البحثُ عن قَبْرٍ لعزِّ الدين القَسَّام
(مطولة درامية حوارية)
أ.د/
جابر قميحةبمناسبة مرور 76 عاما على استشهاده وهو على رأس المجاهدين المقاتلين من أجل فلسطين ( استشهد في 20 / 11 /1935 )
(1)
أحمل مصباح "ديوجينَ" وأمضي
روحًا هيمانْ
أبحث عن رجل بين الأحياءْ
يا من يهديني لطريقٍ
يحملني للإنسانْ!!
للرَّجُل الإنسانْ!!
لكنَّ النهرَ الفَّياض بوطني صار عقيمًا
لا ينجب إلا الفُقَّاعاتْ
والأرضَ المعطاءَ الحُبْلَى
ما عادت تنبتُ إلا القاتْ..
والمعتقلاتْ
يا من تحملُ مصباحك في التِّيهِ الأعظمْ
إن تهتف في عصر الغربةْ:
"لا قوة إلا باللهْ... "
تُخْرِسْكَ ألوفُ الأصواتْ:
"لا قوة إلا بالعُزَّى...
لا قوة إلا باللاَّتْ.."
فالعصرُ مَوَاتْ
عصرُ الأنطاع الأوثانْ...
عصر الخِصْيانْ
عصر العُرجَانِ العِميانْ
لا عصرُ الرَّجُلِ الإنسانْ
*********
يا شاعرَ عصرِ الغربةِ... والكربةْ
أَطْفِئْ مصباحَكْ
وَفِّر زيتكَ
وتَوَكَّلْ
لا تبحثْ عمن تطلبُ في الأحياءْ
من تبحث عنه استشهدَ.. ماتْ
من تبحثُ عنه محضُ رُفَاتْ
اطلبْهُ هناكْ
في أرض المسرى في الأمواتْ
(2)
يا عز الدين القسَّامْ
يا ابنَ الإسلامْ
يغلبني الشوقْ
يهتف في أعماقي صوت من أعماقِ الغيبْ
يهزُّ كيانِي
كي أسعى نَحْوَكْ
أن أمضيَ للقبر الثاوي في أرض المسرى المنهوبةْ
أستنشِقُ عَبَقَ المجدْ
في طِيبِ اللحدْ
*********
لكن قالُوا لي:
"حتى تجتاز حدودَ الوطن إلى الأرض المسلوبةْ
إذنُ الملكِ المنصورِ ضرورةْ
تذهبُ للقصرِ العامِرِ
وتسجل إسْمَكَ في دفتَرْ
يُسْمَى بسجلّ التشريفاتْ
تحت عباراتٍ تكشفُ عن إخلاصٍ وَافٍ
لا أيِّ عباراتْ"
*********
لكنْ...
لا أدري ماذا أكتبْ
ولقد عشتُ شريفًا
وعفيفًا
أُمضي سنواتِ العمرِ رفيعَ الرأسِ نظيفَا
ملكًا يحتقر التاجْ
مملكتي قلبٌ نبويٌّ
وسلاحي قلمٌ نوويٌّ
لم ينبض إلا بالحقّ
ينشقّ الصخرُ ولا ينشقّ
لكنَّ كرامةَ ذاتي مهما عَظُمتْ
يغلبها الشوق إلى الأحبابْ
في عصر يحكمهُ الخصيان بِشرع الغابْ
معذرةً يا نفسُ
هُوني لحظةْ
أو لحظاتْ
من أجل شهيدٍ ظلَّ يقاتلُ حتى ماتْ
(3)
(مسؤولُ التشريفات - على ما يبدو - رجل طيِّبْ
استنتج أني قرويٌّ طيّبْ)
أملاني.. اكتُبْ:
"مولايَ الملكَ المنصورَ.. طويلَ العمْرْ
يسعدني أن تأذنَ لي
أن أرحلَ لزيارة قبر عزيزٍ ماتْ..
استشهدْ..."
- (ويرن التلفون بحجرة رجل التشريفاتْ
يتوقف رجلُ التشريفات عن الإملاءْ
يظهر أن المتحدث ذو حيثيَّةْ
فرئيس التشريفاتْ
نبرته في الهاتف جدُّ خفيضةْ
تتدفق بالأدبِ الجمّ
ماذا لو أكمل شخصيًا باقي الفقرةْ
ما دام سيادته مشغولاً...
أكملتْ):
"استشهدَ من زمن زادَ على نصف القرنْ
في أرض الأقصى المسلوبةْ
وأخيرًا أدعو لجلالتكم بالسعد وطولِ العمرْ"
توقيع:
المخلص جابرُ "إبنُ" قميحةْ
أستاذٌ في جامعة تدعى "عين الشمسْ"
والألسُنُ إسم الكليةْ
ومعارٌ للعام الخامسِ في الجامعة الإسلاميةْ
(4)
(رجل التشريفاتْ
يضعُ السماعة في عصبيّةْ)
- هيه.. أسمِعنِي ماذا أمليتُ عليكْ
- أمليتَ سيادتُكم جزءًا
وشغلتم بالتلفونْ...
أكملتُ أنا الباقي حتى لا أهدر وقت سعادتِكُمْ
- أسمعني كُلَّ المكتوبْ
- "مولاي الملك المنصور.. طويل العمرْ
يسعدني أن تأذن لي
أن أرحل لزيارة قبر عزيزٍ ماتْ
استشهد من زمن زادَ على نصف القرنْ
في أرض الأقصى المسلوبةْ
وأخيرًا أدعو لجلالتكم بالسعدِ وطولِ العمرْ:
توقيعْ:
المخلص جابرُ "إبنُ" قميحةْ
أستاذ في جامعة تدعى "عين الشمسْ"
والألسنُ إسمُ الكليّةْ
ومعارٌ للعام الخامسِ في الجامعة الإسلاميّةْ
*********
(ويثور رئيس التشريفات بصوت كزئير الريحْ):
- يا عجبًا.. تعجل في إكمال كلامي بكلامٍ لا يحمل معنًى...
عندك أولادْ?
- خمسةْ... غيرُ رفيقة عمري... الزوجةْ
- أتريد ترمِّلُ زوجك يا مسكينْ?
- أتريد تيتمُ أولادَكْ?
أو في أحسن فرضٍ تغلقُ أبوابَ المستقبل في أوجُهِهِمْ?
كلماتك حتى الآنْ...
لا تكشف عن جَوْهَرِ إخلاصِكْ
ماذا أفعلْ?
أشطُبُ ما خطت يمنايَ..
وهذي المرة لا أكتبُ إلا ما تُمْلِي
- هِهْ.. أستاذٌ في جامعةٍ يَجْهَلُ
أنَّ الشطبَ بمستندٍ رسميٍّ يعتَبَرُ جريمةْ!!
وسِجِلُّ التشريفاتْ
في قانونِ الدولةِ - إن لم تعلمْ -
أعلى مستندٍ رسميّْ
لكنْ.. أكملْ.. اكتبْ:
"ملحوظةْ:
مثل العنوانْ..
تكتبُ في الآخرِ لكنْ في الأولِ تُقرَأ
ما أنسانيها الشيطانْ
بل أنسانيها شدة إحساسِي..
فيضُ شعوري
بجلال الملك المنصورْ
يا منصورُ أدامَ اللهَ بَقَاكْ
وأذلَّ اللهُ عِداكْ
أنا لا أنتسب لحزب أيًا كانْ
وليسَ وراءَ زيارةِ هذا القبرْ
ما يدعوهُ الناسُ سياسةْ
أفديكَ - طويلَ العمرِ - بروحي وبأولادي
وبآبائي.. وبأجدادي.. وبأحفادي.. وبجامعتي..
وبما تملك - يا منصورُ - يميني
التوقيع: المذكور بأعلى الصفحةْ
(5)
وهنالكَ في صدر البَهوِ الأعظمِ
وعلى عرشٍ من ذهبٍ إبريزْ
كان طويلُ العمرِ مهيبًا يجلسْ
ولأنَّ الملكَ المنصورَ يحبُّ الشعرْ
صدح الشعراء بما نَظَمُوا
كانوا قيعانًا.. غربانًا
نعبت بنفاقٍ منكوسْ
القاعُ الأولُ:
خيبانُ بن الهايفِ.... يمضي فيقولْ:
بسيفك يعلو الحق والحقُّ أغلبُ
وترعبُ إسرائيل إن شئت تضربُ
فسيفك من نارٍ تمجُّ.. لهيبها
وليس لها من نار سيفك مهربُ
إذا كان دينُ القوم غدرًا وخسةً
فإن الجهاد المرَّ عندك مذهبُ
بسيفك يا منصور أنت مُغلبٌ
وشارون مقهور ذليل يُغلبُ
وشتان ما طودٌ أشمُّ وقاعُهُ
وشتان ما ليث هصورٌ وأرنبُ
*********
وسمعت القاع الثاني
عنين بن المجبوب يقول:
ما شئت لا ما شاءت الأقدارُ
لا سيفَ إلا سيفُك البتارُ
فَرِّقْ بسيفك جمعَ كلِّ كتيبةٍ
فالسيف في يمناك عزمٌ نارُ
ولأنت منصورٌ وغيرُك مدبرٌ
متعثر.. متمزق.. منهارُ
يا أيها المنصور دُمْتَ مظفرًا
حتى يُنَال على يديك الثارُ
*********
وسمعت القاع الثالث: وسنانَ بن الهرمة ينشده:
إذا نطق الأعداء فَهْو هُراؤهمْ
وإن نطق المنصور فهو جَهنمُ
وسيفكَ إن ترفع بوجه عدونا
تهتكَ وجه الليل والليل أبهمُ
ويُذهَلُ "شارونٌ" إذا ما بَدهتهُ
فلا قلبُه قلب ولا ينطقُ الفمُ
إذا ما عزمت العزم ذابتْ جيوشُهم
فليس يُرى إلا الجماجِمُ والدَّمُ
(6)
يا عز الدين القسامْ
يا ابن الإسلامْ
ما اهتزت نفسي للشعراءِ الغربانِ
القيعانْ
جوقةِ كل بلاطٍ في كلِّ زمانْ
لكني اهتزَّ كياني الموجوعُ
وتمزق قلبي المصدوعُ
إذ أسمعُ سيفَ المنصورِ
ينشج في صوتٍ مصدورِ
يتحدث بالهمس المخنوق لِغِمدهْ:
- أطلقني
لله... ولو لحظةْ
فُك إساري - يا غمدُ - ولو لحظةْ
إني أختنقُ وأحتضرُ
من سنواتْ
وأنا في لحدكَ أحترقُ
وعدًا مِني
أطلقني أتنفسُ لحظةْ
ثم أعودُ إليكْ
- لا ... لا أقدرُ يا مسكينُ على ذلكْ
فأنا أعلمُ
إنك أيضًا تعلم يا مسكينُ
أنك عبد المأمورْ
وأنا لا أعدو كوني عبدَ المنصورْ
أنا يا خِدْنِي ما أغمدتك طوعًا في أحشائي
فوجودك يحزنني.. يُؤلمني
يُدْمِي بُنْياني..
يُصدئُ جُدراني
لكن الملكَ المنصورَ طويلَ العمرْ
أصدر فرمانًا مرقومًا
بالسابع والستين وتسع مئة بعد الألفْ:
نصُّ المرسوم - على ما أذكر -:
"باسم الشعبْ
مرسومٌ لا يقبل نقضًا أو إبرامْ
يُتَحفظُ في الغِمدِ على سيفي هذا
إكرامًا لجلال السيفْ
(تفسيرْ):
قد جاء قراري - نحنُ الملكَ المنصورْ -
من منطلقٍ إنسانيّ بحتْ
فأصونُ جلالة سيفي أن تَتنجسَ بدمِ الكفارْ
وأنا الملك الطاهِرُ من نسل الأطهارْ
أجنحُ للسلمْ.
ما أبشعَ - في نظري - لونَ الدمْ"
(7)
يا عز الدين القسامْ
يا ابنَ الإسلامْ..
وتركتٍُ السيفَ بقصر الملكِ المنصورِ
يجود بآخر أنفاسهْ
وشهدتُ الخيل بساحة قصرِ المنصورِ
طويلِ العمرْ
تتثاءَبْ...
تتمطَّطْ...
تتمرغُ في أعشاب الذلّْ
تثقلها أسراب ذُبابٍ ترقد في أعينها
تمتص الباقي من لمعانٍ وبريقٍ
ورثتهُ من خيل الخندقِ واليرموكْ...
سَلها.. صدِّقنِي
غشيتْ أعيُنها في ليلِ القصرِ
حبيسةَ ذُلٍّ وخنوعْ
ما عادت - يا عز الدين - تشاهدُ صُبحًا
أو تضبحُ ضبحًا
أو توري قَدحًا
أو تبعث نقعًا
أو تتوسط جمعًا
.... فأتيتُ إليكْ
أبكيكَ بماء القلبِ.. وأبكيني
علَّ دموعي تطفئُ ما يجتاح ضلوعي
من أوجاعي
أبكي سيفًا يستصرخُ
مخنوقًا... محروقًا في زنزانة غِمدْ
أبكي خيلاً سلخوا منها الصهواتْ
نسيتْ معنى الكرّْ
ومعنى الفرّْ
ومعنى الأمرْ
ومعنى النهضة للنجداتْ
نسيتْ شكلَ القائد والفرسانْ
في زمن الذلة والغثيانْ
زمن القيعانِ الغربانْ
والخصيانْ
(8)
لكن ضلت قدمايَ إلى قبركْ
ربَّاهْ..
إني لا أجهلُ هذا القبرَ فكيف أضلّْ!!?
.... ربَّاه!!!
ورأيت بكفِّ صبيٍّ صهيونيٍّ شاهدَ قبركْ
وعليه بقايا خط منقوشٍ
"..... هذا قبر البطل القسَّامْ
... عزِّ الدين القسامْ..
استُشهِدَ في الـ ....."
والباقي مَمحوٌ - يا عز الدين - من الشاهدْ
والشاهد في كف الطفلِ الصهيوني
مضربُ كرةٍ يلهوُ بِهْ
ـــ يا ولدي...
إني من وطن يُدعى "الوطنَ العربيّْ"
العربيّْ??!!
ـــ لكنَّ مُدرسةَ الجغرافيا
قد أنهتْ مَنهجهَا الأمْسْ
ما ذكرتْ أنَّ خريطة هذا العالم كُلهْ
فيها وطن يُدْعَى الوطن العربيّْ
ــ لا يا ولدي... وطن ذو علمٍ مشهورْ
ومليكٍ يُدعى المنصورْ..
ـــ منصورْ??! شيءٌ مُضحِكْ
أستاذ التاريخْ
لم يذكر شيئًا عن شيء يدعى المنصورْ
ــ يا ولدي.. دعنا... من هذا
تتكرمُ.. تُعطيني الشاهدْ?!
ــ شاهدْ??!!
ــ تعطيني اللوح الحجريَّا
ــ أُوهْ!! تَعنِي المضربْ?!
ــ أعني المضربْ...
ــ لا .... لا أقدرْ...
أختي وجدَتهُ خلف الحانةْ....
هَذي الحانةْ
ومَحونَا وسَخًا أسودَ.. كان عليهِ
نٍقطًا .... وحروفًا لم نَفهمهَا
لكن ما زالت فيه بَقيةْ...
وَعدتنْي أمي أن تمحوها... بالسكينةِ أو ماءِ النارْ
ــ تعطيني المضرب يا ولدي بمقابل قطعة شكلاتةْ
ــ شكلاتَةْ??!
أمي تنهاني عن أكل الحلوى والشكلاتةْ..
انظرْ أسناني - قالت أمي -
تَتَآكلُ من أكل الحلوى
ــ لا حلوى...
تعطيني المضرب... أعطيك جنيهًا
ــ ولماذا?
ــ لي ولد مثلك أهديه المضرب في عيد الميلادْ
ــ لكن يمكنك بهذا المبلغ... بل نصفِهْ
أن تحضرَ أجملَ بكثيرٍ من هذا اللوح الحجريِّ
ــ يا ولدي...
عجبًا أن ترفض أن تعطيني شيئًا
ــ في الواقع ــ لا قيمة لهْ
ــ إن كان صحيحًا ما تذكرُ
فلماذا تدفع فيه جنيهًا?
- يا ولدي.. إني... أَصْلِي.. أَعني... لكنْ!!
لكني أبغي هذا المضرب بالذاتْ
ــ لا أقدرُ
قالت لي أمِّي: "إنا في وطني الأعظم إسرائيلْ
لا نمنح شيئًا للغرباءْ
أن نأخذ.. آهْ
أن نُعطيَ.. لا
فالأخذ غنيمةْ
والمنحُ - كما قالت أمي - إِثمٌ وجريمةْ
أستاذ التربية القومية في مدرستي كرَّر ذلكْ
(9)
يا عزَّ الدين القسامْ
يا ابنَ الإسلامْ
في ساحة قبرك ما عاد هنالكَ قبرْ
لكنَّ مكان القبرِ بناء يسبحُ في الأنوارْ
وأمام المبنى لافتة زِينتْ بالأزهارْ:
حانةُ كوهين الكبرى
الحانةُ تسهر حتى الفجرْ
موسيقا... وعشاء راقصْ
برنامجُ حافلْ
"داليدا" تشدو
أغنية ما غنتها قبلُ بحانةْ
اسم الأغنيَّة "كعك العيدْ"
لحَّنها الموسيقار الأعظمُ
... "شأموبيدْ"
وقرأت هنالك أيضًا
في لوحة برنامج هذي الليلة ْ
"سالومى في رقصة عشقٍ
ما رقصتها إلا سالومى التوراةْ
(رأس يُحَنا) إسم الرقصةْ
بعد الرقصة تُطفأ في الصالة كلُّ الأنوارِ
لخمس دقائقْ
(10)
يا عز الدين القسامْ
يا ابن الإسلامْ
وهنالك بعد الليل الفاجرْ
سقط القوم نشاوَى
وزحفتُ أعاني سُكرَ النكبةِ والمأساةْ
ونبشتُ الجدرانْ
وحملتُ رفاتك من قاع الحانْ
وزحفت بأرض فلسطين وأرضِ العرب المسروقةْ
أبحثُ عن قبرٍ...
كهفٍ...
شبرٍ في الأرضِ
أواري فيه رفاتَكْ
لكن أعياني البحثْ
أدمىَ قدمَيَّ الإعياءْ
ما عاد هنالك في الوطن العربي مكانٌ
يتسعُ لقبر شهيدْ
أرض الأوطانِ العربيةِ
شُغلتْ يا عز الدين القسامْ
والخالي من أرض الأوطانْ
قد سُوِّرَ بالأسلاكِ الشائكةِ الصمَّاءْ
وعليها لافتةٌ كتبتها أقلامُ الذلِّ
بخطٍّ داعِرْ:
"محظورْ...
التصويرُ هنا محظورْ
محجوزْ...
محجوزٌ لبناء عماراتٍ للإسكانِ الفاخرْ
محجوزْ..
محجوزٌ لاستثمار عاجلْ"
(11)
يا عزَّ الدينِ القسامْ
يا صرخةَ حق نبعت من رُوحِ الإسلامْ
يا أَلَقَ وسامٍ في صدر الأيَّامْ
لم يبق مكان لرفاتِكَ
في أرضِ الوطنِ العربيِّ المسروقْ
وطني المسحوقِ المحروقْ
معذرة يا عزَّ الدينْ
أعياني البحثْ
وكأني قابيلٌ يحمل جثمانَ أخيهْ
لكن...
أَنَّى لي بغراب يبحثُ في الأرضِ
يُريني...
أين أواري يا عز الدين رُفاتكْ?
معذرة لا ألمحُ في الأفق غرابًا
معذرةً...
لا أملك إلا أن أزحفَ في هَدأةِ ليلي المصلوبْ
لأعود إلى ألحانِ المخمورْ
وأواري تحت جدار الحانِ رفاتكْ
وأهيل تراب الموت ِعليكْ
ولأخمد أنفاسي بين يديكْ
وأوسِّدَ في القبرِ السافلِ
جثمانَ الشرف العربيّْ
*********
صرنا يا عز الدين ثلاثةْ
لا ... بل خمسةَ في قبرٍ واحدْ
يعلوه الحان المخمورُ:
في البدْءِ رفاتٌ مقهورُ
وَفَتًى يحيا عصرَ الغُربةْ
يَنظمُ شعرًا
يُمليه القلبُ المفطورُ
والشرفُ العربيُّ الدامي
وحصانٌ مسلوخُ الصهوةْ
والخامسُ سيفُ المنصورْ
مثلومَ النخوةِ والسطوةْ
أصدأه الغمد السجانُ
وهوانٌ يتلوه هوانُ
وَلْيحيَ الملكُ المنصورُ طويلُ العمرْ