وضوء الصمت
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]
كم كنت بحاجة إليهما ليلتها .. إلى روح أبي وأمي بمناسبة اليوم الأول من السنة الميلادية
صـمـتـي توضّأ في عيني برفتِه
وشـيّـع الـبحرُ مينائي وجلببني
شـابت خطاي وحبّاتي قد انفرطت
مـضـت سنيني وأطفا البردُ رقتها
مـضـيت وحدي وتابوتي يشيعني
وألـبـسـتني دموع الروح حلتها
وأطـفـات قـلـق الأعوام رحلتنا
وكـان طـيفي بعيني كنت أبصره
فـكـم حلمت بشمس في تزرعني
مـضى غريبا وعاني روح غربته
وكم رجوْتُ لفجري أن يموتَ على
فـأوقـد الـبـعـد في شباك ليلتنا
مـضـى وعلّق أوجاعي بذاكرتي
كـلّ الـطيورِ مضَت إلايَ كسّرني
مضيْت وحدي وجرحُ النأي خلفني
وحـدي غـريب وخطواتي مبعثرة
رجـعت نحوي وإزري في يلبسني
وحدي ووجهُ أبي قد غابَ عن زمني
تـقـاسـمـت مُقلي أطيافُ أرغفةٍ
أنـا بـكـاء وتـنّوري انطفَتْ قلقاً
وحـدي يـؤبّنني في حزن ليلكتي
عـيـنـاي عُـلقتا في أفق محْنتها
فـكـيـف أكـسرُ ظلّي في تمرّدِه
وكـيـفَ يا كيف مرآتي تبعثرُني
وكـيـف كلّ زرازيري قد ارتحلت
وكيف سربُ القطا قد غابَ عن أفقي
وغـادرت عـن رُبى التوبادِ لمحتُه
لـيـلى وقد عثرت في ليلِ غفوتِها
تـكـسّـر الوعدُ في أجفانِ أعينِه
فـراحَ يـكـتـبُ كفّي سطرَه تعباً
نـسـيـتـهُ وَرقي لم تدرِ ذاكرتي
ومـا يـزال أبـي في وقعِ خطوتِه
ومـا تـزال يَـدا أمّـي تهدهدني
ومـا تـزال بـبـيتي روحُها رئةً
لـم أبـتـكـرْ ألـماً حرفي لأكتبَه
عـن شـيبةٍ رحلت كانت تبصِّرُني
ومـا تـتـلـمذَ في قاعاتِ مدرسةٍ
إذْ كـانَ واللهِ بـيتُ الطينِ مسكنَه
لـم يعرفِ الحرفَ ما خطّت يداهُ به
وكـانَ إبـرة جـدٍّ فـي تـفـننِه
يـرفـو إذا افتضَّ حبلُ الودّ مبتسماً
عصفورة هدَلتْ في غصنِ رحمتِشها
كـانـت مـلاكاً تخيطُ الدمعَ ألبسة
اللهَ يـا شـجرَ الأحزان في جسدي
فـالـوقـتُ مـرّ بنا سهواً وقدّدنا
وقـفتُ منه وفي عيني قد انفرَطتْ
أنـا بـقـايا زمانِ الحربِ يا أبتي
أنـا اعـتـقالٌ وسجني فيّ يسكنني
أبـي ونـارُ انكساري جمرةً نبتَتْ
وشـيّـدَت مـدنـاً أطرافُها مُدني
فـالـحربُ قد أكلتْ أزهارَ حارتِنا
فـقـفْ عليّ ، فصوتي أنتَ تعرفُه
وانـثـرْ على عطشي غيماتِ أنتنا
وكـنْ إليّ المدى وازرعْ على شَفتي
فـالـشـعـرُ عندي عطاءٌ لا نفادَ
فـالـنور يحجبُهُ الديجورُ في بلدي
مـا أجملَ الموتَ في أحضانِ قافيةٍوغـابَ صـوتي على أنّات دمعتِهِ
مـلامـحَ الـحزن في أبواب جنّتِهِ
وشـيـبتي عثرت في دربِ رحمتِه
وأغـلـق الـقلب بي أنفاس رقتِه
ومـهـرة الريح شالت لون فرحتِه
وسـلـسلت أحرفي غابات سفرتِه
ولـمـلمت عن دمي شهقات رِحلتِه
مـضـى وأغـرق عيني في تلفتِه
حـتـى تـقـلـدني أسرار غيبتِه
مُـضْـنىً وعينيه مرّت في أزقتِه
شـباك حزني ويطفي ضوءَ شمعتِه
درب الـعـصافير تطفي سر أنتِه
وفـي حـلّـت قـرابيني بحسرتِه
يـأسـي وعـانـقني همّي بغفوتِه
بـغـلّ جـرحي أصلي عند جثتِه
وفـيّ تـنـقصني أصداءُ ضحكتِه
ثـوبـاً ويـنزعني عن عرش قِمّتِه
وقـدَّ روحَ الـهَـنَـا شلالُ لوعتِه
إلـى الـجـيـاعِ على أطباقِ سلَّتِه
ومن ضلوعي غدت أحطابُ شهقتِه
سـرُّ الأنـيـن وما أفضى برغبتِه
وكـم تـشكّى غباري عسرَ محنتِه
وكـيـف أمحو سرابي حين ثورتِه
بـألـفِ ألـفِ انعكاسٍ في حقيبتِه؟
مـن الـمـكـان وغنّت فوقَ قبتِه
وراح يـنـقلُ دربي رجفَ خطوتِه
ومـا أعـارَ الـقطا جنحاً لصحبتِه
ومـا أقـالَ الـثـرى قيساً بعثرتِه
ولـمْ يـغادرْ فمي عن حبلِ خيمتِه
وقـد رهـنْـت أنا صبري لثورتِه
عـلـى رصيفِ الأسى يعيا بحرقتِه
أرى الـمـكـانَ وهـذا ظلّ نخلتِه
وتلبسُ الصمتَ في ساعات حضرتِه
بـهـا أشـمّ الهوى في سكرِ نسمتِه
وإنّـمـا كـتـبـتْ روحي لفرقتِه
فـأقـرأُ الـحِـكَمَ الأحلى بحكمتِه
أبـي الـذي كـانَ فـلاحاً بحرفتِه
وعـاشَ بـالـعـزّ عـتالاً بمهنتِه
وإنّـمـا الـدهـر ألقى ما بجعبتِه
يـقـدُّ لـلـصـخرِ مفتولاً بهمَّتِه
وفـيـهِ أمّـي تُداري روحَ صحّتِه
وتـنـطرُ الوعدَ لهفى نحوَ عودتِه
إنْ هـشّـمَ الدهرُ أضلاعي بقسوتِهِ
قـلْ لـي بـمـاذا أُجازيها بأوْبتِه؟
وصـارَ صدري أنا مرْعى لحسرتِه
حـبـاتُ دمعٍ تجلّت عند حضرتِه
أُكْـوى وطـهّرَني في ماءِ جمرتِه
وموْتُ بعضي حَوى أصداءَ غَصّتِه
غـابـاتِ حزنٍ وأورَت لذْعَ جذوتِه
مـن الـمـآسي تصلّي عند عتبتِه
وعـادَ فـيـها جفافاً لونُ خضرتِه
ورُدَّ ضـلـعـي إلى تابوتِ سدْرتِه
حـتّـى يـتيهَ فمي في دفءِ قبلتِه
هـمْـس الحنانِ وقبّلْ رجفَ وجنتِه
وفـي مـداهُ أنـا أحـيـا بغمرتِه
وبـوحُ قـلـبي ترامى في مسرّتِه
تـعـيـدُ لـلـقلبِ أمجاداً لنبضتِهِ