إلى أبناء طرابلس الأبرار الأحرار ، أحفاد الجهابذة المرابطين على ثغور الإسلام العتيدة
بمحتدِكِ الكريمِ لنا ارتقاءُ= فشيمةُ أهلِك المثلى العلاءُ
طرابلسَ الشآمِ إليكِ منِّي= سلامٌ ماتخبَّطه الجفاءُ
علا في المجدِ قدْرُكِ ليسَ يخفى= على مَنْ جاءَ يحدوه الثناءُ
ولم يسبقْكِ في الغدواتِ عـزٌّ= وفي الروحاتِ أغناكِ الإباءُ
وإنْ مالتْ نفوسُهُمُ لشرٍّ= فأنتِ لحفظِ سيرتِهم وِجاءُ
سلمْتِ من المكارهِ والدنايا= ولم يدركْكِ للسَّفهِ احتواءُ
جميلةُ أجملِ البلدانِ وجهًا= حباهُ النُّورُ فازدانَ الرواءُ
رجالُكِ ـ والمآثرُ مغدقاتٌ = بهم مازالَ للناسِ اقتداءُ
يُتَبَّرُ ما أتى من قومِ سوءٍ= وليس لفضلِكِ الأسنى انتهاءُ
وعشتِ سنى الفخارِ بلا مِراءٍ= فمنكِ لصبحِ طلعتِه ابتداءُ
وحبُّكِ في الفؤادِ لقد تنامى= وأُفقُكِ في الربوعِ له بهاءُ
سموتِ بدعوةِ الإسلامِ مجدًا= ولم يلحقْكِ في الدنيا عفاءُ
وأهلوكِ الأُباةُ كما ارتآهم= إلهُ العرشِ بالأمجادِ جاؤوا
أُباةٌ لاتلينُ لهم قناةٌ= إذا ماهاجَ ظلمٌ واعتداءُ
وقد عرفتْهُمُ الأيامُ صِيدًا= وغيرُهُمُ بثوبِ الذُّلِّ باؤوا
فليس لهم لطاغيةٍ خضوعٌ= وليس لغيرِ بارئِهم ولاءُ
فكم بطلٍ مشى بعلاكِ فذًّا= وكم من عالِمٍ وبه اهتداءُ
لكِ السِّيرُ الحميدةُ في شبابٍ= توخَّاهم لرفعتِه المضاءُ
ولم تعدمْ نساءُ الحيِّ فضلا= وبالأخلاقِ فُضِّلت النساءُ
لهنَّ الفخرُ بالتقوى ولولا= جمالُ الخُلْقِ مازانَ الرِّداءُ
ركلْنَ مفاسدَ السُّفهاءِ هاجتْ= بها الأيامُ وانكشفَ الغطاءُ
وماذا سوف يبقى من سُمُوٍّ= إذا ولَّى بجملتِه الحياءُ
فهاهُنَّ اصطففْنَ على المخازي= وآواهُنَّ فحشٌ وارتماءُ
وعشْنَ العمرَ في كنفِ الملاهي= لهنَّ إلى قذارتِها انتماءُ
أهنَّ اليعربياتُ اللو اتي= شدا بصفاتِهنَّ الأوفياءُ ؟!
أم الشَّهواتُ غيَّرت المزايا= فعشْنَ لهنَّ للعارِ انحناءُ
كفاكِ مكانةً أُمَّ المعالي= ومثلُكِ في الفضائلِ لا تُساءُ
* * *=* * *
طرابلسَ الشآمِ حماكِ ربِّي= فأنتِ لوجهِ لبنانَ الضِّياءُ
ولولا وجهُكِ الفيَّاضُ نُبلا= لحلَّ بأرضِ لبنانَ البلاءُ
ولم تنفعْهُ حريَّاتُ خبثٍ= تخللها انحطاطٌ وانزواءُ
طوتْ لبنانَ أيامٌ عجافٌ= وأنتِ لكلِّ أهليه العزاءُ
وصدرُكِ مثلُ هذا البحرِ عمقًا= وليس تعكِّرُ البحرَ الدِّلاءُ
حباكِ اللهُ أجواءً شذاها= بأنفاسِ الربيعِ لها اصطفاءُ
وتحضنُكِ المباهجُ نيِّراتٍ= إذا حيَّتْكِ في صبحٍ ذُكاءُ (1)
سهولُكِ والمروجُ ظلالُ أمنٍ= وللرحمن في الأرضِ انتقاءُ
وآختْكِ المودةُ في حياةٍ= إليكِ ـ بنو مآربِها ـ أساؤوا
فسبحانَ الإلهِ حباكِ بِـرًّا= وأغنتْ فضلَه الحُللُ الوِضاءُ
كأنَّ الناسَ عنكِ لهم صدودٌ= لحقدٍ أو أصابهُمُ العماءُ
رأيتُكِ مرَّةً و وددْتُ أني= بظلِّ رباكِ قيَّدني الثواءُ
وكانتْ بضعَ ساعاتٍ كحلمٍ= ولم يحفلْ بصبوتنا اللقاءُ
وغبتُ وغبتِ عن عيني سنينًا= وفي الستين عاودني الوفاءُ
سباني فيك فجرُكِ والمغاني= بأنوارِ الهدى الأعلى تُضاءُ
ويُسمعُني ـ وقد أصغيتُ فيها= لماضي مجدِنا الغالي ـ حُداءُ
هوتْ للناسِ ألويةٌ وخارتْ= قُواهم ، والزمانُ له ابتلاءُ !!
ولم يوهنْكِ خطبٌ أو عدوٌّ= تمادى ، حيثُ يحضُنك الفداءُ
شمخْتِ أمامَ حدَّتِه إباءً= ولم يسقطْ على الأرضِ اللواءُ
وآبَ مجندلا يحدوه ذلٌّ= وغابَ ولم تباركْهُ السماءُ
* * *=* * *
طرابلسَ الشآمِ وأنتِ ثغرٌ= له بمحيطِ أمتنا انجلاءُ
وسعتِ المجدَ جاها حيثُ جاؤوا= إليكِ وحاملو الأمجادِ فاؤوا
سما فخرًا ، وللهممِ اعتدادٌ= وليس لأهلِها أبدا فناءُ
يموت المجرمون ووجهُ قومي= يُجدِّدُه مدى الدهرِ السَّناءُ
تلوَّثَ بالسَّفاسفِ ما أشادوا= من البنيانِ واعتكرَ الهناءُ
وفي أحنائِكِ العلياءُ طبعٌ= كريمٌ لايغيِّرُه العناءُ
فمَنْ شاءَ المروءةَ والتآخي= فعندكِ لم يُخيِّبْهُ الرجاءُ
ومَنْ شاءَ المضرَّةَ والتَّجافي= فللسفهاءِ ما طلبوا وشاؤوا
وفاؤُكِ ـ والحوادثُ شاهداتٌ= لكلِّ المكتوين بها شفاءُ
صبرتِ على المكاره والعوادي= وليس بطبعِكِ الأسمى اعتداءُ
فإنْ خذلوكِ ـ ويحهُمُ ـ وصدُّوا= فبالخذلانِ أهلُ الغدرِ باؤوا
فأنتِ منارةُ الإسلامِ منها= برغمِ الجَوْرِ ينطلقُ النداءُ
وهذا الفضلُ لايُعطَى جزافًا= وتلك مزيَّةٌ ولها ارتقاءُ
وأنتِ كففْتِ عنهم سوءَ شرٍّ= طرابلسَ الشآمِ وإنْ أساؤوا