بيان إلى كتاب سورية المنتفضة
مصطفى الزايد
وعلينا أن نعلم أن مزبلة التاريخ ليست للسياسيين المتخاذلين فقط ! ولذلك فعلى المخلصين لأمتهم ووطنهم من الشعراء والأدباء والكتاب أن يأخذوا دورهم الريادي في توجيه الشعب ومؤازرته قبل أن يفوتهم قطار المجد.
يا شامُ قدْ طالتْ بكِ اللّأواءُ وَتخاذلتْ عَن نَصركِ الشعراءُ
كَتبوا بحُبِّكِ ألفَ ألفِ قصيدةٍ فيها يفيضُ الختلُ والإغواءُ
يَتغزّلونَ بقاسيونَ مقاصفاً وَبمَيْسَلونَ كَأنّها حَسناءُ
كَذبوا وَحَقكِ لمْ يَمَسَّ قلوبَهُمْ عِشقٌ تَذوبُ بِوَجْدِهِ الخُلصاءُ
لمْ يَعْشَقوا هذا التُّرابَ فَيَحْلموا بِالمَوتِ فيهِ فَيَنْتَخي الشُّرَفاءُ
ما فَكَّروا أنْ يَفْتدوكِ بِقَطرةٍ أوْ يُقْدِموا إنْ أحْجَمَ الجُبَناءُ
لكِنَّهُمْ كَتبوا بِحُسْنِكِ شِعْرَهُمْ لِتُخَلدَ الكَلِماتُ وَالأسْماءُ
* * *
لمْ يَعْرفوا لِلحُبِّ طعْماً غَيْرَ ما تَهَبُ الكُؤوسُ وَليلةٌ حَمْراءُ
إنْ مَجَّدوكِ فَإنَّما مَقصودُهمْ بِالمَجْدِ ما قدْ أنْجَزَ الأمَراءُ
يَتَغزَّلونَ أذِلَّةً بِعَزيزةٍ تَسْمو إلى عَليائِها العَلياءُ
لمْ يَعْرفوا قدْرَ الهوى فَاسْتَبْخلوا بالحِبْرِ حَيْثُ تَسيلُ مِنْكِ دِماءُ
لو حَرَّمَ الطاغوتُ ذِكْرَكِ ما أتتْ مِنْهُمْ إليكِ قصيدةٌ عَصْماءُ
* * *
خَمْسينَ عاماً -أوْ تكادُ- أسيرةٌ لمْ تَبْتَدِرْكِ قصيدةٌ خَرْساءُ
فُرْسانُ حَرْفٍ في المَحَافِلِ جَرَّدوا أَقْلامَهُمْ لِيُصَفقَ الغَوْغاءُ
يَتَنافَخونَ عَلى المَنابِر عِزَّةً وَكأنَّ عَنتَرَةً وَعُرْوَةَ جاؤُوا
وَدِماءُ أطفالٍ تَسيلُ أمامَهُمْ وَعَلى مَسامِعِهمْ تُهانُ نِساءُ
وَالمَسْجِدُ العُمَريُّ يَحْكي قِصَّةً عَنْ ذُلنا وَالسّاحةُ البَيْضاءُ
وَمآذنُ الأمَويِّ تنْفثُ أنةً تَهْتَزُّ مِنْ أصْدائِها الأرْجاءُ
قلعُ الأظافِرِ وَالدِّما وَطفولةٌ قتِلَتْ وَسِيقتْ لِلسِّجونِ نساءُ
ما حَرَّكَتْ حَرْفاً بِنَخْوَةِ شاعِرٍ لِيَقولَ (لا) فُرْسانُنا الفُصَحاءُ
* * *
لا تَغضبوا يا أيُّها الشُّعَراءُ لا تَكْتُبوا يا أيُّها الأدَباءُ
لا تَنْطقوا فَالذُّلُّ مَدَّ جُذورَهُ بِقُلوبِكُمْ فاسْتَحكَمَ الإعْياءُ
هِيمُوا بِأوْدِيةِ الجَمالِ وَحَلقوا في الوَهمِ حَتّى تَنْجَلي الظلْماءُ
وتَنَكّبُوا دَرْبَ الشعُوبِ فَدَأبُكمْ في عَصْرنا التصْفيقُ وَالإصْغاءُ
(وَدَعُوا المَكارمَ وَاقْعُدوا وَلَكُمْ عَلى هذي الشُّعوبِ الرِّزْقُ وَالإكْساءُ)
فَصِناعَةُ التّاريخِ ليسَ يُجيدُها أقْلامُكمْ وَخُطوطها العَوْجاءُ
وَغداً إذا ما الشعْبُ أنْجَزَ وَعْدَهُ وَزَهتْ بِهِ الحُرِّيةُ الحَمْراءُ
سَيُسَجِّلُ التّاريخُ: مَرَّتْ مِنْ هُنا الأطفْالُ وَالنسْوانُ وَالدَّهماءُ
لكنَّ ساحَ المَجْدِ لمْ يَخْطِرْ بِها وَيَمُرَّ عَبْرَ حُدودِها الشعَراءُ
البيت بين القوسين: تضمين لمعنى قول الحطيئة:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي