الصقر
كان محمود محمد شاكر أمة وحدهُ؛ فهو شيخ العربية وعاشق العروبة وحارس التراث وفارس الأصالة. جمع إلى غيرة المسلم عزة العربي، وإلى عناد الواثق تواضع القادر، وإلى عقل العالم البصير براءة الطفل الصغير. غفر الله له ورحمه رحمة واسعة، وأنزله منازل الأبرار والصالحين.
صقر على شم الرعان يحلق
ومداه مغرب شمسها والمشرق
والنجم والأفلاك في تطوافها
والروح في أسرارها والمطلق
نسجته من أرض الجزيرة ريحها
وخيولها ونخيلها والأينق
وجبالها ورمالها وجلالها
وبيانها العذب الشهي المونق
وحراء والآي الزواهر تزدهي
فيه وتهدي العالمين وتعبق
فأتى أبر رجالها وأعزهم
وأحب ما يرجو الفخار ويعشق
• • • •
باق عطاؤك في الزمان مفاخراً
كالنيرات زواهراً تتألق
ستظل للفصحى وإن كره العدا
العلم يروى والصوارم تبرق
أما عِداك ففي غدٍ راياتهم
تطوى كما يطوى الظلام وتمحق
فيقول راوٍ عارَهم وشنارَهم
أنظر إليهم لا بقين ولا بقوا
• • • •
وهبتك آيات الفصاحة سرها
فإذا بك القلم البديع الشيق
والضاد أنت نجيّها ونجيبها
وعليمها وكليمها المتذوق
والحارس الشاكي يصون ذمارها
ويصول إن حمي الوطيس ويهرق
غضباً لها وحمية مبرورة
وجذاه إعصار يطوف ويحرق
فإذا انتصفت لها رجعت مكللاً
بالنصر وهو مزغرد ومصفق
ورجعت بالرضوان أنك صنتها
أما الجبين فبالجلال مطوق
وعلى محياك الأبي وضاءة
تسري فيأتلق الحجا والمفرق
والضاد تهديك الثناء متوجاً
والمسك أكرم طيبه والزنبق
• • • •
وطويت عمرك عالماً ومعلماً
والعلم أجدر بالذكي وأليق
وحزمت أمرك صابراً ومرابطاً
ونهدت للجلّى وصبرك أينق
أبداً رواقك للمعارف أفيح
وعليه من سمت الجلالة رونق
والطالبون الرفد فيه قوافل
ترنو إليك محبة وتحدق
يأتون من كل البلاد دنانهم
ظمأى ليستبقوا لديك ويستقوا
فعلى خوانك وهو دان لين
حشد من النجباء فيه تألقوا
يأتيك من أقصى البلاد مغرِّب
فإذا مضى بالعلم جاء مشرِّق
وتقيل عثرة مخطئ في أمره
وسلاحك الحلم الجميل الأرفق
ولربما تقسو فأنت أبوّة
ترضى على أبنائها أو تحنق
بك يدرك الشادون كل عويصة
فتبوح بالسر الخفي وتنطق
• • • •
وجعلت دارك موئلاً يهب الندى
للواردين تجمعوا وتفرقوا
مَعْنٌ[1] عليه مرحّب متهلل
وفد يزايله وآخر يطرق
وذووك مثلك ليس يرخى عندهم
ستر ولا باب لديهم يغلق
وضيوفه هذا غني مكثر
وإزاءه عافٍ مقل مملق
وعميده إرث السماحة حاتم[2]
بالمكرمات وقد زهون مخلَّق
ورث المروءة كابراً عن كابر
وأخو المروءة والحياء مرهَّق
ومرزَّأ في ماله ومحسَّد
ومبرَّأ ومسدَّد وموفَّق
ويصون كل كريمة محمودة
ويخاف مما قد يشين ويفرق
ويقول لا كان التلاد وأهله
إن لم يسودوا بالتلاد ويرتقوا
• • • •
ولقد عرفتك في فؤادك حرقة
نزَّت جراحات تفيض وتفهق
أدمنت حزنك إذ رثيت لأمة
هي منك قلبك في الجوانح يخفق
وجعلت همك أن تكون بشيرها
ونذيرها العريان وهو المشفق
والسيفَ سل فما يعود لغمده
والحاديَ الهادي يقول ويصدق
وجعلتها عرضاً يصان ويفتدى
بالغاليات الطيبات ويصدق
عاينتها فوجدتها مصروفة
عن رشدها والجهل شر مطبق
فهتفت من قلب يكابد لوعة
والحزن عاصفة ونار تحرق
أبناء إسماعيل[3] أنتم أمة
في التيه مرهقة الخطا تتمزق
أنتم أسارى الجهل يدعوكم له
لسن يقول ومدع يتشدق
أو سامري في الجهالة خابط
يسعى به حقد قديم أزرق
أو مستكين قاده مستغرب
أو قاده لضلاله مستشرق
تتراكضون وراءه وشروره
فيكم أشد من الزعاف وأرهق
لما جفوتم دينكم وتراثكم
ساد الجهول بداركم والأخرق
وعدا عليها جاهل ومنافق
ومبادئ كالموت أو هي أزهق
حتى أتى يوم مشى بجموعكم
للردة النكراء شؤم ينعق
فيها مسيلمة الكذوب وكفره
وسجاح وَهْيَ أضلُّ منه و أفسق
فإذا بميراث الخلافة والهدى
يسطو على الدارين منه عفلق
ويقام سوق للجهالة والهوى
فتروج فيه الموبقات وتنفق
• • • •
ولقد رحلت وفي فؤادك غصة
والعين يغشاها الذهول المرهق
أبصرت أمتك الكريمة قصعةً
وحمى مباحاً في المذلة يغرق
عبثت بها أدواؤها وبلاؤها
فيها ومنها غاشيات تطرق
والمسلمون من الهوان كأنهم
دمن صوادٍ بالبلى تتمزق
نتن[4] يعيث بهم ويعلم أنهم
لن يثأروا مهما رغوا وتشدقوا
يقضى عليهم غائبين فإن أتوا
لم يغضبوا أو يأنفوا أو ينطقوا
• • • •
لا يا أبا فهر فأمة أحمد
ستظل كالشمس المنيرة تشرق
إن الذي حفظ الكتاب وصانه
نوراً يفيض وجدولاً يترقرق
سيظل يحفظها ويعلي شأنها
ويقيل عثرة أمرها ويوفق
منها اللياذ به ومنه حفظها
وهو القدير ومنه جل الموثق
ألا تموت وإن كبت في سيرها
بل تستجيش و من جديد تخلق
فتعود بالبعث الجديد فتية
كالغاب من بعد اليبوسة تورق
والله واق من يؤوب لأمره
وهو الحفي بمن أتوه الأرفق
• • • •
ولقد كتبت قصيدتي بلواعجي
والعهد داع والوداد الأسبق
والعهد أكرمه القديم زمانه
والود أكرمه الأصيل المعرق
فعساك تمنحها وشاحاً من رضا
وعساك تبصرها بمجدك تخلق
فتعود وهي قلادة وضاءة
تزهو بمانحها رضاه وتعبق
• • • •
شعري أبا فهر وحبي دمعة
مهراقة والصدق مني موثق
وعليك تبكي أعين وقصائد
وتطول أحزان وليل يأرق
نم حيث أنت فدار مثلك رحبة
فيحاء والدنيا فناء ضيق
[1] إشارة إلى نتنياهو رئيس حكومة إسرائيل يومذاك.
[2] إشارة إلى حاتم الطائي.
[3] كان أبو فهر إذا غضب من تخبط أمته يقول في حسرة: ((أنتم في التيه يا أبناء إسماعيل)).
[4] إشارة إلى معن بن زائدة الشيباني.
وسوم: العدد 860