعالي فانطلقْ= نحوَ الوعودِ الحُلوة العصماءِ
ورأى مباهجَها الحبيبُ المصطفى= أَوَبعدَها من رؤيةٍ للرَّائي !
دعهم فقد تاهوا وربِّك في العمى= واستسلموا للفتنةِ البلهاءِ