في ضَباب الشِعر
إنْ صاحَ : آهٍ ، أجابَـتْـهُ الـدُنَى : إيـهِ
يَـشـكو، وتَرقُـصُ جَـذلَى مِن تَـشـكّيهِ
تُـجْريهِ في سَـمْعِـها لَـحناً وقافـِيـة ً
وربُّـهُ مِن نَـجـيعِ الـقـلبِ يُـجْـريـهِ
العَينُ تُسْـكِـرُها عَـيناهُ ، إنْ هَـمَـتا
والأذْنُ تَـحْسو الضّـنَى، كالـشَهْـدِ ، مِن فِيه
دَعْـهُ، دَعِـيهِ، دَعُـوه، إنّـه كَـلِـمٌ
يَـْسقيهِ كَـلْـمٌ ، كُـلومُ الـرُوحِ تَسقـيهِ
*
رُوحٌ ، تَـطيرُ بهِ رُوحٌ، تَهـيـمُ بِـهِ
رُوحٌ مِـنَ الكَـونِ ، يُـصْبيها ، وتُـصْبيهِ
لا شَمْسَ تَمْلأ مِنْه قَـعْـرَ خابِـيَـةٍ
دِفـئاً.. ورَعْـشَـةُ ثَغـر الطِفلِ تـكـفيهِ
وإنّـه..لا ، وإنّـيْ ..لا ، وإنّ لَـهُ
عِـنديْ لَهِـيـباً ، تَـلـظّى في قـوافِـيهِ
بُروقُـهُ مِن غيومِ الشـوقِ في كبِدي
يَسـتـلّـها ، وشـرايـيـنيْ سَـواقـيهِ
فَمِنْ لَـدُنّيْ سَحابٌ ، مِنْ لَـدُنْه هَمَى
وفيْ " اللدنّـيْنِ " يَـطْـوينيْ .. وأطْـويهِ
الرُوحُ مَـنبـعُهُ، والصَدْرُ مَضْجَـعُهُ
والكَـونُ مَرتَـعُـهُ ، والقَـلـبُ راعِـيهِ
*
ما مِن مَعانِيهِ مَعْـنىً غَـيرُ ذِي حُرَقٍ
يُـصْـليْ الضلوعَ ، ونارُ الوَجْـدِ تُصْـليهِ
إنْ كنتُ إيّـاه ، أوْ إيّـايَ كانَ ، فَـما
كـنّـا سِـوَى واحـدٍ ، في لُـجـّةِ الـتّـيهِ
يَـجوزُ مِنّيْ قِـفاراً ، لا تُـجازُ لَـهُ
- لَـو لَـمْ أكُـنْـه -.. ويَـدْريني ، وأدْريهِ
أدنَى مَدىً مِـنْه أقْـصَى ما تَخَـيّـلَهُ
لُـبّـيْ ، وفيْ أضـلُعـيْ أقْـصَى أقـاصيهِ
في كلّ لَيلٍ ، لَـهُ لَـيلَى يَـهِـيـمُ بِـها
فـاللـيْـلَـيـاتُ نُـجـومٌ ، في لَـيالـيـهِ
جَمْـرُ الهَوَى في جليدِ الصَبرِ مُـتّـقِدٌ
فـِيهِ ، يُـكَـتّـمُـه حِـيناً ، ويُـبْـديـهِ
الحُبّ والفـرَحُ الساميْ قد اعْـتَـنَـقا
ضِـدَّيْـهِـما ، في عِـراكٍ ، في نـواحيهِ
*
دُنيا ضَبابٍ ، سَرابٍ ، ثَـورَةٍ ، قَـلَـقٍ
صَـحْـوٍ، وسُـكْـرٍ، وتَـلْميحٍ ، وتَـمْويهِ
سِـتّونَ ألـفاً مِن الأكْـوانِ كَـوّنـَها
- إذْ كَـوَّنـتْـه- فَرَفّـتْ مِنْ حَـواشِـيـهِ
في حَومَةِ الصِفْرِ مِنْه، البَدْءُ نَبْـعُ دَمٍ
شَـتّـى مَـسارِبُـهُ ، شَـتّـى مَـثاوِيـهِ
هُـنا عَـبِــيـرُ دَمٍ زاكٍ ، وثَـمّ دَمٌ
مُـستَـنـقَـعٌ ، عُجِـنَـتْ فِيهِ أفـاعِيهِ
*
دُنياهُ فيهِ ، ودُنيا الخَـلْـقِ في يَـدِهِ
إحْـدَى مَراياهُ ، تُجْـلَى في مَـجَـالـِيهِ
والناسُ فيهِ : ذِئـابٌ ، أوْ أبالِـسَـةٌ
أوْ أنـجُـمٌ ، أو قـطِـيعٌ مِن مَـعاتِـيـهِ
قدْ أنْجَبَ ابنُ سَـلولٍ نِصْـفَ سادَتِهمْ
أثْـوابُ حـاضِـرِهِـمْ مِن غَـزْلِ مـاضِيهِ
فأيّ بُرج نفاق مااعْـتَلاهُ فَـتىً
مِن نَسْـلِ أسـتـاذِهمْ ، أوْ مِن مَـوَالـِيهِ !؟
وَما الإبـاءُ ، لَـدَى هذا وعِـتْـرتِهِ
إلاّ سَـرابٌ ، مَـآقِـيـهِـمْ مَـنَـافِـيهِ
*
في الشِعرِ هذا، وكَرْمُ الشِعرِ ذو كَرَمٍ
لـِكُــلّ مَنْ شـاءَ خَمْـرٌ مِن دَوالِـيـهِ
خَمرٌ مُنَىً، ورُؤَىً خَمرٌ، وبَحْرُ هَوَىً
خَـمـرٌ ، هَـوَى كُلّ دَنٍّ في مَـهـاوِيـهِ
ولِلْهَـوَى ألفُ سِحْرٍ ، ألفُ مَملكَـةٍ
ويَـنـتَـقِـيْ كُـلُّ هَـاوٍ لَـوْنَ وادِيـهِ
لا شِعـرَ في الشِعرِ، إلاّ رُوحُ مُرْسِلهِ
فَـذا لِـذاكَ .. ولِـلأذهـانِ بـاقِـيـهِ
وسوم: العدد 735