قبران
حيدر الغدير
مثل عمر المختار البطولة المؤمنة مرتين، مرة في جهاده الطويل ضد المحتل الإيطالي، ومرة حين أسره الطليان وأعدموه عام 1931م، فاستقبل الموت شاكرًا صابرًا. أما معمر القذافي فقد مثل الخسة مرتين، مرة حين سطا بليبيا عام 1969م، فطغى وتفرعن وفعل الأهوال بالبلاد والعباد، ومرة حين أسره أحرار ليبيا وهو كالجرذ المذعور وقتلوه وهو يتوسل إليهم يوم الخميس 22/11/1432ه - 20/10/2011م، ثم عُرِضت جثته على الناس ليكون عبرة بالغة، ثم دفن مع ابنه المعتصم ووزير حربيته أبو بكر بن يونس في الصحراء يوم الثلاثاء 27/11/1432ه - 25/10/2011م.
دفن عمر المختار في قبر معروف صار رمزًا للإيمان والبطولة، والناس يدعون له في كل مكان، ودفن معمر القذافي في قبر مجهول صار رمزًا للطغيان والجبن، والناس يلعنونه ويشمتون به، لعل نهاية القذافي هي أسوأ نهاية للطغاة والمتجبرين!.
وبين استشهاد المختار عام 1931م، ومقتل القذافي عام 2011م؛ أثبت الليبيون أنهم مؤمنون، وأحرار، وأبطال، وجديرون بالاحترام.
فـي لـيـبـيـا قـبران يلتقيانِ قـبـر ثـوى فـيـه شهيد طاهر عـشـقَ الـجهادَ فكان من أعلامه يـحـيـا عـليه صباحَه ومساءَه حـتـى غـدا حـبُّ الجهاد صفيَّه ويرى المفازة في البكور إلى الوغى وصـديـقُـه قبل الصحاب جوادُه حـتـى قـضى ومكانه فوق السها أكـفـانـه حـبُّ الورى وحَنوطه وسـعـادة الـهـاني أصاب شهادة يـرنـو إلـيـهـا مثلما ترنو له كـان الـجـهـاد حليفَه في سِلْمه وهـمـا الأخوَّة حيث كانت نَضْرَةً وهـمـا مـعاً فوق الثرى أخوانِ نـصـبـوا له الأعواد فاشتاقت له سـعـدت بـه وهـو الأشد سعادةً ومـشـى إلـيها وهو ليث أغلب والـوجـنـتـانِ وسـامة وهناءة وكـأنـه مـلِـك عـلـيه جلالة وكـأنـمـا سـمـع الأذان فشاقه وكـأنـمـا دنـيـاه قد حيزت له وكـأنـمـا نـيـسانُ في أحداقه وعـلـيـه بُـرْدٌ مـن مودة قومه آلامـه صـارت لـه مـن صبرِه فـاعـجَبْ لآلام غدون من الرضا وسـعـادةً تـمـتـد وهي وسيمة والـمُـرُّ يـغدو في الشجاع حلاوةً إن طـيّـبـتـه نـيـة مـيمونة قـالـوا لـه: استسلِمْ، فقال: معرَّةٌ والـمـوت فـيـنا كالحياة وسيلة ولـربـمـا كـان الـممات شهادةً مـوت الـشـهـيد سعادة كحياته والله أدرى بـالـمـصائر والورى إن الـنـبـوة مـنـزل هو أول تـتـلـوه مـنـزلة الشهيد وإنها والله مـن ألـطـافـه بـعـباده قـد أكـبـرتـه إذ رأته خصومه بـطـلاً يـجـود بروحه في همةٍ قـد عـاش لـمـا مات إن مماته لـمـا رآه الـمـجـد أقـسم إنه ورنـا وقـال : رأيـت فيه ذؤابة ورأيـت كيف تموت آساد الشرى والـموتَ كيف يصير أسمى غاية يـلـقى الشجاعُ الموتَ محتفياً به والـمـوت يـلـقـاه حفيّاً شاكراً "إن البطولة أن تموت من الظما"(2) إن كـان في الكأس الذي تسقى به مـا قـلت في المختار دون محبتي ولـو استطعت جعلت فيه قصيدتي هـيـهـات فالشعر الذي أشدو به قـول يـطـيـب ولـلشهيد مكانةٌ * * * وهـنـاك طاغية تفرعن في الدنى ومـنـافـقـون تـسـابقوا لنواله غـرَّتـه أقـوالٌ لـهـم محقورة وهُـراءُ مـأفـون وفِـريةُ أرعن حـتـى تـوهم نفسه فوق الورى بـل كـاد يـزعـم أنه يوحى له وتـوهـم الـدنـيـا وقد دانت له والـخـلـقَ قـد طافوا به وكأنه لـكـنـه لـمـا صحا من وهمه مـتـحـيـراً، مـتـلفتاً، متشرداً ألـفـى الـنـهاية كالرماح تنوشه أنـيـابـهـا، أظـفارها، أهوالها وكـأنـمـا عـيناه إذ رأتا اللظى فـمـضـى يطالب آسريه برحمة والـحـزن يـفـريـه وفيه جهنم يـا بـؤسـه إذ أخرجوه مضرَّجًا وضـلال عـقـل كـان فيه حتفه مـن جـوف أنـبـوب رآه مأمناً جـلَّ انـتـقـام اللهِ مـنـه لأنه لـكـنـهـم صـادوه جرذاً خائفاً قـد كـان كالمسجون يلهث هارباً يـرجـو الـنجاة، ولا نجاة، وإنما وكـأن مـا فـيـه، وكان عجائباً والـويـل فـيـما أوهمته ظنونه أمـعـمَّـرٌ! قـد قلتُ فيك قصيدة لـكـنـهـا لـم تشفِ لي ما آدني أعـتـى الـطـغاة كأنما بك مارد فـإذا جـرائـمـك الـتي أدمنتها لـكـن كـل صـغـيـرة وكبيرة لا شـيء يـعـزب عن عليم قادر والـنـاس والأكـوان حبة خردل * * * فـي لـيـبـيـا قبرانِ بل رمزانِ قـبـر يـضـوع جلالة ووضاءة تـهـفـو القلوب له وتدعو ألسن نـعـمـاه رضـوان ترف حسانه وأجـلُّ مـنـهـن الـرجاء بجنة وهـنـاك قـبـر بالصَّغار مطوَّق فـيـه الـعـقيد ثوى يبوء بإثمه دفـنـوه فـي لـيـل بـهيم خفية كـي لا يـكـون مـثابة لمضلِّل ويـزوره إبـلـيـسُ يـتلو عنده ويـزوره فـي الـليل في شوق له * * * فـي لـيـبـيـا قبرانِ بل رمزانِ قـبـران يمضي الدهر في جريانه | أرضـاً وفـي الإيـحـاء يبتعدانِ شـهـم عـلـيـه وضاءة الإيمانِ ورمـوزه الأبـطـال والـفرسانِ ويـراه زلـفـاه إلـى الـرحمنِ ونـجـيَّـه فـي الـسر والإعلانِ والـسـعـدَ في الأسياف والمُرَّانِ وعـنـاقُـه الأهـوالَ في الميدانِ تـغـشـاه أسـراب من الرضوانِ إجــلالـهـم ومـودة الإخـوانِ هـي حُـلْمه المخبوء في الأجفانِ فـي عـشـق رانيةٍ وصبوة راني وحـلـيـفَـه الأوفى غداة طعانِ وهـمـا وقـد سـعدا بها نَضِرانِ وهـمـا مـعـاً أخوانِ في الأكفانِ واشـتـاق كـالـحِـبَّين يعتنقانِ مـا أجـمـلَ الـسـعدين يلتقيانِ! ويـداه والـرجـلانِ تـسـتبقانِ والـشـكـرُ قـد باحت به العينانِ مـن روعـة الإيـمان والسلطانِ فـمـضـى له والكون رَجْعُ أذانِ وكـأنـمـا فـي كـفـه القمرانِ ونـضـارة الأزهـار فـي نيسانِ وعـلـيـه مـن وُدِّ السما بُرْدانِ والـشـكـرِ فـرحـةَ متَّقٍ رباني آلاءَ مـحـبـور وفـرحـةَ هاني فـي روحـه والـوجـه والوجدانِ وكـأنـهـا شـهـدٌ وقِطْفٌ داني هي محض إخلاص ومحض تفاني لا تـنـبـغـي للصيد والشجعانِ لـلـفـوز عـنـد الله بـالغفرانِ أجـدى عـلـى الأهلين والأوطانِ والـحـكـم لـلرحمن لا الإنسانِ والـمـرء مـهـما كان للنقصانِ لـمـن اصـطـفتهم حكمة الديانِ يـا لـلـمـنى الحسنى محل ثاني كـفّـاه بـالإحـسـان تـبتدرانِ حـتـى مـن الـحـساد والطليانِ عـزت عـلـى الـقالين والأقرانِ كـحـيـاتـه نـجـمـان يتقدانِ تـاج فـرائـده مـن الإحـسـانِ لـلـصِّـيـد من شيب ومن شبانِ وعرفت كيف مصارعُ الشجعانِ(1) لـلـمـرء، والتفويضَ درعَ أمانِ شـفـتـاه بـالآيـات تـبتهلانِ فـي تـوق ولـهـان إلـى ولهانِ والـمـاء لـلـظـمـآن والريانِ وهـو الـفرات العذب بعضُ هوانِ وجـلـيـلِ إعـجابي وحُرِّ بياني كـالـشمس في الإشراق والدورانِ ويـصـوغـه قـبل اللسان جَناني جـلَّـت فـقـد كُتِبت بأحمرَ قاني * * * قـد أسـكـرتـه طبيعة القرصانِ وتـنـافـسوا في الزيف والبهتانِ وهـتـافُ سِـكِّـير ومدحةُ جاني وجـنـونُ مـلـتاث وسيفُ جبانِ ورأى الـورى جـمعاً من الفئرانِ وعـدا عـلـى قـدسـية القرآنِ ومـشـى لـه واسـتسلم الثقلانِ تـعـسـاً لـه! وثـنٌ من الأوثانِ وغــدا بـلا مـالٍ ولا أعـوانِ مـتـذلـلاً، فـي حـسرة وهوانِ وهـو الـطـريد المستكين الواني أشـداقـهـا، أضـرى من الغيلانِ نـبـعـان بـالأهـوال نضّاخانِ والـخـوف أفـتك من ظُباً وسنانِ عـيـنـاه مـثـل القلب عمياوانِ بـدم وعـار كـالـحـميم الآني يـشـقـى بـه من شؤمه ويعاني ومـآمـن الـمـوهوم خدعة شاني وصـف الورى من قبلُ بالجرذان لـيـكـون موعظة مدى الأزمانِ لـكـن إلـى الأصـفاد والسجّانِ هـو وهـمـه يجري بدون عنانِ مـسٌّ تـخـبـطـه من الشيطانِ والـويـل فـيـمـا يكتب الملكانِ أودعـتُـهـا مـا فـيَّ من أحزانِ مـمـا فـعـلتَ فأنت في الطغيانِ مـن هـمـز شيطان ومن نيرانِ جـبـلان مـن بـغي ومن بهتانِ سـتـكون يوم الحشر في الميزانِ مـن حُـلْـم غاف أو منى يقظانِ فـي مـلـكـه والـكل في إذعانِ * * * وهـمـا عـلى طول المدى ضدانِ وعـلـيـه نفح الطيب والريحانِ ويـحـفـه مـنـهنَّ سيل تهاني وكـأنـهـن شـقـائـق النعمانِ هـي سـرب آلاء وسـرب حسانِ وعـلـيـه أطـباق من الخسرانِ ومـرارةِ الـمـحـسور والندمانِ فـي حـفـرة مـجـهولة العنوانِ ومـضـلَّـل قـد لَجَّ في العصيانِ سـفـرَ الضلال المحض والكفرانِ حـشـد مـن الأبـوام والجعلانِ * * * وهـمـا عـلى طول المدى ضدانِ وهـمـا بـأفصح صامت يعظانِ |
الرياض – الثلاثاء
19/ 12/ 1432ه
15/ 11/ 2011م
(1) شوقي.
(2) شوقي.